سمير مرقص..
يتفق المعنيون بالشأن العالمي – فيما يشبه الإجماع – أن سنة 2025، هي سنة فارقة في تاريخ النظام العالمي؛ ليس بسبب دلالتها الرمزية الرقمية.. باعتبارها تشير إلى انقضاء ربع قرن – بالتمام والكمال – من الألفية الجديدة، بل لأن مجمل الأحداث والوقائع التي شهدها العالم.. على مدى عقدين ونصف العقد، قد شكلت في المحصلة.. مقدمات لتحوُّل جذري في شتى المناطق الحيوية على كامل المسرح العالمي.
لن يكون هذا التحول الجذري أحادياً في طبيعته، بل سيكون مركباً.. أو متعدد العناصر؛ حيث يشمل المجالات المختلفة التالية: الاقتصاد، والتكنولوجيا، والسياسة، والجيو-سياسة، والتهديدات الكوكبية، والديموجرافيا، والثروات/الموارد الطبيعية.
وسوف تتقاطع هذه العناصر مع بعضها البعض، وتتداخل فيما بينها.. لبناء مسرح العالم الجديد من حيث: أولاً: تشكل قواه القطبية القديمة والجديدة. وثانياً: بناء التكتلات العابرة للقارات والتحالفات الإقليمية. وثالثاً: أعمال المراجعات الاقتصادية والمالية العالمية. ورابعاً: حسم الصراعات والتوترات الجيوسياسية. وخامساً: القدرة على مواجهة التهديدات/ الكوارث البيئية والمناخية والطبيعية والصحية والغذائية التي تتهدد الكوكب ومواطنيه. وسادساً: تعظيم الاستفادة من الطفرات التكنولوجية المتلاحقة، والقفزات العلمية المتضاعفة، وتنامي الانخراط الحياتي والمهني في نتاجات التطور في التقنيات الرقمية.. دائمة التجدد دون توقف، وسابعاً: الاضطرابات الاجتماعية والارتباكات الثقافية، والاشتباكات الإثنية والسجالات الدينية المتنوعة.
في هذا الإطار، شهدت السنة المنصرمة فعاليات حدية: ديمقراطية من حد، وصراعية من الحد الآخر. أو حسب دورية «الإيكونوميست» – في عددها المزدوج الذي يصدر قبل نهاية العام – حيث وصفت العالم بأنه يتحرك بين «صندوق الانتخاب والرصاص» Ballot & Bullet؛ وذلك رغبة في إحداث تغيير جذري في الواقع.
ففي سنة 2024، نُظمت أكثر من 70 فعالية انتخابية.. باشر فيها أكثر من نصف سكان دول العالم حقوقهم السياسية الانتخابية، من أجل تغيير قواعد اللعبة السياسية في تلك الدول.. دول صندوق الانتخابات من جهة. وفي المقابل، عانى العالم – إضافة إلى الحربين الممتدتين في أوروبا والشرق الأوسط – من أكثر من 20 توتراً مسلحاً.. متواصلاً ومتقطعاً وخاطفاً، في مختلف قارات العالم دون استثناء، من قبَل القوى الدولية والإقليمية، والدول المحورية.. في الكثير من المناطق الحيوية في العالم – تلك القوى والدول التي تبنت إطلاق الرصاص – من أجل الاستئثار بالهيمنة على المسرح العالمي.. ومناطقه الحيوية، والسيطرة على الثروات والموارد، ومن ثم تغيير الجغرافيا السياسية ـ وما يستلزمه ذلك من «استقطاع» للخرائط ـ من جهة أخرى.
