بعد قتل الشاب السوري سليمان رشيد سعد وشق صدره وانتزاع قلبه من بين ضلوعه ووضعه فوق جثته، اتصل الجناة من هاتفه المحمول بوالده وتحدوه ليأتي ويأخذ الجثة الملقاة بالقرب من صالون حلاقة.
صار اسم سليمان (25 عاما) رقم 56 على قائمة مكتوبة بخط اليد تضم 60 قتيلا، من بينهم عدد من أبناء عمومته وجيرانه وستة أطفال على الأقل من قريتهم.
يقول والده رشيد سعد “شقوا صدره واقتلعوا قلبه. ووضعوه على صدره”.
حدث ذلك في وقت متأخر من مساء يوم الثامن من مارس آذار في قرية الرصافة. ولم تكن أعمال قتل العلويين انتهت بعد.
كان مقتل سليمان ضمن موجة من أعمال القتل نفذها مقاتلون سنة في مناطق يقطنها العلويون على ساحل البحر المتوسط في سوريا من السابع إلى التاسع من مارس آذار.
ووقعت أعمال العنف بعد تمرد استمر يوما واحدا نظمه عسكريون سابقون موالون للرئيس المخلوع بشار الأسد، وقالت الإدارة الجديدة إنه أسفر عن مقتل المئات من قوات الأمن.
وكشف تحقيق أجرته رويترز تفاصيل المجازر، وحدد تسلسل قيادة المسؤولين عن أعمال القتل من المهاجمين إلى رجال يعملون جنبا إلى جنب مع حكام سوريا الجدد في دمشق. وخلصت رويترز إلى أن ما يقرب من 1500 علوي سوري قُتلوا، وأن العشرات في عداد المفقودين.
ويبين التحقيق أن 40 موقعا مُختلفا شهدت عمليات قتل انتقامية وهجمات وأعمال نهب استهدفت الأقلية الدينية التي طالما تم ربطها بنظام الأسد.
وألقت موجة القتل التي استمرت لأيام الضوء عن الاستقطاب المتجذر في سوريا، والذي لم تستطع الحكومة الجديدة التغلب عليه بعد، بين مؤيدي النظام القديم سواء ضمنيا أو فعليا وأولئك الذين كانوا يأملون في نجاح الثورة على الأسد في نهاية المطاف.
ويكن كثيرون في سوريا مشاعر استياء تجاه العلويين، الذين تمتعوا بنفوذ كبير داخل الجيش والحكومة خلال حكم بشار الأسد على مدار 20 عاما.
وخلصت رويترز إلى تلك النتائج في الوقت الذي ترفع فيه إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تدريجيا عقوبات مفروضة على سوريا تعود إلى عهد الأسد. ويسبب هذا التقارب إحراجا لواشنطن، فالحكومة السورية الجديدة يقودها فصيل إسلامي كان يعرف من قبل باسم (هيئة تحرير الشام) التي تم حلها بعد الإطاحة بالأسد، وكانت في الماضي فرعا لتنظيم القاعدة في سوريا يحمل اسم جبهة النصرة.
وتخضع الهيئة، التي كان يتزعمها سابقا الرئيس السوري أحمد الشرع، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ عام 2014.
وصار الشرع، وهو مسلم سني مثل غالبية السوريين، رئيسا في يناير كانون الثاني بعد أن قاد هجوما خاطفا انتهى بإسقاط نظام الأسد والسيطرة على دمشق.
ووجدت رويترز أن ما لا يقل عن عشرة فصائل تضم أجانب وتخضع حاليا لسيطرة الحكومة الجديدة ضالعة في أعمال القتل التي وقعت في مارس آذار. ويخضع ما يقرب من نصف هذه الفصائل لعقوبات دولية منذ سنوات بسبب انتهاكات لحقوق الإنسان من بينها القتل والخطف والاعتداءات الجنسية.
ولم ترد الحكومة السورية، بما في ذلك وزارة الدفاع ومكتب الرئيس وجهاز الأمن العام، على ملخص مفصل لنتائج هذا التقرير أو على أسئلة ذات صلة من رويترز حول ضلوع قوات حكومية في المذابح.
