د. أماني قنديل
محمد بك رمزي هو واضع القاموس الجغرافي للبلاد المصرية.. من عهد قدماء المصريين إلى سنة 1945، وهو مفتش سابق بوزارة المالية، وهو الذي حقق في الطبيعة مواقع القرى المصرية في المحروسة، وقام بالتدقيق في أسمائها، وردها إلى أصولها التاريخية على مدى العصور، وقام بتصويب بعض الأسماء، وتصحيح ما التبس منها. وصل هذا القاموس الجغرافي المحترم إلى دار الكتب – في صورة أوراق وقصاصات وكراسات – وذلك في مطلع الأربعينيات من القرن العشرين. وكما تشير مقدمة هذا العمل، قرر المجلس الأعلى اقتناء القاموس وطباعته على نفقته، بهدف الحفاظ على التراث، وتقدموا بطلب إلى مدير دار الكتب في هذا الوقت – وكان الأستاذ توفيق الحكيم – لشراء هذا العمل وإعداده للطباعة، فوافق.. كما تشير المقدمة: «لطباعة هذا القاموس الجليل لرد الجميل لعالم مصري قضى عمره في وضعه وتحديث الخرائط والتحقيق في الأسماء والدلالات، بكل ما أوتي من غزارة علم».
وُلد المرحوم محمد رمزي في مدينة المنصورة في 17 أكتوبر عام 1871، وكان أبوه عثمان بك رمزي.. من رجال الخديو إسماعيل، الذين استفادوا من قرار 1867 بإعطاء الأراضي البور لمن يستصلحها وربط العشور (الضريبة) عليها بعد 15 سنة. وفي 1878 أحضر عثمان بك فقيهاً ليعلم ابنه محمد رمزي القراءة والكتابة، ثم ألحقه والده بمدرسة المنصورة الابتدائية، ثم بالمدرسة التجهيزية بدرب الجماميز (وهي المدرسة الخديوية فيما بعد)، ثم التحق عام 1890 بمدرسة الحقوق الخديوية. وتكشف سيرته الذاتية عن انقطاعه عن دراسة الحقوق والشقاق والخلاف مع والده، وفضَّل العمل في دروب الحكومة في وزارة الداخلية، ثم المالية.. للقيام بمعاينة الأطيان وتقدير الضرائب عليها. ومن هنا، على ما يبدو لنا، تطور اهتمامه بالقرى المصرية والتحقق منها ميدانياً، وهو ما استغرق فيه سنوات طويلة.
ويلفت نظرنا في «القاموس الجغرافي للبلاد المصرية منذ عهد الفراعنة».. الميل الواضح لدى الأستاذ محمد رمزي، لمراجعة عمله وتدقيقه.. بالمقارنة مع أعمال سابقة للنواحي المصرية – كما كان يطلق على المديريات – التي كانت وحدات مالية؛ من ذلك «قوانين الدواوين» لابن مماتي (في عهد السلطان صلاح الدين الأيوبي)، وكذلك كتاب «تحفة الإرشاد»، و«أحسن المسالك» لابن حوقل وغيرها. هذه المقارنات تفيد القارئ في النهاية لمعرفة عدة أمور، من أهمها: تاريخ القرية، وقصة إطلاق الاسم عليها، وموقع القرية، وشهرتها أو ارتباطها بأحداث تاريخيّة (دنشواي أبرز مثال) والتغيرات في الحدود بين القرى، والدمج والفصل بين النواحي في البلاد، وكان أبرزها الدمج ثم الفصل ثلاث مرات في حالة المنوفية والغربية في القرن التاسع عشر.
محمد رمزي صاحب العمل العظيم «القاموس الجغرافي»، الذي نشرته دار الكتب على نفقتها الخاصة، كانت له أعمال أخرى أثرية وجغرافية منها «الدليل الجغرافي» عام 1941، و«بيان الأغلاط في تسمية الشوارع والطرق بمدينة القاهرة وضواحيها»، و«نبذات تاريخيّة متنوعة عن شبرا وروض الفرج والفيوم وحلوان الحمامات».
لقد تعرفت على محمد بك رمزي – رحمه الله – خلال بحثي العلمي عن محافظة المنوفية وتاريخها الثقافي والاجتماعي، وكان تقديري واحترامي له عظيماً، وشعرت بالخجل لأني تأخرت كثيراً في الوصول إلى إحدى جواهر مصر. لقد أطلق المفتش السابق بوزارة المالية، والذي خرج من مدرسة الحقوق بعد عامين فقط، أطلق على وظيفته اسم: الوظيفة الصامتة، وها هي الوظيفة الصامتة تتحدث إلينا بعد نحو 170 عاماً من وفاته، عن أعماله وجهوده العظيمة، محمد رمزي جوهرة صامتة.
نقلاً عن «الأهرام»