أمينة خيري
ماذا يحدث في سوريا؟ سؤال دون إجابات شافية. وستظل الإجابات قاصرة لوقت طويل. وسيظل ما يجري في سوريا مسروداً ومشروحاً بحسب اختيارات وتوجهات الجهة الشارحة.
سقوط بشار الأسد، ووصول هيئة تحرير الشام إلى سدة الحكم في غضون أيام معدودة فتحا الباب أمام سوريتين، لا سوريا واحدة؛ سوريا المؤيدة لسقوط الأسد بغض النظر عمن أو عما يحدث بعده دون شرط تأييد أو معارضة نظامه، وسوريا المتخوفة من إسقاطه.. لأن القادم على الأرجح سيكون مرتبكاً، وربما مميتاً، وذلك بالنظر إلى مكونات المشهد والتركيبة الطائفية والثقافية، والأخيرة تغيرت كثيراً في السنوات القليلة الماضية.
عدم التحدث العلني عن التركيبة الطائفية في سوريا – على مدار عقود – لا يعني أن المجتمع السوري كان خالياً من أمراض الطائفية، أو أن طوائف بعينها لم تكن واقعة تحت قمع وظلم، أو أن المجتمع السوري كان علمانياً، بمعنى فصل الدين عن الدولة. ما جرى على مدار عقود هو أن حديث الطائفية كان ممنوعاً ومجرَّماً.
الفرز الطائفي ظهر قبل عقود. والتنوع – بدلاً من أن يكون ميزة إضافية – تحول إلى مصدر احتقان وضغط وقهر؛ سنة، وشيعة، ودروز، ومرشدية، وإيزيدية، ومسيحيون.. ومعهم توليفة تنوع قومي، ممثلة في الأكراد، والتركمان، والشركس، والأرمن.. وغيرهم؛ جميعهم – باستثناء طائفة واحدة – تعرضوا لقهر مكتوم على مدار عقود. ومع نشوب «الثورة».. التي تحولت حرباً أهلية.. استمرت على مدار ما يزيد على عقد.
زاد الاحتقان الطائفي، ووصل إلى درجة التقيح، لكن شراسة الحرب وحجم الدمار وموجات اللجوء والنزوح غطت على ما يجري.
اليوم، يجري شيء ما في سوريا.
وأعود إلى ما بدأت به.. من أن ما يجري في سوريا تتم تغطيته، وتحليله، وتفسيره. بل وربما تعليله، وإضافة حجة «الآثار الجانبية الطبيعية، والمتوقعة.. في أعقاب التطورات الكبرى»؛ بحسب اختيارات وتوجهات الجهة الشارحة.
الأحداث المقلقة والموجعة والمفجعة.. في الساحل السوري، تلقى تغطية بالغة التواضع من المجتمع الدولي. وأخشى أن يكون هذا «التواضع».. نوعاً من السكوت المدروس، الذي يرفع شعار «حبيبك يبلع لك الزلط، وعدوك يتمنى لك الغلط». القتل على الهوية، الذي يطال مدنيين، وليس فقط عسكريين، أو مسؤولين سابقين.. مثلاً في النظام السوري (ولو كان هذا مرفوضاً أيضاً)، لا يحظى بالاهتمام الدولي.. المتوقع عادة في مثل هذه الأحوال، حال كان النظام لا يحظى بالرضا المطلوب.
المنصات الإعلامية الغربية الكبرى – الموجهة بالعربية لأهل المنطقة العربية – مهتمة بأحداث سوريا المفزعة. المنصات نفسها – بلغاتها الأم، أو بالإنجليزية – تضع أوكرانيا وروسيا، وجان هاكمان وزوجته وترامب وماسك، والصين.. على رأس الأولويات، وتبقى سوريا خبراً ضمن الأخبار.
حتى المنصات العربية، اختلفت – فيما بينها – حول العنوان الرئيسي؛ بين «قلق عارم إزاء ما يجري في سوريا، ومخاوف من توسع رقعة الصراع»، و«الرئيس الشرع يدعو فلول الأسد لتسليم أنفسهم».
ما يجري في سوريا مثير للقلق.. فى كل الأحوال.
نقلاً عن «المصري اليوم»