وفي مقابلة مع رويترز بعد أيام قليلة من عمليات القتل، ندد الشرع بالعنف باعتباره تهديدا لجهوده لتوحيد البلاد التي مزقتها الحرب، وتعهد بمعاقبة المسؤولين عنها حتى لو كانوا “أقرب الناس” إليه.
وقال “نحن بالأساس خرجنا في وجه هذا النظام وما وصلنا إلى دمشق إلا نصرة للناس المظلومين… لا نقبل أن يكون هنا قطرة دم تسفك بغير وجه حق أو أن يذهب هذا الدم سدى دون محاسبة أو عقاب. مهما كان حتى لو كان أقرب الناس إلينا وأبعد الناس إلينا”.
ومن بين الوحدات التابعة لهيئة تحرير الشام سابقا التي كشف تحقيق رويترز تورطها جهاز الأمن العام، وهو جهاز فرض القانون الرئيسي، والفرقة 400 وهي فرقة من مقاتلي النخبة، ولواء عثمان.
كما تورطت فصائل مسلحة سنية انضمت حديثا لصفوف القوات الحكومية، من بينها فرقة السلطان سليمان شاه وفرقة الحمزة اللتان فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات عليهما لضلوعهما في عمليات القتل.
ولم يفرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على وحدات هيئة تحرير الشام السابقة، كما لم تفرض الولايات المتحدة أي عقوبات تتعلق بأعمال القتل.
وأمر الشرع بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق في أحداث الساحل ولجنة عليا للحفاظ على السلم الأهلي.
وذكر ياسر الفرحان، المتحدث باسم لجنة تقصي الحقائق، أن الرئيس سيتسلم ما خلصت إليه من نتائج في غضون أسبوعين، إذ تعكف اللجنة حاليا على تحليل المعلومات، ثم تكتب تقريرها النهائي بناء على شهادات ومعلومات جُمعت من أكثر من ألف شخص، بالإضافة إلى إحاطات من مسؤولين واستجوابات لمعتقلين. ونصح بالتريث في النشر.
وقال “اللجنة الآن بمرحلة فحص وتحليل المعلومات، لاستخلاص النتائج وكتابة التقرير، ولا نستطيع الإجابة قبل أن ننتهي، حرصا على أمانة الحقيقة ومقتضيات التحقيق”.
وأضاف “أنصح بأن تتريثوا في النشر لحين الاطلاع على تقريرنا النهائي، فقد استمعنا إلى أكثر من ألف شاهد وشاهدة من العائلات، استمعنا أيضا لإحاطات المسؤولين الحكوميين، والمجتمع المدني والوجهاء، استجوبنا عددا من الموقوفين، وجمعنا الكثير من الأدلة، أتوقع أنكم ستجدون في النتائج شيئا مفيدا لاستجلاء الحقيقة من جوانبها ومصادرها المتعددة”.
وأضاف “التقرير سيعرض على السيد رئيس الجمهورية بعد أسبوعين تقريبا، والوقت أمامكم ليس بعيد”.
وخلصت رويترز إلى أن عمليات القتل مستمرة حتى يومنا هذا.
ووفقا لستة مقاتلين وقادة وثلاثة مسؤولين حكوميين فقد ساورت المخاوف الحكومة السورية الجديدة من فقدان السيطرة على منطقة الساحل خلال انتفاضة أنصار الأسد. وأصدرت أوامر قاطعة في السادس من مارس آذار بسحق محاولة انقلاب من “فلول” النظام السابق.
وكان عدد كبير من الرجال الذين تلقوا الأوامر انضموا إلى صفوف قوات الأمن الحكومية الجديدة منذ شهور قليلة، ويتبنون تفسيرا متشددا للشريعة الإسلامية.
وفي ذلك اليوم، اندفع البعض ليفسر كلمة “فلول” على أنها تعني كل العلويين، وهم أقلية من مليوني شخص يحملهم كثيرون في سوريا مسؤولية جرائم عائلة الأسد التي تنتمي لهذه الطائفة.
