أحمد الجمال
كلام الصهيوني الإرهابي – مجرم الحرب.. بنيامين نتنياهو – عن عزمه وسعيه لتغيير ملامح الشرق الأوسط.. لا بد أن يؤخذ مأخذاً جدياً للغاية، لأنه ليس مجرد «طق حنك».. أو «فنجرة بق»، كما نصف الكلام المرسل الأقرب للفشر.
والشاهد على خطورته، هو الخطوات الفعلية المتخذة.. ليس فقط بتدمير غزة، بل وبالسعي لتهجير أهلها، والعمل الفعلي القتالي ضد مواطني فلسطين المحتلة في الضفة الغربية، ليدخلوا ضمن خطة التهجير، ثم مخاطبته الدروز السوريين، واستعداد الدولة الصهيونية لحمايتهم، وربما ضم مناطقهم لها.
ومؤكدٌ.. أن الأيام ستكشف عن أدوار صهيونية.. في ليبيا واليمن والعراق وتونس، ليصبح السؤال: هل نحن في مصر بمنجاة من المخطط الصهيوني، القائم على تمزيق وتفتيت الدول العربية «الشرق أوسطية».. عبر الاختراق وعبر العمل على إشعال الاقتتالات الدينية والمذهبية والطائفية، وأيضاً الجهوية والعرقية؟
وهنا يستدعي الذهن على الفور.. المخطط الذي رسمه ودعا إليه – وحرَّض عليه – برنارد لويس، الذي هو – وخاصة للقارئ غير المتخصص وغير المتابع أو المطلع على الأدبيات الاستشراقية والسياسية الصهيوأمريكية – أستاذ تاريخ ولغات وسياسة، وُلد في لندن عام 1916، وتُوفي في الولايات المتحدة عام 2018.. عن عمر 102 سنة، ينتمي لأسرة يهودية، ودرس اللغات العبرية والآرامية والعربية واللاتينية واليونانية والفارسية والتركية، وتخرَّج عام 1936 في كلية الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن، ونال الدكتوراه عام 1939.. متخصصاً في تاريخ الإسلام، وله مؤلفات كثيرة حول الإسلام والعرب ومصر والشرق الأوسط، وله نظرية تقوم على منهج عنصري تجاه العرب والمسلمين، ملخصها أنهم «قوم فاسدون مفسدون، فوضويون، لا يمكن تمدينهم، وإذا تُركوا لأنفسهم.. سوف يفاجئون العالم المتحضر بموجات بشرية إرهابية، تدمر الحضارات وتقوِّض المجتمعات، لذا – حسب رؤيته – لا بد من إعادة احتلالهم واستعمارهم، وتدمير ثقافتهم الدينية، وتطبيقاتهم الاجتماعية».
ثم يوجه – بصيغة الوجوب – للولايات المتحدة.. بأن عليها أن يكون شعارها: «إما أن نضع العرب والمسلمين تحت سيادتنا، أو ندعهم ليدمروا حضارتنا، ويجب أن تقوم أمريكا بالضغط على قياداتهم الإسلامية.. بدون مجاملة ولا هوادة ولا لين، ليخلصوا شعوبهم من المعتقدات الإسلامية الفاسدة، ولذلك يجب تضييق الخناق على هذه الشعوب ومحاصرتها، واستثمار التناقضات العرقية والعصبيات القبلية والطائفية فيها».. نقلاً عن موقع ويكيبيديا.
ولا بد أن نتوقف ملياً.. عند عبارة «تضييق الخناق والحصار، واستثمار التناقضات العرقية… إلخ» لنجد أن نتنياهو انتقل بكلام برنارد لويس.. إلى أرض الواقع فعلياً. وليست مصادفة أو مساراً عشوائياً، أن نجد من يروِّج ويكرِّس ويدعو وينفذ.. صراعاً سنياً-شيعياً، وصراعاً سنياً-سنياً، وصراعاً إسلامياً-مسيحياً.. وهلم جرا، مما نعايشه وعشناه منذ سنين!
والطامة الكبرى، أن البعض وقع – بإرادته، أو بجاهلية عصبية – في تعظيم الانتماءات الفرعية القبلية والعشائرية والجهوية، وغيرهم وقع أيضاً في التعصب العرقي أو الإثني. وصار هؤلاء البعض يعتبرون أن تعصباتهم تلك.. خطوط حمراء، لا يجوز – ولن يسمح – الاقتراب منها، بل وظهر بعضهم.. في مسلكياته وتحركاته المواكبية، وكأنه على قمة دولة!
ثم إن السبيكة المصرية الخالدة.. المنصهرة الممتزجة المتجانسة، التي استعصت على أي تفتيت أو تفكيك؛ لم تكن لتكون كذلك.. إلا عبر عشرات القرون، أي آلاف السنين.. الحافلة بالوعي وبالاستجابة الراشدة للتحديات، ابتداء من تحدي الطبيعة «النهر.. والصحراء.. والبحر»، ومروراً – وليس انتهاء – بتحديات بناء الحضارة والمدنية، والحفاظ على الأمن وإقامة العدل، والتصدي للتهديدات الخارجية، ومقاومة الاحتلال، منذ الهكسوس إلى الفرنسيين والبريطانيين والصهاينة.. أي أن سبيكتنا الوطنية ليست عملية حسابية أو ميكانيكية، وكذلك دور مصر في دوائر محيطها وفي العالم.. إن لم يتم التخطيط له ورسم أبعاده وآليات وجوده واستمراره، فإنه لن يبقى قائماً ولو بالدفع الذاتي.
وكل ذلك يصب في حتمية أن نتيقظ، ونعي هذه التهديدات الفعلية.. التي يتضمنها كلام الصهيوني مجرم الحرب عن تغيير ملامح المنطقة. وأن نخطط لاحتمالات قضم ترابنا الوطني، واحتمالات الاختراق الصهيو-أمريكي.. لخلق وتعميق وتوظيف ما يسمى بالتناقضات العرقية، والعصبيات القبلية والطائفية؛ حسب قول المتصهين برنارد لويس. ولقد اتهمنا موشى ديان – منذ سنين – بأننا «لا نقرأ، وإذا قرأنا لا نفهم، وإذا فهمنا لا نترجم فهمنا على أرض الواقع؛ ولذلك نقع في الكوارث مرة بعد مرة، حتى وإن تشابهت في التخطيط والتنفيذ والنتائج».
وقد تمكنت مصر أن ترد على ذلك عملياً.. بانتصار أكتوبر، وما سبقه من حرب الاستنزاف، والعمليات الجبارة.. في رأس العش وشدوان وغيرها، وأجزم أن الوعي المصري – بين الجماهير العريضة ووصولاً لصانعي القرار – ومتخذ القرار يدرك حجم هذه التحديات والتهديدات.
ويبقى أن يكف البعض عن التواطؤ – المتمثل في اختلاق، وتأجيج.. ما أشار إليه برنارد لويس – وليكن الصوت الواحد العالي.. هو «تحيا مصر».. بكل مكونات سبيكتها الوطنية.
نقلاً عن «الأهرام»