Times of Egypt

معرض مذهل للطبعة الأولى للكتب التي غيّرت العالم 

Mohamed Bosila
محمد أبو الغار 

محمد أبو الغار 

خلال زيارتي الأخيرة لأمريكا، شاهدت معرضاً رائعاً وجديداً من نوعه. كان المعرض في متحف شكسبير في واشنطن، وكان للطبعة الأولى الأصلية.. لأهم الكتب التي غيّرت وجه البشرية في كل أنحاء الدنيا. بعض الكتب صدرت منذ آلاف السنوات، والبعض من مئات السنين والبعض منذ مائة عام أو أقل. النسخة الأصلية من الطبعة الأولى.. وُضعت في خزانة زجاجية، وعليها ضوء بسيط؛ خوفاً من تأثير الضوء على هذا الكتابات القديمة. كم هو رائع أن تشاهد النسخ الأولى.. من هذه الكتب العظيمة، التي أضافت فكراً جديداً وحياة مختلفة للبشر. 

الكتاب الأول هو طبعاً.. من مصر أم الدنيا وأقدم البلاد، وهو نسخة أصلية من كتاب الموتى – الصادر منذ مائة عام قبل الميلاد، أي منذ 2124 عاماً – وهو مكتوب بالهيروغليفية.. على ورق البردي، ومكون من 9 صفحات.. طول كل واحدة عشرة أمتار. والنسخة فيها 20 فصلاً، وبها نصائح للمتوفَّى.. بعبارات جنائزية؛ تشرح كيفية تفادي الحيوانات الخطرة، والآلهة الغاضبة. والنسخة من مدينة أخميم في صعيد مصر. 

القاعة إضاءتها خافتة، ولكل كتاب صورة واضحة.. مضاءة جيداً بجانب القاعة، بالإضافة إلى كتيب.. فيه صور أجزاء من الكتب ونبذة عنها. 

لك أن تتخيل.. أنك أمام كتاب الحكمة الكاملة (سوترا).. للبوذية؛ مترجماً عن لغة سانسكريت الهندية.. إلى البوذية في 88 صفحة عام 1383، وهو مطبوع على خشب، ومغلف بالفضة. ثم تقف مذهولاً أمام أول إنجيل كامل.. طُبع بالإنجليزية، ونُسخ بين عامي 1210 و1220 – من 479 صفحة – وهو من عمل القديس جيروم، بطلب من البابا داماسوس الأول.. عام 382 ميلادية. هو أول إنجيل وصل إلى متحدثي وقارئي اللغة الإنجليزية بلغتهم. 

نقرأ كثيراً عن حكمة كونفشيوس والفلسفة الصينية، وحين ترى أمامك النسخة الأولى الأوروبية – التي أمر بطبعها لويس الرابع عشر، وصدرت في عام 1687 – والنسخة مغطاة بالعاج والحرير، وهو من 510 صفحات، فسوف يصيبك الذهول. 

أما عن العلوم، فهناك كتب نادرة ومهمة.. غيرت مجرى البشرية. كتاب العالم الألماني العظيم كوبرنيكوس – الذي صدر عام 1543 في 202 ورقة – ويتضمن رصد الكواكب حول المجموعة الشمسية، ولأول مرة.. يثبت أن الأرض تدور حول نفسها، وقد بدأ علم الفلك في الظهور بسبب هذا الكتاب. والكتاب به رسومات – بقلم العالم – عن كل الأجرام السماوية. تصور كتاباً صدر من 700 سنة، وما زال محتفظاً بكيانه وشكله الخارجي، وهو كتاب فتح للبشرية آفاقاً جديدة. 

الطبعة الأولى لكتاب جاليليو – مخترع التلسكوب والميكروسكوب والترمومتر – الذي حاكمته الكنيسة. كتب هذا الكتاب دفاعاً عن كوبرنيكوس، وفي عام 1633.. منعت الكنيسة تداوله حتى عام 1823. والكتاب يشرح تفاصيل علمية أهملها القدماء. شيء رائع أن ترى أمامك النسخة الأصلية لكتاب جاليليو، الذي كادت تُقطع رأسه بسبب أبحاثه العلمية. 

ثم كتاب إسحق نيوتن صاحب نظرية الجاذبية الأرضية الصادر عام 1687. 

إيزديور في إشبيلية بإسبانيا، أصدر أول موسوعة في العالم – وبها خرائط – عام 1472 في كتاب مبهر. أما الرحالة الذي اكتشف أمريكا.. كريستوفر كولومبوس، فقد صدر كتابه في إسبانيا عام 1493، والكتاب به أيضاً اكتشاف جزر الهند الشرقية، وهو أول إثبات على وجود قارة أمريكا. 

