Times of Egypt

مواجهة جرائم العنصر البشري 

Mohamed Bosila
أحمد الجمال

 
أحمد الجمال 

ستبقى قضية العنصر البشري في بلدنا.. قضية القضايا، التي إن لم يتم التعامل معها.. بقوة وسرعة وحكمة، أي دراسة تدخل فيها علوم.. الاجتماع وعلم النفس الاجتماعي والإدارة وتنمية المهارات وإعادة التأهيل وغيرها، ومعها – وربما قبلها وفي أثنائها وبعدها – تكريس وعي فردي وجمعي.. مبني على العلم والثقافة، وليتعاظم الانتماء والولاء والالتزام. 

إذا لم يحدث ذلك، فلن يكون غريباً أن تنكسر قلوبنا، وتدمى أنفسنا، ونحن نتابع مآسي السكة الحديد، حيث يتولى المسؤولية واحد من أكفأ وأقوى المسؤولين، ليثبت نجاحه في كل مهمة أوكلت إليه.. منذ كان في الهيئة الهندسية. وتنبع كفاءته وقوته.. ليس من أنه قائد عسكري، وصل إلى أرفع الرتب، وإنما لأنه يعتمد على العلم والتكنولوجيا، وأحدث ما قدمته الدول المتقدمة.. في المجال الذي يعمل فيه. 

وقد جاءت الحوادث الأخيرة في السكة الحديد.. عقب عرس افتتاح محطة بشتيل المتميزة. جاءت الحوادث نتيجة إهمال عمال أو موظفين. ولنا أن نتخيل حجم الإحباط والألم النفسي والضجر.. الذي يصيب من بذلوا – ويبذلون – أقصى ما يملكون من صحة وجهد وطاقة وتفكير وحركة.. في سبيل العمل الذي يشرفون عليه. ثم لنا أن نعلم مساحة الضرر.. الذي يلحق بالمنظومة الوطنية كلها – أي في الجوانب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية – بسبب إهمال وعدم وعي أحد الأفراد، أو عدة أفراد في القاعدة على هرم الجهة التي يعملون فيها، ناهيك عن الضحايا من القتلى والجرحى والآخرين، الذين تعطلت أعمالهم وانقطعت أرزاقهم.  

إنها معادلة صعبة.. أن نجد في شوارع العاصمة – والمدن الكبرى والصغرى والأرياف – عربات الكارو التي تجرها الدواب، جنباً إلى جنب أفخم وأغلى السيارات، وأحدث وسائل النقل.. ونشاهد «العربجي» – الذي يمسك بالسوط – يلهب ظهر وجسد الحصان أو الحمار الهزيل، وهو مشهد يقوم بعض السائحين بتصويره.. ليس لأنه فلكلور مصري وفقط، وإنما يعمد بعضهم لذلك، للتشهير بمصر وبالإنسان المصري.  

وإذا انتقلنا إلى معظم – إن لم يكن كل – مشاهد حياتنا الاجتماعية؛ فستصدمنا هذه التركيبة التي طال زمنها، وكنا منذ سنين طويلة.. نظن أو نعتقد أنها من سمات المراحل الانتقالية، حيث يتجاور القديم البالي.. مع الجديد الزاهي، وإذا بالظاهرة تستمر عقوداً من بعد عقود؛ لنجد موظفاً أمامه كمبيوتر من أحدث الطرز وما زال يُعَقِّد الأمور ويوحي بالإكرامية – اسم الرشوة المهذب – وبجواره كوب شاي.. يطفئ فيه عقب سيجارته، والكوب تارك بصمته الغامقة القذرة.. على سطح المكتب، ونجد عاملاً فراشاً.. حوَّل المساحة حول المقعد الذي يجلس عليه أمام باب غرفة مسؤول محترم، إلى طفاية سجائر وتتناثر بقايا الطعام.  

