Times of Egypt

ملاحظات أولية على الاتصالات الأمريكية بـ «حماس»

Mohamed Bosila
د. أحمد يوسف أحمد  

د. أحمد يوسف أحمد..
لعل واحداً من أهم التطورات المتعلقة بالأوضاع في فلسطين.. هو أنباء الاتصالات الأمريكية المباشرة مع «حماس»،التي خرجت إلى العلن أخيراً، ولا نعرف متى بدأت، ولا مصيرها كذلك.
والمهم أنها بدأت – بكل ما في هذه البداية من دلالات – وتثير هذه الأنباء لديَّ على الفور.. أربع ملاحظات أولية أوجزها كالتالي:
تتعلق الملاحظة الأولى بالتوقيت، فقد كُشِف الغطاء عن الاتصالات.. في وقت أقل ما يوصف به، أنه يمثل ذروة التصعيد، وذلك من خلال أفكار ترامب الشوهاء.. عن تهجير أهل غزة، وشرائها، وتوزيع أجزاء منها على دول أخرى، وتحويلها إلى ريفييرا الشرق الأوسط.. وكل هذه الخزعبلات، وكذلك تهديدات إسرائيلية لا تتوقف.. عن استئناف القتال، فضلاً عن ضراوته في الضفة، وتصريحات شبه يومية من ترامب.. عن الجحيم، والفناء الذي ينتظر غزة وأهلها.. ما لم تفرج «حماس» عن جميع الأسرى والرهائن فوراً. وهو ما لم يحدث، دون أن تُنَفَّذ التهديدات.. حتى الآن.
ويعرف المتخصصون أن هذه الممارسات.. تندرج تحت مفهوم «الردع»، ويقوم على إطلاق تهديدات.. بتوظيف مدمر للقوة، بغرض إجبار الخصم على قبول تنازلات.. دون أن يُضطر مُطْلِق التهديدات إلى الاستخدام الفعلي للقوة. وفي حالتنا، ليس هناك ما يخيف المقاومة وأهل غزة.. من جحيم أو غيره؛ فقد عاشوه – في أقسى صوره – لمدة 14 شهراً – وواضح أن نتنياهو لديه مشكلة حقيقية.. في استئناف الهجوم، فماذا لو بدأ القتال بالوحشية ذاتها، وصمدت المقاومة – كما فعلت منذ 7 أكتوبر – ولو بعض الوقت، وألحقت بإسرائيل خسائر موجعة.. زادت من وضعه الداخلي تعقيداً، ومن اتساع دوائر العداء لإسرائيل في الرأي العام الدولي.. بما في ذلك الأمريكي؟
أما الملاحظة الثانية.. فتتصل بفرض لا يمكن تجاهله، وهو أن هذه التطورات تثير الشك.. في أن تكون لدى ترامب «سياسة» بمعنىpolicy تجاه المسألة الفلسطينية – والسياسة ببساطة.. هي خطة، أو قرار بعيد المدى، يتضمن اتساق القرارات المتعلقة بقضية معينة – وهو ما لا نجده في حال سياسة ترامب تجاه إسرائيل حتى الآن؛ فقد تأرجح ما بين اقتراحه تهجير أهل غزة، وشرائها.. وباقي هذه القصة الشوهاء. وتهديده بصب الجحيم عليها، وإنهاء وجود «حماس»..ما لم تستجب لخطته من جانب. وبدء اتصالات مباشرة معها.. من جانب آخر. وهو ما يعني أن احتمالات التراجع في قراراته – أياً كانت – قائمة دائماً، ويُعَقد ذلك.. مهمة المعنيين بتطوير ردود أفعال لهذه القرارات، بل إن التضارب يحدث داخل القرار ذاته؛بمعنى أن ثمة اتصالات فعلية.. تمت بين مبعوث ترامب لشئون الرهائن وبين «حماس»، وأدلى بعدها بتصريحات يمكن وصفها بالإيجابية عن ممثلي حماس، ثم ألحقها بتأكيد المواقف الرافضة لحماس – ذاتها – وما فعلته.. وهكذا.
