أمينة خيري
نبدأ عملية الرصد المبسط لمجريات الحياة اليومية في بريطانيا، التي يمكن الاستفادة من بعض التفاصيل التي سبقنا فيها آخرون.. بدلاً من إهدار الوقت والجهد والأعصاب في إعادة اختراع العجلة، مع الحد الفاصل بين الملكية الخاصة والعامة، وقواعد التعامل مع الملكية العامة.
الحدائق العامة.. هي للمنفعة العامة. «لوائح المتنزه» لا تعرف الاستثناءات.
لم ولن يُسمح لـ«عم باري» بعمل نصبة شاي، أو لـ«الحاجة مارجريت» ببيع المناديل الورقية، أو لـ«جاك» عم الناس بتنصيب نفسه سايس. ومهما بلغت تفاصيل حياة هؤلاء من بؤس وشقاء وفقر، فإن عشوائية كسب لقمة العيش أو فوضى ابتكار المهن لن يُسمح بهما، حتى لو كانت هناك معرفة سابقة بالأمين «آرثر» في هاكني، أو مأمور قسم «فينشلي» أوليفر بيه.
لوائح الحديقة مكتوبة ومعروفة. هي قواعد مصممة لتحقيق التوازن بين احتياجات الزوار ورعاية المتنزهات. وغير مسموح لأي أحد أو جهة اعتبار المتنزه فرصة لـ«عمل قرشين».. بما في ذلك الحكومة نفسها. فهي، الحكومة، إن أرادت إجراء تعديل، لا تجرؤ على تنفيذه دون الرجوع إلى ممثلي المواطنين والاتفاق على ما سيجري بخطة زمنية، وبيئية، ومعمارية معلنة مسبقاً، وذلك احتراماً للمصلحة العامة.
ويمكن لمن يريد أن يبيع الشاي والقهوة، والمناديل الورقية وغيرها أن يحصل على إذن مسبق بذلك، ولكن بعد تحديد شكل المنفذ، ومواعيد العمل، وسداد الرسوم. وبالطبع، لا يُسمح بأن يحول المكان من حوله إلى مقلب زبالة، وإلا تم توقيع العقوبة القانونية عليه.
والحدائق شأنها شأن الرصيف؛ فغالباً لن تجد صاحب محل الأدوات المنزلية يعتبر الرصيف المواجه لمحله.. امتداداً طبيعياً لمحله، أو صاحب المقهى.. فارشاً المقاعد والطاولات في كل مكان وأي مكان، بما في ذلك عرض الشارع. وإن حدث ذلك، فإن المواطنين أنفسهم هم من يبادرون بالإبلاغ عن المخالفة القبيحة، ولن يهدأ لهم بال حتى يتم رفعها، وذلك بالقانون، وليس بالمحبة أو التراضى، أو «معلش النوبة» أو «سامحه يا عم أصله غلبان».
ويمتد هذا الاختراع – المعروف بـ«القواعد المنظمة لحياة الناس» – إلى داخل العمارات والبيوت.
… قذارة السلم، أو ترك القمامة على باب الشقة، أو إلقاء مخلفات تنظيف السمك والدجاج فى المنور، أو ترك الصغار يلعبون أمام الشقق، خروقات لها نصوص عقابية.
حتى حديقة البيت الخاص لا يُسمح فيها – مثلاً – بقطع جائر للأشجار، أو تركها تنمو بشكل يحجب أشعة الشمس عن الجيران، والأسوار الفاصلة بين حدائق البيوت وبعضها.. لا يتم تحديدها بالتراضي، بل بالقياسات والقوانين… إلخ.
وإذا كان الوضع كذلك، فما بالك بمن يقرر أن يضم الرصيف المواجه لبيته إليه.. فيزرعه، ويحيطه بسور شجري، وإن اعترض أحدهم، جاء الرد أنه مخالف أينعم، ومعتدٍ على الرصيف، لكن على الأقل زرع شجراً جميلاً!!
… القواعد المنظمة للحد الفاصل بين الملكية العامة والخاصة واضحة وصريحة، وقواعد الملكية العامة لا مجال للاستثناء أو التجاهل أو البلادة فيها.
نقلاً عن «المصري اليوم»