وصرح أحمد الشامي محافظ طرطوس، وهو مسؤول في الحكومة الجديدة، لرويترز بأن العلويين ليسوا مُستهدفين. وأقرّ بوقوع “انتهاكات” بحق المدنيين العلويين، وقدر عدد القتلى في المحافظة بنحو 350 شخصا، وهو ما يتوافق مع ما توصلت إليه رويترز أيضا. ولم تنشر الحكومة هذا الرقم مطلقا.
وقال الشامي “الطائفة العلوية مو موجودة عندنا ضمن أيا قائمة من قوائم لا سوداء ولا خضراء ولا حمراء ليست مصنفة علي أنها طائفة مجرمة ولا بد يتحقق القصاص منها. الطائفة العلوية ظُلمت كما ظُلم عموم الشعب السوري وهذا الأمر احنا ثبتناه موجود عندي كمحافظ لطرطوس وكذلك الأمر السيد الرئيس في زيارته إلي طرطوس استمع للناس ووقف علي حقيقه كثير من المسائل”.
وأضاف “الطائفة في حاجه للأمان وهذا واجب علينا كدولة راح نحققه”.
وردا على طلب للتعقيب على النتائج التي خلصت إليها رويترز أشار أنور العوني، وهو متحدث باسم الاتحاد الأوروبي، إلى أن التكتل ندد “بالجرائم المروعة المرتكبة بحق المدنيين من قبل جميع الأطراف”، لكنه لم يوضح سبب عدم فرض عقوبات أيضا على وحدات هيئة تحرير الشام.
ولم يرد متحدثون باسم وزارتي الخارجية والخزانة الأمريكيتين على طلبات للتعليق.
وتشير التقديرات إلى أن مئات الآلاف من السوريين قُتلوا منذ عام 2011، عندما تحول قمع الأسد للاحتجاجات إلى حرب أهلية. ولاحق النظام أي معارضين مُشتبه بهم. ولكن السُنة، الذين شكلوا أبرز الجماعات المسلحة المعارضة للأسد، كانوا مستهدفين على نحو خاص.
وتحدثت رويترز مع أكثر من 200 من عائلات الضحايا خلال زيارات لمواقع المذابح وعبر الهاتف، ومع 40 من المسؤولين الأمنيين والمقاتلين والقياديين، بالإضافة إلى محققين ووسطاء عيّنتهم الحكومة.
كما اطلعت رويترز على رسائل في صفحة مراسلة على تطبيق تيليجرام أنشأها مسؤول في وزارة الدفاع لتنسيق تحرك الحكومة. وفحص صحفيو وكالة رويترز عشرات من مقاطع الفيديو وحصلوا على لقطات من كاميرات المراقبة، وجمعوا قوائم مكتوبة بخط اليد بأسماء القتلى.
وكان بعض المهاجمين الذين تحركوا للتعامل مع انتفاضة مارس آذار يحملون قوائم بأسماء الرجال الذين يريدون استهدافهم، بما في ذلك أعضاء سابقون في فصائل مؤيدة للأسد حصلوا على عفو مؤقت من الحكومة الجديدة.
وظهرت لاحقا أسماء أفراد عائلات بأكملها في قوائم القتلى التي كتبها شيوخ القرى بخط اليد. ووصف عدد من الناجين كيف تم تشويه جثث ذويهم.
واحتشد مقاتلون، كثير منهم ملثمون، في معاقل الحكومة الجديدة في إدلب وحمص وحلب ودمشق. وفي مقاطع فيديو تحققت منها رويترز، ظهرت قوافل مدرعات تنطلق إلى غرب سوريا، وعلت صيحات المسلحين ليلا مرددين “سنية، سنية” و”بدنا دم العلوية”.
وأظهرت الكثير من مقاطع الفيديو مقاتلين يعمدون إلى إذلال علويين، إذ أجبروهم على الزحف والنباح مثل الكلاب. بينما أظهرت مقاطع أخرى، بعضها صوّره المقاتلون أنفسهم، أكواما من الجثث الغارقة في الدماء.
وكان من بين القتلى عائلات بأكملها، بما في ذلك نساء وأطفال وعجائز ومعاقون، في عشرات القرى والأحياء ذات الأغلبية العلوية. وفي أحد الأحياء كانت هناك 46 امرأة بين 253 قتيلا، وفي قرية أخرى كان هناك 10 أطفال ضمن 30 قتيلا. وفي حالة واحدة على الأقل، أُخليت بلدة علوية بأكملها خلال الليل تقريبا وحل السُنة محل مئات السكان فيها.