وتتصل الملاحظة الثالثة.. بالتساؤلات التي استغربت اتصال الولايات المتحدة بمنظمة.. تصنفها كمنظمة إرهابية، وهي تساؤلات تكشف عن عدم دراية بسوابق السياسة الأمريكية، وكيف تتحول من الموقف لنقيضه، سواء لتغير يطرأ على المنظمات – المُصَنَّفة إرهابية من وجهة النظر الأمريكية – أو على السياسة الأمريكية ذاتها. والواقع أن الطابع البراجماتي للسياسة الأمريكية.. أوجد لها سجلاً حافلاً من التعامل مع منظمات، اعتبرتها – بحق أو بدون حق- إرهابية؛ بدءاً بالتعاون مع القاعدة في قتال القوات السوفيتية في أفغانستان.. في ثمانينيات القرن الماضي، ثم تغيير الموقف الأمريكي من منظمة التحرير الفلسطينية.. التي كانت الولايات المتحدة تعتبرها إرهابية، ففي نهاية الولاية الثانية للرئيس ريجان اتخذ قراره بفتح حوار مع المنظمة..في ديسمبر 1988.
وإذا كان هذا القرار.. يجد تبريره في موافقتها رسمياً على قراري مجلس الأمن 242 و338،والاعتراف بحق إسرائيل في الوجود، فإن مفاوضات ترامب – في ولايته الأولى – مع طالبان لم تنطو على أي تنازلات منها، وهي المفاوضات التي انتهت باتفاق معها في فبراير 2020، أفضى عملياً إلى تسليم أفغانستان لطالبان.. دون قيد أو شرط، اللهم إلا تعهدها بعدم استخدام أراضي أفغانستان قاعدة للإضرار بالمصالح الأمريكية. وتكفل الانسحاب الأمريكي العشوائي.. من أفغانستان – بعد ذلك في رئاسة بايدن – باستيلاء طالبان على الأسلحة التي تركتها القوات الأمريكية. وليس بعيداً.. التغيير السريع للموقف الأمريكي من «هيئة تحرير الشام»،عقب استيلائها على السلطة في دمشق.. بعد أن كانت ترصد مكافأة قدرها 10 ملايين دولار لمن يقبض على زعيمها.
ولذلك، فليس ثمة مبرر لأي اندهاش من الاتصال الأمريكي المباشر بحماس، اللهم إلا استغرابه.. بحكم علاقة التحالف الاستثنائية بين إسرائيل والولايات المتحدة – خاصة في ظل رئاسة ترامب – وهو ما ينقلنا للملاحظة التالية.. المتعلقة بردود الفعل الإسرائيلية لهذه.
وتسجل الملاحظة الرابعة.. القلق الإسرائيلي البالغ من هذه الاتصالات، الذي تم التعبير عنه بطرق شتى، وهو قلقٌ مفهوم تماماً.. لسببين على الأقل. أولهما: أن الدعم الأمريكي المطلق لإسرائيل.. يُعَد عامل بقائها الأول، وبدونه مثلاً.. ما كانت لتصمد في المواجهة الأخيرة؛ ولذلك فإن أي مساس بأي بُعد من أبعاده.. سيمثل كارثة لإسرائيل. والسبب الثاني: ما سبقت الإشارة إليه.. من تقلب سياسات ترامب، مع ضرورة تأكيد أن التزامه بأمن إسرائيل.. لا يمكن أن يكون موضع شك. لكنه قد يخرج بأفكار تربكها، ولا تُسعدها.. بالضرورة.
وأزعم أنه، بقدر ما هللت إسرائيل لأفكاره.. عن تهجير سكان غزة، فإنها لم تكن سعيدة بأفكار شرائها، والسيطرة عليها، وإعطاء أجزاء منها لدول أخرى.. تماماً، كما لم تكن سعيدة بتصريحاته – إبان حملته الانتخابية – بأن إسرائيل ستزول خلال عامين.. إذا فازت كمالا هاريس.
وقد زاد القلق الإسرائيلي.. بتصريح ممثل ترامب – في الاتصالات مع حماس – بأن للولايات المتحدة مصالحها، وأنها ليست وكيلة لإسرائيل، وأن نتيجةً الاتصالات قد تظهر في غضون أسابيع.
ولذلك، ستستخدم إسرائيل كل أدواتها.. لمحاولة إثناء ترامب عن الاستمرار في اتصالاته المباشرة مع «حماس».
نقلاً عن «الأهرام»

شارك هذه المقالة
اترك تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *