Times of Egypt

هل زال خطر تغيير النظام الإيراني؟ 

Mohamed Bosila
نيفين مسعد

نيفين مسعد 

لا توجد حاجة لاستعراض مبررات العداء الإيراني-الإسرائيلي، ولا المظاهر المختلفة لهذا العداء؛ فجميعها تفاصيل معروفة، وتعود جذورها إلى تاريخ اندلاع الثورة الإسلامية، ثم قيام إيران بتزعم محور المقاومة.. لمواجهة سياسات الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين ولبنان. 

لكن ما يمكن قوله، هو إن حكومة بنيامين نتنياهو.. هي الحكومة التي اشتغلت – في وضح النهار – من أجل تغيير نظام الحكم في إيران؛ كجزء من عملية تغيير أشمل لوجه الشرق الأوسط.. بعد «طوفان الأقصى». 

وبالتالي، لم يكن من قبيل المصادفة.. أن يستهدف العدوان الإسرائيلي على إيران – في الثالث عشر من هذا الشهر – مقر المرشد الإيراني الأعلى السيد علي خامنئي. وأن تتوالى تصريحات نتنياهو، التي تدعو الشعب الإيراني للخروج على النظام، لأنه – من وجهة نظره – لم يكن أضعف مما هو عليه الآن، مع عدم استبعاد نتنياهو أن يتم استهداف المرشد شخصياً، لأن موته سيُنهي الصراع مع إيران. 

وكان هذا هو نفس المعنى، الذي عبَّر عنه يسرائيل كاتس – وزير الدفاع الإسرائيلي – بشكل لا يقل فجاجةً.. حين قال: إن رجلاً مثل خامنئي، لا ينبغي له الاستمرار في الوجود. والأخطر من ذلك كله، كان هو التحرك الإسرائيلي – خلال العدوان على إيران – من أجل قصف مقار الشرطة الإيرانية، وسجن إيڤين الشهير.. بهدف خلق فوضى تمهد لإسقاط النظام. 

ومع أن مسألة تغيير النظام الإيراني، لم تكن أولويةً معلنةً للإدارة الأمريكية الحالية، بل توالت تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.. التي أكدت أهمية عدم امتلاك إيران السلاح النووي، وعدم الاهتمام – في المقابل – بتغيير نظام الحكم الإيراني؛ إلا أنه مع وقوع العدوان الإسرائيلي على إيران، ترك ترامب الانطباع بأنه.. ربما يكون قد غيَّر رأيه.  

مرةً بقوله.. إنه يعرف مكان اختباء المرشد الإيراني، لكن هذا ليس وقت استهدافه؛ ما يعني أن ترامب لا يمانع في اغتياله.. من حيث المبدأ، لكن في الوقت المناسب. ومرةً أخرى بقوله.. إنه – وإن كان ليس سليماً استخدام مصطلح تغيير النظام – إذا عجز نظام إيران عن جعلها عظيمة.. فلم لا يتم تغييره؟  

ومن المفهوم، أننا اعتدنا من الرئيس الأمريكي – في مناسبات مختلفة – على أنه لا يعني بالضرورة.. ما يقول، لكن – في الوقت نفسه – لا يوجد ما يمنع من أن يعني ما يقول؛ خصوصاً أن للولايات المتحدة ميراثاً طويلاً.. من تغيير النظم في دول العالم الثالث، ومنها إيران. 

وبناءً على ذلك، فإنه سواء كان تغيير نظام الحكم في إيران.. يمثل رغبةً إسرائيليةً خالصةً، أم يمكن للإدارة الأمريكية أن تنضم إليها، فإننا إزاء سيناريو مطروح.. لا يتأثر بتوقف الحرب الإسرائيلية-الإيرانية. ينطلق نتنياهو من أن اغتيال المرشد الإيراني، سيؤدي إلى انهيار نظام الحكم، وأن انهيار نظام الحكم الإيراني.. سيؤدي للإقلاع عن فكرة تطوير/إحياء البرنامج النووي الإيراني. 