وإذا انتقلنا للشارع – حيث الكارو والتكاتك والميكروباصات القديمة.. مهشمة الصاج والفوانيس وتريللات النقل الثقيل السارحة ليلاً، خاصة على محور السيدة جيهان وامتداد رمسيس وطريق المشير وشارع التسعين، ومعها الملاكي من كل ماركة، نزولاً من البورش والفيراري والمرسيدس والبي إم والأودي، إلى الياباني والكوري والصيني والماليزي.. وغيرها من الماركات التي تصنع في تلك البلاد – فسنجد فوضى لا مثيل لها.  

وكم من مرة عقدت العزم على أن أبادر.. لحفز أقلام كثيرة لتكتب في شأن فوضى الشارع المرورية، لأنني يتصادف أن أمر من تلك الطرق التي ذكرتها.. من التجمع إلى وسط القاهرة وإلى الجيزة، فيصيبني الرعب، خاصة إذا دخل الليل وغابت – أو نامت – العيون التي من واجبها مراقبة وضبط حركة السير، إذ أجد نفسي وسيارتي.. على وشك أن نُعجن من تريللا نقل ثقيل.. منطلقة بسرعة رهيبة، تتجاوز بكثير.. السرعة المقررة، وهي بغير لوحات. وإذا وجدت اللوحات، فهي مطموسة بالإسمنت أو التراب أو الزفت – أي بالمادة التي تنقلها الشاحنة – ويقودها أرعن متجبر.. يتعمد إنزال الرعب، وإخافة الآخرين.. بحجم شاحنته.  

والأكثر مأساوية، أن تجد العنصر البشري – منحرف السلوك، عديم الوعي – متفشياً أيضاً.. في شرائح يفترض فيها الرُّشد المسلكي والوعي السليم، وهم سكان ومالكو الكمبوندات أو التجمعات السكانية الراقية، حيث السير عكس الاتجاه – بإمعان وتكرار.. وبغير اضطرار – استشرى في معظم شوارع القاهرة الجديدة.. بتجمعاتها وأحيائها. 

ولا أدري حتى الآن، لماذا لا يتم تركيب كاميرات للمرور في كل هذه الشوارع؟ ونبحث عن طريقة.. لتحيل تكلفتها على مالكي تلك الوحدات السكنية، عبر إدارات اتحاد ملاك كل «كمبوند»، بل ويُلزَم كل كمبوند.. بتركيب كاميرات على نواصيه وأسواره، تكون مخصصة لخدمة شرطة المرور ونيابة المرور. 

ثم حدِّث بغير توقف.. عن العنصر البشري والنظافة والقمامة، وشَغل الأرصفة في أرقى الشوارع؛ كعباس العقاد.. في مدينة نصر، بطاولات «نصبات» متعددة متلاصقة – تعرض بضائع مختلفة – فتمنع المشي على الأرصفة، وتسبب المضايقات لكل ساكني عمارات الشارع، ويلعب أصحابها لعبة القط والفأر مع سلطات البلدية أو الأحياء، بل إن بعضهم يشكلون ما هو أقرب للتشكيلات العصابية مع البوابين، الذين يقدمون مداخل العمارات مأوى لهؤلاء المشبوهين.. حيث يختفون إذا داهمت المنطقة حملات الأحياء والشرطة، لضبط تلك الإشغالات. كما يتم استخدام تلك المداخل.. لتخزين البضاعة فيها عند المغادرة.  

وهناك مجال آخر، يلعب فيه العنصر البشري غير الواعي – أو متعمد الإساءة – الدور الأساسي؛ وهو مجال الشائعات، والإساءة لكل ما هو إيجابي ومحترم.. في مسيرة الوطن.  

إنه عنصر يزيد إجرامه عن عامل مزلقان، أو سائق جرار وشاحنة، لأن الأخيرين لهما ضحايا محدودون، أما مؤلفو الشائعات والإساءات ومروجوها.. فضحيتهم المباشرة أمن الأمة، ووعي شعبها؛ أي حاضرها ومستقبلها.  

إن قضية العنصر البشري.. هي من صميم استراتيجية بناء الإنسان، التي طالما تحدثنا عن معناها ومسماها وأدواتها.. ولابد أن ننجز أسسها اليوم قبل الغد. 

نقلاً عن «الأهرام« 

شارك هذه المقالة
اترك تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.