عبدالقادر شهيب..
لم أفهم أن تعرض «حماس» على بوهلر – مبعوث ترامب للرهائن – خلال مباحثاته معها، عقد هدنة طويلة الأجل في غزة.. لا تقل عن خمس سنوات، وتصل إلى عشر سنوات.. وربما أكثر.
ولعل ذلك يفسر قول بوهلر – في تصريحاته – إن هذه الهدنة الطويلة باتت قريبة!
فإن عقد هدنة مع إسرائيل -وإن طالت لسنوات- لن يسمح بالشروع في إعادة إعمار غزة.. بشكل جاد، لأن ما سيتم تشييده في القطاع، سيكون مهدداً بالتدمير.. من قبَل قوات الاحتلال، كما تكرر حدوثه من قبل – أكثر من مرة، على مدى عقدين من الزمان – فضلاً عن أن التزام إسرائيل بها.. ليس مضموناً.
وخطة إعمار غزة – التي أعدتها مصر – تتكلف نحو 53 مليار دولار. ومن سوف يسهمون في تدبير هذا المبلغ الكبير، سيحتاجون التأكد أولاً.. أن ما سيتم إعماره لن يتم تدميره مستقبلاً. وبذلك فإن التوصل إلى مجرد هدنة -وإن طالت لسنوات – وليس وقفاً دائماً لإطلاق النار،سيعطل عملية إعادة إعمار قطاع غزة – التي تضمَّنتها الخطة المصرية.. التي صارت عربية، بعد تبني القمة العربية لها – ولذلك حرصت القاهرة.. على أن يتوازى مع تنفيذها، بدء مسار سياسي يُفضي في نهاية المطاف.. لتحقيق حل الدولتين.
فما تنشده مصر، لا يقتصر على إعادة إعمار غزة، وإنما يشمل شق مسار لإقامة الدولة الفلسطينية، بما يضمن السلام المستدام، أما التوصل فقط لهدنة.. وإن طالت لسنوات، فإنه يُبقي الباب مفتوحاً لاندلاع الحرب.. بعد انقضاء مدتها، وربما قبل انتهاء مدتها. وهذا هو الأغلب، لأن إسرائيل – في كل الهدن السابقة مع «حماس»،منذ أن سيطرت على قطاع غزة قبل نحو عقدين من الزمان – لم تلتزم بالكامل.. بوقف اعتداءاتها على أهله، ولم تُنهِ حصارها لهم والتضييق عليهم، ثم السعي للتخلص منهم.. بتهجيرهم قسرياً، وتوطينهم في مصر والأردن.. ودول أخرى أيضاً!
وهناك من يرى أن «حماس» طرحت الهدنة الطويلة المدى – في مباحثاتها المباشرة مع أمريكا.. التي تتم لأول مرة – لكي تتفادى المطالب الأمريكية والإسرائيلية.. بنزع سلاحها لإنهاء هذه الحرب، غير أن ذلك لن يثني الحليفين عن طلبهما هذا، وهو ما أصر عليه «ويتكوف» – مبعوث ترامب في المنطقة – قبل أن يبدأ جولة المفاوضات الجديدة في قطر، ويطرح فيها فكرته الخاصة بتمديد المرحلة الأولى لاتفاق غزة.. للإفراج عن مزيد من المحتجزين الإسرائيليين في القطاع، مقابل السماح بمزيد من المساعدات لأهل غزة، مع استمرار وقف إطلاق النار حتى منتصف أبريل المقبل..
ويعزز هذا الاستنتاج، قول بوهلر – في تصريحاته.. بعد محادثاته المباشرة مع بعض قادة «حماس» – إنهم قبلوا الانسحاب من حكم غزة، والانسحاب من التواجد سياسياً.. في القطاع، وأيضاً نزع سلاحها. وقد اهتمت «حماس» أن تنفي قبولها – أو تعهدها لأي أحد – بنزع سلاحها، ولم تنفِ الانسحاب السياسي، ومن حكم القطاع؛ ربما لأنها وافقت على لجنة التكنوقراط.. التي اقترحتها الخطة المصرية لإدارة القطاع لنحو ستة أشهر، تحت رعاية السلطة الفلسطينية، ثم تولي السلطة الفلسطينية مسؤولية الأمن في القطاع.. بعد تدريب مصر والأردن عدداً من عناصر الأمن التابعة لها.
بينما يرى آخرون، أن «حماس» أرادت ألا يعود بوهلر من الدوحة – بعد أول مباحثات أمريكية مباشرة معها – خالي الوفاض، خاصة أن هذه المباحثات أزعجت إسرائيل بشدة، وهو ما جعل بوهلر يقول إننا نحن الولايات المتحدة، ولسنا وكلاء أو عملاء لإسرائيل.. ولنا مصالحنا! وربما هذا ما دعا مبعوث ترامب للرهائن، إلى أن يصف نتائج مباحثاته هذه مع «حماس»..بأنها كانت إيجابية جداً!
غير أن ذلك كله لا يدعو.. لأن تستبدل «حماس» طلب إنهاء الحرب، والوقف المستدام لإطلاق النار.. بهدنة طويلة المدى، حتى ولو استمرت لعشر سنوات.
إن مصر – ومعها الآن كل العرب.. بعد قمة القاهرة – تتبنى رؤية.. تتلخص في أنه لا سلام فى المنطقة، بدون حل سياسي للقضية الفلسطينية، يتضمن إقامة الدولة الفلسطينية على أراضي غزة والضفة، وتكون عاصمتها القدس الشرقية، ويتعين على كل القوى الفلسطينية أن تتوافق على هذه الرؤية.
إن «حماس» تقول إن السابع من أكتوبر.. أعاد إحياء القضية الفلسطينية – التي نالت إهمالاً وتجاهلاً قبله – فلماذا تأتي وتختزل الأمر.. في مجرد هدنة، وإن كانت طويلة المدى. فمثل هذه الهدنة – وحدها – دون مسار سياسي، هو إهمال جديد للقضية الفلسطينية، أو إضعاف لها.
نقلاً عن «أخبار اليوم»