د. علي الدين هلال
حقق الحزب الجمهوري – بقيادة دونالد ترمب – انتصارًا واضحًا في الانتخابات الأمريكية لعام 2024، فلم يقتصر على الفوز بمنصب الرئيس، بل حصل على عددٍ من أصوات الناخبين.. يفوق ما حصلت عليه منافسته هاريس بخمسة ملايين صوتًا، وحقق الأغلبية في مجلسي الشيوخ والنواب، وفاز بعدد 8 من أصل 11 في انتخابات حُكام الولايات. فكيف استطاع ترمب أن يفعل ذلك؟
تمكن ترمب من ذلك بحُكم خبرته السياسية التي اكتسبها على مدى سنوات طويلة، وكان أحدثها توليه الرئاسة خلال الفترة 2017-2020، فلم يُلزم نفسه في خطاباته وتصريحاته بأمور محددة. وردًا على سؤال بشأن خططه الاقتصادية في المناظرة الرئاسية مثلًا، أجاب بأنه عندما يصل إلى الحكم سوف يحدد هذه الخطط، واكتفى بعرض الأهداف العامة كإعادة عظمة أمريكا. كما تحدث بنفس اللغة العمومية مع الأمريكيين من أصول عرقية مختلفة. فركز في حديثه مع ممثلي اليهود على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، والدعم الأمريكي لها، ومع ممثلي الجاليات العربية والإسلامية على أنه سوف يُركز على وقف الحرب في الشرق الأوسط.
استفاد ترمب أيضًا من دروس خسارته أمام بايدن؛ ففي ولاية بنسلفانيا أدرك أن سُكان المُدن الكبيرة كفيلادلفيا وبيتسبرج لن تُغير من تصويتها لمُرشح الحزب الديمُقراطي ومن ثَم لم يركز عليها. وإنما كثف زياراته للضواحي والمُدن الصغيرة، ونجح في كسب تأييدها.
وتوفر لترمب أيضًا الوقت الكافي للإعداد لحملته الانتخابية.. منذ مُغادرته البيت الأبيض، وذلك مُقارنة بهاريس التي بدأت حملتها في 21 يوليو 2024 بعد انسحاب الرئيس بايدن من سباق الرئاسة، أي تحديدًا قُبيل تاريخ الانتخابات ب 107 يومًا. ولم تُتِح هذه المُدة لها المساحة الكافية لطرح نفسها كشخصية سياسية مُستقلة.. بعيدة عن ظل بايدن. أضف إلى ذلك أن هاريس قضت الجُزء الأكبر من عملها كمحامية، وتولت منصب المُدعي العام في ولاية كاليفورنيا.. حتى انتخابها في مجلس الشيوخ في عام 2017، واختيار بايدن لها كنائبة للرئيس في انتخابات عام 2020.
يتحدث ترمب بلغة الأمريكي العادي، ويستخدم الألفاظ التي يمكن أن تسمعها في الشوارع والحانات. ورغم أنه من أكثر السياسيين الذين أدلوا بمعلومات خاطئة، وأحيانًا مسيئة.. ومُهينة لبعض فئات الشعب الأمريكي، فإن ذلك لم يؤثر على شعبيته بين مؤيديه، بل نجح في كسب تأييد فئات جديدة.
ويتوقف المُحلل أمام التأييد الذي تلقاه من الأمريكيين المهاجرين من بورتريكو.. بعد أن كان قد وصف بلادهم بالنفايات. كما يتوقف أمام التأييد الذي حصل عليه من الأمريكيين من أصول عربية وإسلامية في ولاية ميتشجان.. رغم أنه كان من أولى القرارات التي اتخذها بعد انتخابه عام 2016، منع دخول القادمين من ست دول عربية وإسلامية، علاوة على موقفه الرافض لإقامة دولة فلسطينية.
ويُمكن تفسير ذلك، بأن هؤلاء الأمريكيين لا يُصوتون وفقًا لأصولهم العرقية والدينية، وإنما لمصالحهم المُباشرة كمواطنين.. يواجهون مُشكلات الغلاء والبطالة، وعدم توافر الخدمات التعليمية والصحية، وتداعيات الهجرة غير الشرعية. كان ذلك واضحًا في المُقابلة التي أجراها أول عمدة من أصل عربي في إحدى مُدن ميتشجان، حيث قال صراحة: نحن أمريكيون، ونُدلي بأصواتنا وفقًا لمصالحنا الحياتية. .
يتوقف المُعلق أيضًا أمام حقيقة أن ترمب فاز في انتخابات 2016 على منافسته هيلاري كلينتون، وفاز في انتخابات 2024 على منافسته هاريس، بينما خسر في انتخابات 2020 ضد منافسه جو بايدن. فهل لعب النوع الإنساني (الجندر) دوره، وأن قطاعًا من الأمريكيين ما زال غير مُستعد لقبول امرأة كرئيس للجمهورية.. خاصة إذا كانت سوداء. وأتذكر أن الرئيس أوباما قد تساءل في مذكراته بعُنوان “أرض الميعاد”، عما إذا كان توليه الحكم زاد من حدة الانقسام الاجتماعي، وعما إذا كان المُجتمع الأمريكي كان مُستعدًا وقتذاك لقبول رئيس أسود.
لم تكن مهمة هاريس سهلة.. لكونها امرأة سوداء تسعى لمنصب الرئاسة في سياق يتسم بالانقسام الاجتماعي، وتصاعد ثقافة اليمين المحافظ المتشدد. وزاد من ذلك، الخطاب السياسي لترمب.. الذي شكك في هويتها، وأنها تُشير أحيانًا إلى نسبها الهندي (من ناحية والدتها)، وأحيانًا أُخرى إلى والدها القادم من جامايكا. وفي المُقابل، قدم ترمب نفسه في صورة «الماشيزمو« أي الرجل القوي، الذي يحيط نفسه بدائرة من الرجال البيض الأقوياء. استغل ترمب شعور الإحباط لدى قطاع من الرجال.. الذين يتخوفون من التفوق النوعي للنساء في المجتمع، فكتب تعليقا ذات مرة تحت عنوان «الرجولة تحت الهجوم«.
في مواجهة ذلك، تعامل قادة الحزب الديمقراطي موضوع «الرجال المُحبطين« بطريقة أخرى، فدعاهم الرئيس أوباما إلى مواجهة أنفسهم بشجاعة بقوله «إنهم لا يشعرون بفكرة وجود امرأة كرئيسة، ويميلون إلى تقديم بدائل وأسباب أخرى لذلك«، وكان الممثل إيد أونيل أكثر صراحة، عندما قال «كن رجلاً وصوت لإمرأة«. أما هاريس فقد قللت من أهمية النوع واللون مؤكدة على أنها تخوض الانتخابات علي أساس القدرة والجدارة، بغض النظر عن العرق والجنس.
كان لهاريس رهانات غير صحيحة. مثل الرهان على تأييد الناخبات لها. وأدى موقفها المؤيد حق المرأة في الإجهاض.. إلى مُعارضة المتدينين وذوي الآراء المحافظة وعدم التصويت لها. وهناك من يرى بأنها أخطأت في تسمية حاكم ولاية مينيسوتا تيم والز كنائب للرئيس، بينما كان الأفضل لها اختيار توم وولف.. حاكم بنسلفانيا، الذي كان سوف يضمنُ لها كسب هذه الولاية وكُل من ميتشجان وويسكونسن، التي ثبت أنها كانت حاسمة في تحديد الرئيس الفائز.
وتبقى الإشارة إلى فشل استطلاعات الرأي – التي أُجريت حتى صباح يوم الانتخابات – في توقع نتائجها. فقد أجمعت كُلها.. على التقارب الشديد في فُرص ترمب وهاريس. وهو ما يُثير السؤال حول مدى دقتها العلمية، وعما إذا كانت تُحركها أهواء سياسية.
نقلا عن «الأهرام«