وكان السؤال الأول الذي طرحه المقاتلون لدى وصولهم على السكان ذا دلالة كبيرة، وفقا لأكثر من 200 شاهد وناج، وهو “أنت سني أم علوي؟”.
* الانتفاضة
كان عبيدة شلي وشقيقه التوأم هما أصغر أفراد عائلة سنية تضم تسعة أبناء وبنات في إدلب بشمال غرب سوريا، حسبما تقول شقيقتهما ياسمين.
وسافر التوأمان إلى ليبيا للعمل مرتزقة. ومنذ عامين انضما إلى جهاز الأمن العام التابع لهيئة تحرير الشام في إدلب، حيث كانت الجماعة تُدير حكومة موازية.
تقول ياسمين إن المطاف انتهي بشقيقها شلي (23 عاما) وهو يرتدي زي جهاز الأمن العام الأسود ويحرس نقطة تفتيش قرب مدينة بانياس، وهو ما تؤكده رسائل صوتية أرسلها لها عبر تطبيق واتساب واطلعت عليها رويترز.
وعند غروب الشمس تقريبا في يوم السادس من مارس آذار، تعرضت نقطة التفتيش ومواقع أخرى تابعة لجهاز الأمن العام في محافظتي اللاذقية وطرطوس لهجوم، مما أسفر عن مقتل العشرات من عناصر الأمن.
ووفقا للحكومة الجديدة وسكان، كان المهاجمون يقودهم ضباط لا يزالون موالين للأسد. وانضم إلى الضباط شبان فقدوا سبل عيشهم عندما فصلت الحكومة الجديدة آلاف الموظفين العلويين وفككت أجهزة الأسد الأمنية، وفقا لمقابلات مع السكان، بمن فيهم زعيم محلي وصف الأمر بأنه تحرك عفوي من أشخاص يائسين.
وأرسل شلي رسالة صوتية لشقيقته في حوالي الساعة الثامنة والنصف مساء يخبرها بأن نصف الرجال من حوله سقطوا قتلى. وبدا هادئا ومستسلما لمصيره.
قالت “كان بيحاول يشوف طريقة يخرج الجثث”. وسألته لماذا لم يهرب فأجاب “ما في مفر”.
وعلمت ياسمين أن شقيقها قُتل بعد ذلك بساعتين.
شنّت قوات موالية للأسد أيضا هجمات في بانياس، أكبر مدن طرطوس. وسيطرت على الطريق الرئيسي بالمدينة وعلى المستشفى وهاجمت المقر الأمني للحكومة الجديدة، حسبما قال أبو البحر وهو مسؤول أمني متمركز في بانياس كان يقضي تلك الليلة في إدلب.
وقالت الحكومة السورية إن “المئات” من قواتها قتلوا في الانتفاضة، لكنها لم تُعلن عن أسماء أو إحصاء دقيق. ولم تُجب وزارة الدفاع على أسئلة لرويترز حول عدد القتلى من القوات أو ضلوع قوات تابعة للحكومة في المذابح.
وفرض الاتحاد الأوروبي في 23 يونيو حزيران عقوبات على ثلاثة ضباط سابقين موالين للأسد، قائلا إنهم مسؤولون عن قيادة مجموعات مسلحة “أججت التوتر الطائفي وحرضت على العنف”.
وقال حمزة العلي، وهو ضابط بجهاز الأمن العام مسؤول عن بلدة القدموس التي تبعد نحو 30 كيلومترا إلى الشرق، إن أفرادا من نظام الأسد “كانوا بيعملوا انقلاب وإعلان الساحل منطقة مستقلة”.
وطلبت وزارة الدفاع تعزيزات من جميع الفصائل التي انضمت مؤخرا إلى القوات الحكومية. وتعالت النداءات من المساجد في جميع أنحاء البلاد تدعو إلى الجهاد.
