عبدالله عبدالسلام
رغم امتلاء الساحة السياسية الأمريكية.. بأعداد غفيرة من القيادات، والسياسيين ذوي الأوزان السياسية المختلفة، إلا أنه لم يسيطر على عقل تلك الساحة.. خلال الأعوام الخمسة عشر الماضية سوى زعيمين فقط.. باراك أوباما ودونالد ترامب. أفكارهما وتوجهاتهما، وجدت طريقها للتطبيق والنقاش والجدل والخلاف الصارخ، كما لم يحدث مع زعماء آخرين، إلى الدرجة التي يمكن الحديث معها.. عن فلسفة أو رؤية كبرى لهما. «الأوبامية»، و«الترامبية».. رؤيتان على طرفي نقيض، بشأن أمريكا والعالم. وجود إحداهما، يعني نفي الأخرى. ولا مجال وسط.
لذا لم يكن غريباً.. عندما تبادل أوباما وترامب حديثاً ودياً – تخللته الابتسامات والأريحية – خلال جنازة الرئيس الأمريكي الراحل جيمي كارتر.. قبل أسبوع، أن حظيت صورتهما معاً.. باستغراب شديد.
… تساءل كثيرون: ما الذي جمع «الشامي» على «المغربي»؟ وما الذي يتفقان عليه من أفكار تبرر تلك الحميمية؟
خلال حملة الانتخابات الرئاسية الأخيرة، كان ترامب يحارب منافسته كامالا هاريس، وأيضاً أوباما الذي تفرّغ – بشكل شبه كامل – لدعمها، وتوجيه أقسى الانتقادات للمرشح الجمهوري. أوباما يرى أن ترامب.. نقيض لكل ما تمثله أمريكا الحقيقية. كان يعتقد أن فوز هاريس.. من شأنه استمرار أفكاره وسياساته؛ التي طبقها بايدن.. بشكل أو بآخر. أما ترامب، فقد صعد للسلطة عام 2016.. بنظرية عنصرية، تقول إن أوباما ليس مولوداً على الأرض الأمريكية، وبالتالي.. لم يكن له أن يترشح للرئاسة، كما شكك في إيمانه المسيحي.. قائلاً إن اسمه بالكامل باراك حسين أوباما.
لكن، بغضّ النظر عن هذه التهجمات الشخصية.. والكراهية المتبادلة، فإن رؤيتيهما السياسية والاجتماعية والاقتصادية، مختلفتان تماماً. أوباما ظهر على الساحة الأمريكية 2004، بخطاب.. أنكر فيه أن هناك انقسامات عميقة في المجتمع الأمريكي؛ قائلاً إن السياسيين روّجوا لهذا الوهم.. كسبا للأصوات ولمصالحهم الشخصية. وتابع: «الحزبية المقيتة ألاعيب صنعها السياسيون، ويمكن تنحيتها جانباً.. لحل أصعب مشاكل أمريكا».
تطبيقاً لهذه الفلسفة، أمضى أوباما شهوراً – بل سنوات – للوصول إلى حلول وسط مع الجمهوريين.. في الكونجرس، والتقليل من حدة الاستقطاب بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي. لكنه لم ينجح قط.
ترامب – على عكسه تماماً – لم يُضع وقته في هذه الأفكار الطوباوية. لم تكن لديه أوهام.. في أن الانقسامات موجودة، بل إنه سعى لزيادتها. دائماً يتحدث عن خصومه قائلًا: «هُم». أوباما كان يقول نحن.. أي المؤيدين والمعارضين. «هُم» الترامبية، تعني أن هناك كثيرين جداً ضده. الخصوم الديمقراطيون والنخب الفكرية والسياسية والإعلام والصحافة، والمهاجرون، والمتطرفون المسلمون، والصين وغيرهم. رؤية أوباما تقوم على القوة من خلال الوحدة. ترامب يرى القوة من خلال الانقسامات. أوباما سياسي حالم، يرى الواقع.. من خلال قناعاته وتصوراته. ترامب يراه كما هو، ويحاول الاستفادة منه. حتى داخل حزبه الجمهوري، سعى لزيادة الاستقطاب، وهاجم منافسيه، وأخرجهم تقريباً من حلبة السباق.. ليبقى قائداً – دون منازع – للحزب، الذي انصاع وراءه وتبنى أفكاره.
التناقض بين الأوبامية والترامبية.. في السياسة الخارجية، ليس أقل منه في الشؤون الداخلية. اعتقد أوباما أنه يجب إعادة تشكيل العالم.. من خلال بناء تحالفات وشراكات، لمواجهة التحديات المشتركة. شجع العولمة، وحرص على تقوية الروابط مع حلفاء أمريكا. اعتبر زعماء أوروبيون عهده.. عصراً ذهبياً للتعاون الأمريكي-الأوروبي، وعودة لأمريكا.. التي تستخدم قوتها الناعمة، وليس عضلاتها فقط. في الشرق الأوسط، حاول حل مشكلة البرنامج النووي الإيراني.. باتفاق عام 2015، يتضمن الاعتراف بطهران لاعباً إقليمياً. رفع شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتأييد ثورات الربيع العربي. لكن سجله لم يكن ناجحاً. أدخل المنطقة في دوامة من الخلافات. بقيت المسألة الإيرانية.. إلى أن ألغى ترامب الاتفاق، وعادت العداوة إلى أشدها. تركت سياساته ندوباً كثيرة بالمنطقة العربية. كان من السهل – عندما تولى ترامب الرئاسة بعده – شطب معظم سياساته.. التي كانت غير واقعية.
نظر ترامب إلى العالم.. باعتباره ساحة للصراع؛ إما أن تنتصر فيها أمريكا وحلفاؤها – وعلى رأسهم إسرائيل – أو يفوز «الأشرار». رفع شعار أمريكا أولاً، بما يعني أن مصالح أمريكا أهم، حتى ولو تطلب الأمر الصدام مع الحلفاء. فرض التعريفات الجمركية على صادرات الجميع. دخل في صدام مع أعضاء حلف الأطلنطي.. الذين لا يدفعون حصصهم المالية.
عندما تولى بايدن الرئاسة 2020، حاول استعادة الأوبامية – وإن بمسميات أخرى – لكنه لم يستطع. كان العالم قد تغير.. وكذلك أمريكا.
في أحيان كثيرة، تراجع عن خططه «الأوبامية».. مثل التعامل مع إيران.
عودة ترامب للسلطة، تكرس بشكل حاسم فوز الترامبية.. التي ستشهد ازدهاراً خلال السنوات الأربع المقبلة، بينما ستصبح الأوبامية من الماضي.
نقلاً عن «المصري اليوم»