وفي الطب.. كانت هناك نسخة من كتاب تشريح جسم الإنسان، لأندرياس نيساليس البلجيكي.. مؤسس علم الطب الحديث، وصدر عام 1543، وبه معلومات دقيقة.. مستمرة حتى الآن. والكتاب في حالة رائعة، بالرغم من أن عمره 700 عام. وأيضاً الطبعة الأولى من أهم كتاب في تاريخ الطب لوليم هارفي – مكتشف الدورة الدموية للإنسان – التي أدت إلى تطوير علم الفسيولوجيا، وصدر عام 1628. 

وهناك أيضاً أول كتاب أدبي عالمي في الغرب، جمعه جيوفاني بوكاسيو في عام 1328 – أثناء وباء الطاعون – فقد هرب إلى الجبل بجوار فلورنسا في إيطاليا، سبع نساء وثلاثة رجال، بدأوا يحكون حكايات تم تدوينها، لتصبح أول مجموعة قصصية في العالم. وفي عام 1477 صدر كتاب حصان طروادة باللغة الإنجليزية – للمرة الأولى – في 347 صفحة، وهو كتاب بالغ الأهمية في تاريخ الأدب. وتوجد نسخة من الطبعة الثانية.. للرواية الأشهر في تاريخ العالم «دون كيشوت» بقلم سيرفانتيس، الصادرة عام 1405 في 280 صفحة. وجميع محبي الأدب في العالم قرأوا هذه الرواية العظيمة – بجميع لغات الدنيا – عن ذلك الذي كان يحارب طواحين الهواء. 

وهناك رواية ألهبت خيال العالم كله، وما زالت مؤثرة حتى الآن.. وهي مغامرات روبنسون كروزو – الذي عاش في جزيرة منعزلة – والأحداث الغريبة التي شاهدها، وهي تُعتبر أول رواية إنجليزية، وصدرت في 364 صفحة عام 1719، وكاتبها هو دانيال ديفو – المنادي الكبير بحرية الإنسان والعقيدة – وحين كان عمري 15 عاماً، كانت هذه الرواية متعة كبيرة لي بالمغامرات الشيقة. 

مَن منا لا يذكر في طفولته.. كتاب رحلات جلفر إلى بلاد الأقزام، ومجلات الأطفال التي كانت تلخصها وتضع صور الأقزام؟ صدر هذا الكتاب – الذي أسعد أطفال العالم كله – في 148 صفحة، بقلم جوناثان سويفت.. في رواية من 4 أجزاء عام 1726. 

النسخة الأولى من كتاب فولتير عام 1759.. عن حرية الفكر والتعبير والبعد عن التزمت.. كانت أيضاً هناك. ورواية قصة مدينتين.. لكاتبها تشارلز ديكنز الصادرة عام ؛1859 وهي رواية ملحمية، كانت مقررة علينا في السنة الثانية الثانوي، وأُنتج عنها عدة أفلام. وكتاب رحلة حول العالم.. الخيالى، نشر عام 1864 لجون فيرن، وصدر عنه فيلم شهير أيضاً. وأول نسخة من كتاب شرلوك هولمز التي صدرت عام 1913، لكاتبها آرثر كونان. وقد أُنتج عدد من الأفلام عن هذه الرواية. وبالطبع، يقول كبار النقاد إن رواية جيمس جويس يوليسس هي أهم رواية أثرت في العالم وصدرت عام 1922، وبالطبع كانت موجودة في المعرض. روايات أخرى مثل مرتفعات وذرنج (عام 1847) وجيمس بوند (1958) كانت أيضاً موجودة. وكتاب مارتن لوثر كينج وفيه كلمته الشهيرة «عندي حلم» (1963) كان موجوداً. 

وأختتم بكتابين؛ أولهما كتاب تشارلز داروين.. أصل الأنواع، وهو أهم كتاب علمي صدر عن التطور في عالم البيولوجيا، وكيف تطور الحيوان والإنسان. وعند صدوره عام 1859 حدثت ضجة ضخمة، وهاجمه رجال الدين من مختلف الأديان، ومُنع من التوزيع في مناطق من العالم، وما زالت الضجة مستمرة. 

الكتاب الأخير هو نسخة نادرة من القرآن، طُبعت عام 1813.. لعزيز خان، وهي نسخة ضخمة، وحجم صفحاتها 35X50 سم، وفي الصفحة 13 سطراً فقط، ويوجد داخل الكتاب.. ترجمة للقرآن باللغة الفارسية. 

لك أن تتصور أن تمر وتشاهد كتباً.. عمرها مئات السنوات، بعضها غيَّر التاريخ، والبعض قام بتحديث الطب والفكر والعلم والفلسفة. شيء رائع، أن يستطيعوا تجميع النسخ الأولى من كل هذه الكتب، وعرضها بهذه الطريقة المبهرة، وإصدار كتب عنها.  

… الدخول للمعرض كان مجاناً. 

أتمنى أن تحافظ بلادي على تراثها الورقي والسمعي والمرئي، وكل البنايات الأثرية القديمة، لأنها أشياء لا تُقدَّر بثمن. 

«قوم يا مصري.. مصر دايماً بتناديك». 

نقلاً عن «المصري اليوم» 

شارك هذه المقالة
اترك تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.