زياد بهاء الدين
تطرقت في مقال الأسبوع الماضي.. لمحاولة رسم ما أطلقت عليه «عالم ترامب المخيف» (من واقع خطابات الرئيس العائد للحكم.. وقراراته، وليس من خيالي). والذي أراه يتميز بخمسة ملامح رئيسية، أعيد تلخيصها في الآتي:
1 – تجاهل قواعد القانون الدولي.
2 – العدول عن السياسات الداعمة للبيئة.
3 – التوجه لتطبيق سياسات اقتصادية تحقق مصالح أمريكية مباشرة ولكن تضر بالاقتصاد العالمي.
4 – إغلاق باب الترحيب التاريخي بالمهاجرين.
5 – التراجع في مبدأ سيادة القانون واحترامه.
هذه ليست تغيرات فكرية ونظرية فقط، بل توجهات محددة، وقد تأكدت صحة المخاوف بشأنها، من واقع السياسات التنفيذية.. التي اتخذها الرئيس الأمريكي فور توليه الحكم، وترتب عليها – في غضون أيام قليلة – اضطرابات شديدة في الأسواق العالمية، ووقف تمويل برامج محلية ودولية بالغة الأهمية، وفوضى قانونية.. بشأن أوضاع طالبي الهجرة، ومخاوف من صدامات دولية وشيكة.
كثيرون سألوني – تعقيباً على مقال الأسبوع الماضي – عما يجدر بنا أن نفعله.. حيال هذه الأوضاع المضطربة، التي يتجه إليها العالم.
والحقيقة، أن هذا التراجع المذهل.. في قيم ومبادئ الليبرالية، التي سادت العالم من منتصف القرن الماضي، وطرحت نفسها بديلاً وحيداً للحوكمة والحكم، وسقوطها المدوي في اختبارات عديدة؛ أكبرها ما جرى لأهل غزة طوال العام الماضي.. تحت مرأى ومسمع – وبمشاركة – العالم «المتحضر».. يضعنا أمام لحظة صدق، ومواجهة لحقيقة معتقداتنا الفكرية والإنسانية.
فهل لا تزال قيم الديمقراطية والحرية والعدالة والمساواة ودولة القانون.. جديرة بالاهتمام، والسعي لتحقيقها، والتضحية من أجلها، أم أن وقتها فات، و«موضتها» زالت، واهتمام العالم بها إلى تراجع؟
مدخلي للنظر إلى الموضوع، هو التفرقة بين الفكرة الفلسفية.. وتطبيقها العملي. الذي أقصده، أن من كان يريد النموذج الديمقراطي الغربي.. بحذافيره وبتطبيقاته العملية، عليه أن يعيد التفكير، لأن هذا النموذج تعرض لتراجع كبير، بل وانتكاسة واضحة.
ولكن هذا النموذج.. لم يكن إلا تطبيقاً لفكرة أهم؛ هي مشاركة الناس في الحكم، وفي تقرير مصائرها، وعدم ترك السلطة مطلقة.. في يد حاكم أو مجموعة معينة.
قد يكون النموذج العملي للديمقراطية.. قد اهتز، بل لعله حتى.. في طريقه للسقوط، ولكن فكرة الشراكة في الحكم قائمة، وإن كانت بحاجة لتطوير وتطبيق جديدين يناسبان العصر. والنظم القانونية السائدة عالمياً – بما صارت تتميز به من بطء إجرائي، وتأثير المال والنفوذ، وتأثر بالرأي العام – قد لا تكون أفضل وسيلة لتحقيق العدالة. ولكن تظل فكرة العدالة ذاتها.. تستحق الدفاع عنها، والتضحية من أجلها، وإعادة إحيائها بنماذج عصرية ملائمة.
باختصار، من كان يريد الشكل التقليدي للديمقراطية الليبرالية.. فهو في مأزق. أما من يبحث عن مضمونها، فإن قضيته لا تزال عادلة، وأحلامه مشروعة، وقابلة للتحقيق. ولكن تحتاج نماذج عملية جديدة أو مختلفة.
دعونا لا نبحث إذن.. عن صناديق واقتراع، وتصويت، وقوائم وأحزاب، ولافتات دعاية فقط.. بل عما نستهدفه من هذه الطقوس والممارسات. عن الشراكة في الحكم، وتداول السلطة، والمساواة أمام القانون.. بأي شكل يكون.
نقلاً عن «المصري اليوم«