أحمد الجمال
يقولون إن «في الإعادة إفادة». ولذلك، أكرر – وأستمر في – إلحاحي على الكتابة عن أعياد
مصر؛ مسيحية وإسلامية، وعلى الإشارة أحياناً – والاقتباس أحياناً أخرى – من الإنجيل؛ حيث
أعتقد أنه واجب على كل مصري.. حصل على قدر من التعليم، وسعى إلى قدر من الثقافة. فما
البال بواجب النخب الثقافية والأكاديمية، التي قد يجيد بعضها التعبير عن اطلاعه العميق.. على
مدارس الفكر والفن الأجنبية، فإذا تصادف وطلب إليه أن يتكلم عن المكنونات الوجدانية
للمصريين، وكيف أبدعوا ضفائرهم الحضارية المبهرة.. فلا يستطيع، وربما يعتبر الكلام في تلك
الموضوعات.. هدراً للجهد وللوقت، وزاداً للتخلف.
ثم إنني – أمام إصرار الصهاينة والأمريكان وغيرهم – على تديين الصراع التحرري الوطني
والقومي والإنساني.. بين النازية الصهيونية العنصرية المتعصبة، وبين حركة التحرر الوطني
الفلسطيني.. بفصائلها المتعددة؛ أصر على ذلك الإلحاح، لأنهم يستهدفون دق الأسافين في نسيجنا
الوطني، باعتماد وإقرار الفرز السياسي.. على أساس الانتماءات الدينية.
ولما نعيش مع عيد ميلاد السيد المسيح – له المجد – وفق التقويم المصري، أي في يوم 29 كيهك،
فإن الميلاد عندي.. ليس مناسبة موقوتة بيوم معين، إذا أخذنا الأمر من زاوية السياق الوجداني
للإنسانية؛ خاصة في منطقتنا.. التي هي مهبط الوحي السماوي لحنيفية إبراهيم – عليه السلام –
وما اتصل بها، أي اليهودية والمسيحية والإسلام، ناهيك عما هو معروف.. عن رسالات أخرى،
كُلف بها رسل وأنبياء.. منهم من عرفنا، ومنهم من لم نعرف.
لقد كان وسيبقى الميلاد.. موتاً لكل الذين انحرفوا، وجعلوا من بيوت الله مغارات للصوص،
واستباحوا كل القيم والمبادئ والتعاليم السامية.. التي أمر بها الله، عز وجل. وكان الميلاد –
وسيبقى – بعثاً وإحياء لتلك القيم والمبادئ والتعاليم. ثم إنها قد تكون مناسبة للحديث عن أن حربنا
ضد الإرهاب، الذي قد يتجدد إذا أهملنا الحذر منه؛ هي – في وجه من وجوهها – دفاع عن
وجدان أمتنا، الذي تراكمت خلاياه وتماسكت وتناغمت.. منذ عرف أجدادنا القدامى التفكير في
نشأة الحياة من الماء، وكيف تم الفصل بين السماء وبين الأرض.. بعد أن كانتا رتقاً قبل فتقهما،
ومنذ استقبلنا إبراهيم الخليل، وربينا ورعينا موسى الكليم، وحمَينا عيسى المسيح «والعدرا»
الطاهرة، وآوينا وأكرمنا آل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم.
إننا نقرأ الموعظة على الجبل في الإنجيل، ولا يملك القلب السليم.. إلا أن يخشع أمام ما تحويه من
معانٍ سامية رفيعة، ويكون لمثلي.. أن يذهب إلى أن التراث المسيحي – الذي هو فقرات رئيسية
في عمودنا الحضاري الثقافي – يمثل وجهاً مهماً من وجوه عظمة ما قدمناه للبشرية.. عبر حقب
تاريخنا القديم والوسيط والحديث، ومدى عمق دور الإسكندرية.. منذ أنشئت عاصمة لثقافة
العالم؛ حيث اندمج المصري مع الإغريقي مع الروماني والسرياني والفارسي والعربي، ولتكتمل
معالم الثقافة الهللينيستية، ثم تتوج المسيرة في مرحلة مهمة.. بدور كرسي الإسكندرية الرسولي،
في التأسيس للاهوت والفكر المسيحي، ولتتصل عندي الحلقات.. عندما أقرأ ما أبدعه محيي الدين
بن عربي وجلال الدين الرومي، وهما صديقاي اللذان صاحبتهما وزرتهما كثيراً، رغم أنني لم
أرهما، إذا أزور الأول في دمشق، وأزور الثاني في قونية.
وحيث عبّر ابن عربي – في «فصوص الحكم» – عن معانٍ تفك طلاسم.. ما ظن – ويظن –
بعض الجهلة، أنه صميم الاختلاف بين اللاهوت المسيحي وبين الإسلام، فيظهر الأدلة على أن لا
خلاف، وكذلك فعل جلال الدين الرومي في «المثنوي».. تجاه حكاية التعدد والوحدانية!
لقد كان ميلاد السيد المسيح – فيما أفهم – بشارة تحقق نبوءة سفر التكوين التوراتي، التي تحدثت
مرتين عن الإرادة الإلهية.. في أن يكون إسماعيل بن إبراهيم أمة عظيمة؛ لأنه بالسيد المسيح..
اختتمت الرسالة في نسل إسحق، ليستقبلها نسل إسماعيل؛ ممثلاً في النبي محمد.. عليه الصلاة
والسلام.
ويجيء عيد الميلاد، وقد تمكنت مصر من إقصاء الذين حوّلوا بيوت الله لمغارات لصوص، وإن
بقيت بعض الجيوب المتسلفة.. التي قد يصدق فيها الإصحاح السابع من إنجيل متى: «.. من
ثمارهم تعرفونهم. هل يجنون من الشوك عنباً ومن الحسك تيناً؟! هكذا كل شجرة جيدة، تصنع
ثماراً جيدة.. وأما الشجرة الردية، فتصنع ثماراً ردية.. لا تقدر شجرة جيدة، أن تصنع ثماراً
ردية، ولا شجرة ردية، أن تصنع ثماراً جيدة. كل شجرة لا تصنع ثمراً جيداً.. تقطع وتلقى في
النار، فإذًا.. من ثمارهم تعرفونهم».
وأرجوكم أن نتأمل، كل من واجبه أن يقدم ثماراً لوطننا، هل ثماره جيدة أم ردية؟!
نقلاً عن «المصري اليوم»