 وهذا ربط ميكانيكي.. بين عناصر غير مرتبطة، ينم عن عدم فهم لتعقيدات النظام السياسي الإيراني، وعن عدم معرفة بطبيعة الشخصية القومية الإيرانية؛ فلو كان اختفاء مرشد الجمهورية الإسلامية، يترتب عليه انهيار النظام السياسي.. لكان هذا النظام قد انهار في عام 1989؛ بوفاة آية الله الخميني.. بكل رمزيته كقائد للثورة الإيرانية، ومطور لنظرية ولاية الفقيه. لكن النظام استمر حتى اليوم.  

وبالنسبة للمرشد الحالي – وبالنظر إلى عمره المتقدم، وحالته الصحية المتدهورة – فإن البحث عن خليفةٍ له.. قائم منذ عدة سنوات، وإن كان هذا البحث يجري في تكتم شديد، إلا أن هناك عدة أسماء معروفة مطروحة بالفعل، ولكلٍّ منها نقاط للقوة وأخرى للضعف. ولحين اختيار المرشد الجديد – من بين هذه الأسماء أو من خارجها، بواسطة مجلس الخبراء.. باعتباره المؤسسة المختصة بهذا الشأن – فإن الدستور الإيراني ينظم حالة شغور منصب المرشد. والقصد أن اغتيال المرشد.. لن يُحدث فراغاً في القيادة، وإن كان سيُحدث صدمةً كبيرةً، ويوجد فارق بين الأمرين. 

من جهة أخرى، ليس ثمة ما يفيد بأن إسقاط النظام الإيراني.. سيؤدي إلى التخلي عن محاولة إعادة بناء البرنامج النووي.. الذي من المبكر معرفة أين أصبح الآن بعد الضربات الأمريكية-الإسرائيلية لمنشآته، ولقد رأينا التضارب في تقييم نتائج تلك الضربات.. ما بين الرئيس الأمريكي وجهاز استخباراته. 

لكن في كل الأحوال، فإن البرنامج النووي لا يرتبط بأيديولوجية النظام القائم، وتوجهه وجهةً إسلاميةً.. اعتباراً من عام 1979؛ بل إنه يمثل جزءاً من عملية بناء قوة الدولة الفارسية، فبداياته تعود إلى عام 1957.. مع محمد رضا، الشاه الأخير من أسرة بهلوي. ومع اندلاع الحرب العراقية-الإيرانية توقف العمل بالبرنامج لأسباب لوجستية، ثم تواصل تطويره بعد انتهائها. والدارس جيداً لإيران، يعرف مدى قوة الانتماء للقومية الفارسية بين أبنائها، وشعورهم بالتفوق القومي في محيطهم الإقليمي، ويأتي التعامل مع تطوير البرنامج النووي.. كأداة لتعزيز سردية التفوق هذه. 

كما أن المتابع لموضع المسألة النووية في النقاش الداخلي الإيراني، سيجد أن هناك اختلافاً حقيقياً حول طريقة التعامل مع المجتمع الدولي – بخصوص هذه المسألة – ما بين الأصوات التي تؤيد الحل الدبلوماسي من جهة، والأصوات التي ترفض استدراج إيران.. لتقديم أي تنازلات، تتعلق ببرنامجها النووي.. نظير رفع العقوبات الاقتصادية من جهة أخرى. لكن أحداً لن يجد أصواتاً تؤيد حرمان إيران من حقها المشروع.. في أن يكون لها برنامجها النووي. 

إن خطر العمل على إسقاط النظام الإيراني ما زال قائماً، لأن له مبرراته من المنظور الإسرائيلي. وهناك عملاء للموساد موجودون على أرض إيران، ويتحركون في هذا الاتجاه. وذلك أن الالتفاف الشعبي حول النظام.. لن يستمر طويلاً بعد توقف الحرب؛ خصوصاً مع ارتفاع تكاليف إعادة الإعمار. ومن ثم ستعود التناقضات الداخلية إلى الظهور.  

ولذلك، فإنه بعد أن يلتقط النظام أنفاسه، قد يكون عليه أن يبادر بإصلاح نفسه من الداخل؛ مع أنه من المفهوم أن الحرس القديم.. سيقف لهذا الإصلاح بالمرصاد، رغم أنه خطوة مهمة.. تحسباً لسيناريوهات أخرى سيئة. 

نقلاً عن «الأهرام« 

شارك هذه المقالة
اترك تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *