Times of Egypt

لبنان يعود.. لكن بأية حال؟! 

Mohamed Bosila
عبدالله عبدالسلام 

عبدالله عبدالسلام 

ما بين المبالغة في تصوير انتخاب الجنرال جوزيف عون.. رئيساً جديداً للبنان، بعد أكثر من عامين من الشغور الرئاسي، ثم تكليف القاضي نواف سلام – رئيس محكمة العدل الدولية – بتشكيل الحكومة.. بأنه استعادة للقرار والسيادة، وردُّ آخرين بأن ما جرى ليس سوى نقل للقرار.. من دولة إلى أخرى، فإن التطورات الراهنة استثنائية إلى حد كبير، وربما تقود – إذا خلصت النوايا وتعاون الفرقاء اللبنانيون وقللوا من كونهم صدى أصوات للاعبين الإقليميين والدوليين – إلى عودة لبنان الذي افتقده العرب.. ما يقرب من نصف قرن. 

خلال الأسابيع القليلة الماضية، هبت رياح التغيير على المشرق العربي. سوريا التي جثم «آل الأسد» عليها 54 عاماً، أنهت 2024 واستقبلت 2025 مرتدية ثوباً جديداً. ومهما كانت الملاحظات والمواقف من الإدارة الانتقالية الحالية، إلا أن دمشق – التي ظلت على مدى عقود طويلة ركيزة للركود والاستبداد – أطلقت.. بسقوط بشار في 8 ديسمبر الماضي، أجراس التغيير. كان لبنان أحد أسباب التغيير فيها، بعد الضربة المؤلمة التي تلقاها حزب الله.. خلال العدوان الإسرائيلي، وشجعت الفصائل المسلحة السورية على مهاجمة النظام وإسقاطه؛ متأكدة أنه لا الحزب ولا إيران (ولا روسيا أيضاً).. قادرون على مد يد الإنقاذ إليه. ومن ثم جاء سقوط الأسد، ليرفع اليد الثقيلة الجاثمة على صدر لبنان، فبدأ التحرك بحرية أكبر، رغم أن المؤثرات الإقليمية العربية والدولية لاتزال موجودة. 

تقريباً، ما حدث في انتخاب البرلمان الجنرال جوزيف عون، تكرر عند تكليف نواف سلام 

قبل عملية التصويت لانتخاب رئيس الجمهورية بساعات، كان التوجه لاختيار شخص آخر، لكن عند الاقتراع.. جرى التصويت لـ«عون». أما رئيس الوزراء، فقد كان هناك اتفاق ضمني على إعادة تكليف رئيس الوزراء الحالي نجيب ميقاتي بالمنصب، إرضاء للثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل)، مقابل موافقتهما على «عون». تعليق قناة تليفزيونية لبنانية، وصف ملابسات اختيار سلام بما يلي: «رئيس الليل محاه النهار. إذ بات ميقاتي على وسادة التكليف، ليطلع فجر الاستشارات (إبلاغ نواب البرلمان رئيس الجمهورية.. باسم من يرشحونه لرئاسة الحكومة) على الوسادة الخالية، حتى من نواب سبق أن أعلنوا رسمياً.. تسميته رئيس حكومة تصريف الأعمال». 

عون وسلام.. قادمان من خارج المنظومة السياسية اللبنانية – التي اعتراها الفساد والمحاصصة والتكلس والتوريث لسنوات طويلة – لذا كان الاستقبال الشعبي لاختيارهما لقيادة المرحلة المقبلة.. مُرحباً وداعماً. 

عون.. تعهد – في كلمته بعد انتخابه – باستعادة الدولة اللبنانية؛ من خلال حقها في احتكار السلاح، ومنع تهريب المخدرات، أو التدخل في القضاء.. مؤكداً أن لا محسوبيات ولا حصانات لمجرم أو فاسد 

سلام.. نموذج للقاضي والسياسي المصلح المستقل.. في بلد اعتمدت نخبته السياسية المحسوبية، والطائفية، والمصالح الشخصية.. أساساً لتقاسم الثروات والسلطة والنفوذ. له مؤلفات عديدة.. لخروج بلاده من الأزمة؛ أشهرها: «الإصلاح الممكن والإصلاح المنشود».  

هل تتيح هذه النخبة للقادمين الجديدين.. الفرصة؟ أم تمارس العرقلة والتسويف والاحتواء.. لإفشال مهمتهما، كما فعلت مع آخرين؟ 

في 17 أكتوبر 2019، اندلعت احتجاجات جماهيرية هائلة.. نتيجة رفع الضرائب على سلع عديدة، سرعان ما وسعت أهدافها بمهاجمة الحكم الطائفي، والركود الاقتصادي والبطالة والفساد. استقال رئيس الوزراء آنذاك.. سعد الحريري، وطرح المتظاهرون اسم نواف سلام، لكن السياسيين رفضوه. تواصلت الاحتجاجات حتى عام 2021، دون أن تسمح لها السلطة بتحقيق أهدافها. توافق الحُكم على إفشال ما سُمي ثورة تشرين/ أكتوبر. 

رغم تلك المعوقات – التي يجب عدم الاستخفاف بها – إضافة إلى تململ الثنائي الشيعي.. من هذه التغيرات التي اعتبرها مفروضة من الخارج، إلا أن مؤشرات عديدة.. تشي بإمكانية انتقال البلاد من حفرة – ظلت فيها طويلاً – إلى وضع أفضل 

هناك رئيس جمهورية، ورئيس وزراء مكلف.. لديهما الرغبة، والدعم الشعبي، والإقليمي والدولي.. للتغيير. القوى السياسية مضطرة إلى مساندتهما – على الأقل في البداية – لتجنب الاستياء الداخلي والخارجي. حتى حزب الله وأمل، ليسا في وضع يمكنهما الرفض الصريح للعهد الجديد. سيراقبان تطورات الأوضاع، ويقرران خطواتهما المقبلة. المحيط الإقليمي – والدول العربية المؤثرة – تضغط من أجل منح التأييد والدعم.. للحكم الجديد، وإلا.. لن تساعد في إعادة إعمار ما خلفه العدوان الإسرائيلي. 

ومع ذلك، فإن لبنان محكوم بالتوافق، وأي استبعاد لممثلي طائفة معينة، أو إشعارهم بالتهميش.. من شأنه أن يعود بالسلب على العملية السياسية برمتها، ويمنع التغيير المرتقب 

لسنوات طويلة، كان ممثلو الشيعة يقودون المشهد السياسي. الآن يتراجع دورهم. لكن لا يجب استبعادهم، أو الانتقاص من حقوقهم 

لبنان يعود، لكن بأية حال؟ 

نقلاً عن «المصري اليوم» 

شارك هذه المقالة
اترك تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *