Times of Egypt

نتنياهو.. الجريمة والعقاب! 

Mohamed Bosila
عبدالله السناوي 

عبد الله السناوي 

 لمرتين متتاليتين، أعلنت الحقائق نفسها مجدداً في الحرب على غزة، طبيعتها وأطرافها المتورطة في أبشع الجرائم الإنسانية، وأكثرها تنكيلًا بأي معنى سياسي وأخلاقي. 

بالمرة الأولى، استخدمت الولايات المتحدة حق النقض «الفيتو».. لإجهاض قرار أممي، يتبنى وقفاً فورياً وغير مشروط ودائم لإطلاق النار في غزة، وانسحاب القوات الإسرائيلية بشكل كامل. وقفت بمفردها في مواجهة إجماع أعضاء مجلس الأمن، وأملت إرادتها على العالم بأسره. 

وبالمرة الثانية، عارضت – بمفردها تقريباً – قرار المحكمة الجنائية الدولية، استصدار مذكرتي توقيف بحق بنيامين نتنياهو – رئيس الوزراء الإسرائيلي – ويوآف جالانت – وزير دفاعه المقال – بتهمة ارتكاب جرائم حرب. 

لم يكن استخدام «الفيتو» لحماية «الحليف الإسرائيلي».. مستجداً أو مستغرباً على السياسات الأمريكية، لكنه بدا هذه المرة – أكثر من أية مرة سابقة – إمعاناً في التواطؤ على الدم الفلسطيني. 

كان لافتاً، أن الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة.. صوتوا ضدها لصالح القرار المجهض. 

لم تُخفِ المندوبة البريطانية حزنها الشديد.. لعدم صدور قرار وقف إطلاق نار، يُنهي المأساة المروعة، لكن إدارة جو بايدن لم تأبه بتآكل هيبتها، وغياب أي منطق في استمرار الحرب. في اليوم التالي، وجدت الإدارة الأمريكية نفسها أمام اختبار آخر، أكثر خطورة على مستقبل النظام القانوني الدولي. استهانت بـ«الجنائية الدولية»، وشككت في صدقيتها، وألمحت إلى إجراءات عقابية قد تتخذها ضدها. 

كان ذلك استهتاراً مزدوجاً بالقانون الدولي، وأي اعتبار إنساني، وتماهياً مع جرائم الحرب؛ التي استدعت مثول الدولة العبرية أمام محكمة العدل الدولية.. بتهمة الإبادة الجماعية. الحقيقة التي لا بد أن تُقال: إن الفلسطينيين لا يحاربون إسرائيل وحدها. 

بأثر صدمة السابع من أكتوبر (2023)، كادت إسرائيل أن تفقد ثقتها في قدرة جيشها على الردع، وكفاءة مؤسساتها الاستخباراتية والأمنية، ومستقبل الدولة نفسها. بدت على وشك الانهيار من الداخل، لولا تدخل الولايات المتحدة.. لحمايتها من هزيمة استراتيجية، يصعب تدارك تداعياتها على المصالح الغربية في المنطقة. 

هرعت الإدارة الأمريكية لمنع ذلك الانهيار، حرَّكت حاملة الطائرات «جيرالد فورد» – مصحوبة بسفن عسكرية – في البحر المتوسط بالقرب من مسرح العمليات؛ باسم «التنسيق الاستخباراتي والعسكري».. دفاعاً عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها. 

كانت تلك المرة الأولى في الحروب العربية-الإسرائيلية، التي يكون فيها الفلسطينيون الطرف الآخر المباشر.. على مسارح العمليات الواسعة. لاستعادة هيبته، وقدرته على إخافة من حوله، ارتكب الجيش الإسرائيلي مجازر مروعة في غزة المحاصرة لتركيعها.. دون جدوى، قطعت إسرائيل المياه والكهرباء وإمدادات الطعام عنها، واستهدفت طواقم الإسعاف لعلها تنتقم مما لحقها من إذلال، ثم تمادت في التقتيل والتجويع وتعذيب الأسرى.. إلى حدود استدعت سؤال الجريمة والعقاب أو أين العدالة الدولية؟ 

الإعلام الغربي مال – في عمومه – إلى تبني السردية الإسرائيلية.. عن أحداث السابع من أكتوبر، أدان الضحية الفلسطينية، التي تتعرَّض يومياً للتنكيل والتقتيل، والتهجير القسري من البيوت دون أن ينهض أحد في العالم لرفع الظلم عنها.. دون فحص لجذور الصراع وحقها في المقاومة. 

