عبدالله عبدالسلام..
يتكرر السيناريو كثيراً.. دون بذل أي جهود لإدخال عناصر جديدة، يمكنها تغيير المخرجات، وفي كل مرة.. تكون نفس النتائج السلبية،وكأن الأمر أصبح محسوماً. عقب أي هجوم إرهابي يقع في الغرب، تزداد جرائم الكراهية.. ضد الجاليات المسلمة، وترتفع بصورة خطيرة.. جرائم معاداة الإسلام والمسلمين. لا يتوقف كثيرون – بمن فيهم سياسيون غربيون – عند تفاصيل ما جرى، ولا ينتظرون حتى اتضاح الأمر، ودوافع الإرهابي؛ لأن التهم جاهزة، والحادث جاء لتأكيدها فقط. المسلمون أيضاً يكررون نفس ردود أفعالهم دون تجديد..
… فقط، يُدينون، ويؤكدون أن الإرهاب لا علاقة له بالإسلام.
في احتفالات رأس السنة.. بمدينة نيو أورليانز، ارتكب مواطن أمريكي.. خدم في الجيش، ويُدعى شمس الدين جبار، عملية دهس.. أودت بحياة 14 شخصاً وإصابة العشرات. في بداية الأمر، لم يأخذ الإعلام، وقيادات أمريكية رفيعة.. في الاعتبار.. سوى الاسم؛ ليكون ذخيرة في شن هجوم كاسح.. على كل ما يمت للمسلمين والإسلام بصلة.
«ترامب» خرج قائلاً: «عندما قلت إن المجرمين القادمين إلى البلاد.. أسوأ بكثير من المجرمين الموجودين فيها، اتضح أنني كنت على حق». لم يكن ذلك صحيحاً على الإطلاق. مرتكب العمل أمريكي، مولود في هيوستن.. أكبر مدن ولاية تكساس، وجرى إرساله إلى أفغانستان، وحصل على عدة أوسمة.. بينها ميدالية الخدمة في الحرب العالمية على الإرهاب. مكتب التحقيقات الفيدرالي قال في بداية الأمر إنه يعتقد أن للإرهابي شركاء آخرين، بعد أن تم العثور على راية تنظيم داعش.. في السيارة المستخدمة في الدهس. تبين لاحقاً أنه عمل بمفرده.
هل غيّرت تلك الوقائع شيئاً؟
على الإطلاق.
جرى تصوير «جبار»..باعتباره ممثلاً لكل المسلمين، رغم أن المنظمات المسلمة في أمريكا – خاصة في هيوستن – سارعت بإدانة الحادث المروع، ورغم أن طالباً جامعياً مسلماً.. يُدعى كريم بدوي، لقي مصرعه فيه.
السيئة هنا.. تَعُم كل من ينتمي للإسلام، أما الحسنة.. فلصاحبها فقط. أحد المسلمين في هيوستن قال: «ينبغي ألا يتعرض أي مسلم لإهالة القطران (الزفت) عليه، لمجرد أن رجلاً واحداً، ارتكب جريمة بشعة.. كتلك التي وقعت». من شدة خوفهم، تمنى المسلمون ألا يكون القاتل من المنطقة التي يعيشون فيها، حيث سيتم وصمها ووصمهم بالإرهاب.
المؤلم، أن الحادث جاء، بينما يعاني مسلمو أمريكا من تداعيات العدوان الإسرائيلي.. الوحشي.. على غزة، وما تفعله الدعاية الإسرائيلية على الأرض الأمريكية.
مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية «كير»،ذكر أن معاداة الإسلام – أو «الإسلاموفوبيا» -شهدت ارتفاعاً صاروخياً.. منذ هجمات حماس في 7 أكتوبر 2023، وما تلاها من عدوان وحشي إسرائيلي. بلغ عدد الشكاوى التي قدمها مسلمون ومسلمات 3578 شكوى – خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2024 – بزيادة قدرها 178٪.. عن نفس الفترة من عام 2023 – تتضمن التمييز في أماكن العمل، وحوادث كراهية في المدارس، وحالات خلع إجباري للحجاب. الحادث الأبشع كان في يونيو الماضي، عندما حاولت أمريكية إغراق طفل مسلم (3 سنوات)..في حمام سباحة في دالاس.
في ألمانيا، عندما وقع حادث دهس إرهابي.. في سوق عيد الميلاد بمدينة ماجدبيورج الشهر الماضي، لم يتوقف كثيرون عند كون المجرم – الذي يحمل اسماً عربياً – يفاخر بمعتقدات.. معادية للإسلام.
السهام توجهت مباشرة للمسلمين والإسلام. تصريحات معادية، وتغريدات وبوستات عنصرية تمييزية.. على مواقع التواصل، تتحدث عن أن المشكلة.. في الدين نفسه، ومن ينتمون إليه. العقل الغربي يمقت التعميم، ويحلل الظواهر والأحداث.. بدم بارد، ويهتم كثيراً بالتفاصيل؛ إلا عند التعامل مع المسلمين. عندها يكون القفز على الواقع، واستخلاص نتائج عامة شديدة السلبية.. هو النتيجة المنطقية.
حتى سنوات قليلة مضت، كان المسلم عندما يرتكب عملاً عنيفاً، يتم نعته بالإرهابي. أما إذا ارتكب المواطن الغربي الأبيض.. نفس العمل، فهو قاتل، أو متطرف، أو راديكالي.. لكنه ليس إرهابياً. لم يكن يتم التطرق لديانة الغربي، بل لظروفه الاجتماعية والمادية. مع تصاعد حوادث القتل الجماعي.. التي يرتكبها غربيون، اضطر المسؤولون وجهات التحقيق والإعلام في الغرب.. إلى نعت المتورطين بالإرهاب.
الجاليات المسلمة، تتحمل جزءاً من المسؤولية.. عن بقاء الصورة النمطية للإسلام والمسلمين.
عندما يقع حادث إرهابي.. يرتكبه مسلم، تسارع بإدانته، والتأكيد على أنه لا يمثل الإسلام.
ليس هناك تواصل حقيقي، ومد جسور مع المواطنين الغربيين والإعلام. هناك تقوقع على الذات. ليس هناك «لوبي» حقيقي.. يدافع ويُفند ويضغط. وإذا وُجد، فإنه يعمل لصالح حكومات معينة، وليس للقضايا العربية أو الإسلامية عموماً.
ليس غريباً، أن تظل صورتنا النمطية – كما تصورها هوليوود – دون تغيير.
نقلاً عن «المصري اليوم»