Times of Egypt

ما بعد الإنسان! 

Mohamed Bosila
عبدالله عبدالسلام 

عبدالله عبدالسلام  

قبل أن نُصدر أحكاماً.. علينا أن نعرف أولاً.  

للأسف.. بيننا وبين المعرفة – التي تعنى قاموسياً: «الحقائق والمعلومات والمهارات المكتسبة، والفهم النظري أو العملي للموضوعات» – حالة خصام، وربما شكوك. السنوات القليلة المقبلة حاسمة في مصير الإنسان كإنسان. الذكاء الاصطناعي سيغير من طبيعة البشر وعلاقاتهم بأنفسهم وبالعالم.  

الأمر أشبه بسباق للجري، يخوضه البشر منذ عقود.. لتحقيق تقدم علمي وتكنولوجي، يسهم في تحسين معيشتهم.  

هذا السباق.. سيصل خلال سنوات قليلة، إلى أمتاره الأخيرة، والنتائج غير متوقعة، وقد تكون صادمة. 

عام 2005، أصدر راي كورزويل – عالِم المستقبليات الأمريكي المتخصص في علوم الذكاء الاصطناعي – كتاباً بعنوان «التفرد قريب»، مضمونه أن الذكاء الاصطناعي.. سيصل إلى مستوى الذكاء البشري خلال العقود المقبلة، وسيندمج معه بعد ذلك.. ليكون لدينا الإنسان الخارق، وهو ما يعنيه بمصطلح التفرد.  

استكشف «كورزويل»، ( 76 عامًا)، كيف ستغير التكنولوجيا الجنس البشري، وتحدَّث عن الذكاء الاصطناعي.. عندما كان الناس لا يعرفون عنه شيئاً.  

قبل شهور، أخرج كتاباً آخر بعنوان «التفرد أقرب»، حدد فيه 2029 موعداً.. لأن يتساوى الذكاء الاصطناعي مع ذكاء البشر، وعام 2045 لظهور الإنسان الخارق. 

يتوقع الكاتب أيضاً، أن يزيد ذكاء البشر منتصف القرن الحالي بمليون مرة.. عن ذكائهم الحالي؛ نتيجة النمو الهائل للتكنولوجيا.. عندها ستتغير حياة الإنسان إلى الأبد. ستتجاوز الأعمار 120 عامًاً، وسيتمكن العالم من خفض معدلات الفقر والعنف، وتتوافر الأغذية والأدوية والإسكان.  

يقول «كورزويل»: «فكِّر في الأمر. لديك تليفون محمول. إذا طرحتَ عليه سؤالاً، فستحصل على الإجابة بسرعة.. سواء عبر جوجل أو غير ذلك.  

في عصر التفرد، أي عندما يندمج البشر مع الآلة، سيكون عقلك قادراً على القيام بنفس العملية، أي الحصول على إجابات الأسئلة التي تطرحها فوراً».  

صحيفة الجارديان سألته: «لكن الناس قد لا يريدون ذلك»، فردّ قائلًا: «لقد ظنوا أنهم لا يريدون المحمول أيضًا. والآن المحمول في أيدي الجميع». 

يؤمن عالِم المستقبليات أن التفرد سيكون جميلاً ومفيداً.. رغم مخاوف، بل رعب، الناس منه.  

يقول: «الأمر أشبه بشخص أصَمّ، يسمع أروع سيمفونية لأول مرة في حياته». اتحاد الإنسان مع الآلة ليس مجرد تطور علمي، بل قد يكون أهم تحوُّل تشهده البشرية منذ قرون. لم يعد الأمر مجرد أحلام أو خيال علمي أو توقعات. هناك مواعيد محددة وقريبة، بل أقرب بحسب المؤلف. ما زال الذكاء البشري يتفوق على الاصطناعي في بعض المهارات الأساسية، لكن بحلول 2029، سيتمكن الذكاء الاصطناعي من القيام بذلك. 

لكن الأمر ليس وردياً على طول الخط. هناك مخاطر على وظائف البشر، ومدى أمان الابتكارات التكنولوجية كالسيارات ذاتية القيادة. أما الأخطر، فهو ما يسمى «تكنولوجيا ما بعد الحياة»، التي تهدف إلى إحياء المتوفين افتراضياً من خلال المزج بين الصفات الخاصة بهم والحمض النووي.  

يبدو «كورزويل»، وكأنه رجل دعاية يروج لمنتجه، ويُطمئن الناس بأنه سيكون هناك حل لكل المشكلات الناجمة عن هذه التحولات النوعية، إلا أن هناك مَن اعتبر ذلك بمثابة الخطوة الكبرى للتخلص من الإنسان كما نعرفه الآن. إنها بداية انقراض الجنس البشري، ليحل محله سلالة مهجنة من البشر والروبوت. إنها أيضًا زعزعة لكينونة الإنسان، وتجريده من أخص خصائصه، وهي الإنسانية، بل إن هناك مَن اعتبرها مؤامرة كبرى.. تستهدف الأخلاق والأديان الحالية. 

نحن غير مشاركين في هذا التحول الكوني، بل إن معلوماتنا عنه مبتسرة وغير علمية أو منطقية.  

نحن بحاجة إلى أن تتبنى جهة – أو مؤسسة ثقافية عامة أو خاصة – ترجمة كل ما يتعلق بهذا القادم الجديد. ليس فقط الكتب العلمية، بل أيضاً الرؤى الفلسفية والأخلاقية والسياسية المصاحبة له، ثم يكون هناك نقاش علمي وإعلامي لهذه الأفكار.. قبل إصدار الأحكام.  

في البدء كانت المعرفة. 

نقلاً عن «المصري اليوم» 

شارك هذه المقالة
اترك تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.