لم يكن ممكناً لإسرائيل أن تمضي في عمليات الانتقام والتنكيل.. إلى حدود «الإبادة الجماعية» في قطاع غزة، دون مشاركة كاملة من الولايات المتحدة، التي حمتها من أية مساءلة، كأنها دولة فوق القانون الدولي. 

رغم ذلك، لم تنجح في تحقيق أي من أهدافها المعلنة في الحرب على غزة، لا اجتثت المقاومة، ولا استعادت رهائنها في غزة، ولا استطاعت – بالوقت نفسه – أن تفرض كلمتها على المقاومة اللبنانية. 

رغم الأوضاع المريرة في غزة.. التي هُدمت تقريباً، وخُربت فيها كل مظاهر الحياة، فإن المقاومة ظلت تقاتل بالأظافر حتى لا ترفع الرايات البيضاء. 

الأثر الرمزي والأخلاقي.. للقرار الجنائي الدولي لا يمكن تحدِّيه، حتى لو جرى تعطيله بصورة أو أخرى. فهو يؤكد عدالة القضية الفلسطينية، وحق شعبها في اكتساب حريته فوق أرضه. 

كان يُفترض استصدار مذكرات توقيف مماثلة بحق ثلاث قيادات فلسطينية كبيرة، «إسماعيل هنية» و«يحيى السنوار» و«محمد الضيف» بتهمة ارتكاب جرائم حرب في السابع من أكتوبر. هناك فارق جوهري بين الحقائق والدعايات، التي نفتها تقارير إسرائيلية نشرتها صحيفة «هاآرتس». 

استشهد «هنية» و«السنوار»، و«نتنياهو» نفسه أعلن سابقاً اغتيال «الضيف». هكذا أخذ العدل مجراه بعيداً عن «هندسة مذكرات التوقيف»، ثلاثة فلسطينيين مقابل إسرائيليين، لتخفيف وطأتها على الدولة العبرية، ليجد «نتنياهو» و«جالانت» نفسيهما وحيدين في قفص الاتهام. 

نُفذت أو لم تُنفذ مذكرتا التوقيف، فإنه لا يمكن إلغاء الأثر التاريخي النافذ، إسرائيل دولة «مارقة» تتصور نفسها فوق القانون الدولي ومصونة من أي مساءلة عن جرائم الحرب التي ترتكبها. 

نُزعت أية مسوح.. تنتسب لحق الدفاع عن النفس، أو أية ادعاءات.. تتهم فكرة العدالة الدولية بـ«العداء للسامية»، كأنَّ إطلاق هذه التهمة الجاهزة.. تصريح دائم بارتكاب أبشع الجرائم دون عقاب. 

أفلتت ردات فعل «نتنياهو» عن كل قيد. وصف القرار الدولي بـ«الشائن».. متصوراً أنه فوق المساءلة القضائية الدولية، وأن دعم الولايات المتحدة يكفي ويزيد لتعطيل أي عقاب. اعتبر نفسه ممثلاً للديمقراطيات في العالم.. التي تتعرَّض – بقرار «الجنائية الدولية» – إلى بطش غير مسبوق يشجع على العنف والإرهاب! ربما فوجئ أن دولاً أوروبية كبرى.. أعلنت التزامها بتنفيذ ما دعت إليه المحكمة الدولية، بمعنى توقيفه إذا دخل أجواءها، وقد تضم قائمة المتهمين مستقبلًا شخصيات أخرى عسكرية؛ مثل «هرتسي هليفي»، وحكومية مثل «إيتمار بن غفير» و«بتسلئيل سموتريتش». 

يصعب توقع ما قد يحدث بالضبط، حيث يتمتع القضاء الأوروبي باستقلالية حقيقية، وسوف يلتزم يقيناً بما يصدر عن المحكمة الجنائية الدولية. 

بما هو مؤكد، فإن مذكرة توقيف «نتنياهو» بالذات.. تثبت للأجيال الجديدة في الغرب، صحة المواقف التي اتخذوها في الدفاع عن الضحية الفلسطينية، وحقها في المقاومة والحرية، كما تبدت في احتجاجات جامعات النخبة الأمريكية والغربية. إنها توفر أساساً أخلاقياً قوياً لمد جديد في موجات الغضب تضامناً مع القضية الفلسطينية. 

أي صدام مع المستقبل خاسر مقدماً. 

الاحتلال ليس مشروعاً.. والمقاومة ليست إرهاباً 

المقاومة فكرة والأفكار لا تموت. 

نقلاً عن «الشروق» 

شارك هذه المقالة
اترك تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.