وفي هذا المقام، من الأهمية الإشارة إلى أن ميزانيات التسليح في العالم قد زادت 10% في سنة 2024.. عن السنة التي سبقتها، لكي تبلغ أكثر من 3 تريليونات دولار. ومن المنتظر أن تتواصل هذه الزيادة لتتجاوز الـ25% ـ في المتوسط بين الدول الأكثر والأقل إنفاقاً على التسليح ـ في سنة 2025، (وتجدر الإشارة إلى أن تقديرات الإنفاق العسكري في الشرق الأوسط قد بلغت ما يقرب من 225 مليار دولار، محققاً زيادة تزيد على الـ15% في المتوسط.. لدول المنطقة)، ما دفع البعض لوصف ما سبق بأنه: عودة إلى عصر التسليح غير المنضبط؛ أخذاً في الاعتبار احتمالية المواجهة بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية (لمعرفة تطور الإنفاق العسكري لدول العالم خلال السنوات الثلاث الأخيرة، كذلك المتوقع في 2025، ويمكن مراجعة تقديرات معهد ستوكهولم الدولي، كذلك المسح السنوي للصراعات المسلحة).
وتؤكد موسوعة الثروات والموارد الطبيعية، أن امتلاك السلاح واستخدامه.. عبر صناعته وشرائه، يُستخدم بالأساس من أجل الاستجابة للرغبة المحمومة.. من قبَل الأقطاب الدولية والإقليمية القديمة والصاعدة إلى تنفيذ مخططاتها لوضع اليد على الثروات والموارد الطبيعية ومن ثم إدارتها.
وهو ما تثبته دراسة أخيرة، تشير إلى أن معظم الصراعات المسلحة.. بتنويعاتها المختلفة (بين الدول من خلال المواجهة بين جيوشها النظامية، أو بين الجيوش النظامية وبين الحركات/الجماعات/العصابات/الشركات المسلحة، أو الأهلية التي تدور رحاها بين التشكيلات ما دون الدولة وبعضها البعض) تتمحور حول: الموارد والثروات الطبيعية من نفط وغاز، ومعادن ثمينة، ومحاصيل استراتيجية… إلخ (هناك من يضيف إلى ما سبق الدواء والتقنيات الرقمية ومنظومة الذكاء الاصطناعي).
ويشير دليل أكسفورد للاقتصاد الإمبريالي Oxford Handbook of Economic Imperialism؛ (700 صفحة ــ 2022، كما كتبنا مرة)، إلى حقيقة أن عالم اليوم.. يتعرض للتنازع من أجل الهيمنة عليه، من جانب القوى التقليدية، قوى عالمية/إقليمية بازغة؛ من خلال هيمنة مستمرة وممتدة، عن طريق إحكام السيطرة الاقتصادية على سياقات جغرافية جديدة في شتى أنحاء العالم: شرق آسيا، وجنوب شرق آسيا، وجزر الهادي، وشرق إفريقيا، وشمال إفريقيا، وجنوب إفريقيا، وشرق أوروبا، وجنوب شرق أوروبا، وآسيا الوسطى والقوقاز، وكولومبيا.
ويخلص المحللون إلى أن الحقائق السابقة، قد جعلت من 2024 سنة ذروة التغييرات.. التي عرفت طريقها إلى المسرح العالمي على مدى ربع القرن الأخير، والتي ستتبلور ملامحها من خلال التحول المركب الذي من المتوقع بلورته في 2025. لذا توافق الكثيرون على أن سنة 2024 كانت «عاصفة» بكل المقاييس؛ إذ إنها السنة التي أوضحت أن هناك رغبة كوكبية عارمة في التغيير، وتأسيس مرحلة جديدة في حياة البشرية، أخذاً في الاعتبار أن الرغبة في التغيير.. تنطلق من إرادتين متناقضتين؛ إحداهما توافقية ديمقراطية، والأخرى صراعية قسرية.
وبالرغم من قسوة الأحداث التي عكستها الجغرافيات السياسية التي اتبعت العنف والصراع والحرب ما يُبقي الأوضاع على بؤسها، إلا أن الجغرافيات السياسية التي اعتمدت ممارسة التغيير.. من خلال العملية الديمقراطية، تمنح الأمل في أنه لا مناص من الانحياز بالأخير.. إلى «صندوق الانتخابات»، أو الفكرة التواصلية كآلية للتعايش الكوني.. من أجل إحداث التحول المركب النوعي والمفيد، لمسرح العالم من أجل حياة أفضل تتسع للجميع.
نقلاً عن «الأهرام»
مسرح العالم.. إلى أين؟
شارك هذه المقالة
اترك تعليق