وقال محمد الجاسم، وهو قائد فرقة السلطان سليمان شاه التي تعرف أيضا باسم العمشات، لرويترز إنه كان في مستشفى في تركيا لأسباب صحية عندما اندلاع القتال. وأضاف أنه سرعان ما أُضيف إلى مجموعة على تطبيق تراسل يديرها مسؤول كبير في وزارة الدفاع قال إنه يعرفه فقط باسم أبو عهد.
ولم يتسن لرويترز التحقق من المكان الذي كان يوجد فيه الجاسم في أثناء وقوع المذابح. ونفى أن يكون لرجاله أي دور في أعمال العنف.
وأبو عهد الحموي هو الاسم المستعار لحسين عبد الغني المتحدث باسم وزارة الدفاع.
وصدرت أوامر لفرقة الجاسم بإعادة فتح الطريق الساحلي السريع (إم1) الذي يربط بين اللاذقية وجبلة. وقال إن قواته اتخذت مواقع خارج مدينة جبلة.
ومع استمرار المذابح، أعلن عبد الغني أن العملية بمنطقة الساحل تسير وفق المخطط لها بهدف الحفاظ على السيطرة على المنطقة وأيضا “تضييق الخناق علي بقايا عناصر ضباط وفلول النظام السابق”، وفقا للوكالة العربية السورية للأنباء (سانا).
وخلف الكواليس، كان عبد الغني يدير مجموعة تراسل على تيليجرام بين زعماء فصائل وقادة بالجيش نسقوا تحرك الحكومة لقمع انتفاضة أنصار الأسد، وفقا لعشرات الرسائل النصية والصوتية المتبادلة بينه وبين قائد كبير من فصيل آخر اطلعت عليها رويترز.
وأكد مصدران أن اسم المستخدم على تيليجرام هو عبد الغني، وأن أبو عهد هو اسمه الحركي. وتواصلت رويترز معه مباشرة عبر تيليجرام باستخدام هذا الاسم. وقال لرويترز إنه قدم شهادته للجنة التي تحقق في عمليات القتل، لكنه رفض الإدلاء بمزيد من التعليقات.
وأشارت الرسائل إلى مواقع وتحركات القوات، بما في ذلك رسالة من عبد الغني عند الجسر المؤدي إلى قرية المختارية، حيث كانت ترتكب مذابح.
وقال ننار حواش، المحلل البارز في مجموعة الأزمات الدولية، إن عمليات القتل قوضت شرعية الحكومة الجديدة بين السوريين، وخاصة الأقليات.
وأضاف “نشر وحدات معروفة بعدائها لطوائف تعتبرها خصوما، ولها سجل حافل بالانتهاكات، أدى إلى نتائج متوقعة… لقد تقاعسوا عن الوفاء بواجبهم الأساسي في توفير الحماية”.
وفي إشارة إلى ضعف سيطرة الحكومة على مقاتليها، واجهت الفصائل المندمجة حديثا في صفوف القوات الحكومية بعضها البعض في شوارع القرى في بعض الأحيان، وفقا لشهود في ثلاثة مواقع مختلفة ووصفوا جميعا رؤية أحد الجانبين يحاول حماية المدنيين المذهولين من رجال يرتدون الزي الرسمي يحاولون قتلهم.
* 7 مارس: 578 قتيلا في 26 موقعا
يمتد الطريق السريع (إم4) من البحر المتوسط إلى الداخل، بينما يمتد الطريق السريع (إم1) إلى الجنوب بمحاذاة الساحل قبل أن يتجه شرقا قرب لبنان.
وقعت المذابح التي بدأت قبل فجر السابع من مارس في معظمها على هذين الطريقين. وكانت بلدات كثيرة عبارة عن مجتمعات زراعية، تنتشر فيها بساتين الليمون والبرتقال في مارس آذار، وحقول خضراوات تنمو بكثرة على مدار العام بفضل مناخ البحر المتوسط.
وتعرضت قرية المختارية، أول قرية على طريق (إم4) الذي يربط إدلب واللاذقية، لهجوم حوالي الساعة السادسة صباحا.
وقال ثمانية شهود لرويترز إن حشودا من الرجال، بينهم كثيرون يرتدون زي جهاز الأمن العام، اقتحموا الأبواب لإخراج الرجال وأجبروا بعضهم على الزحف واقتادوا آخرين بعيدا.
واستمر إطلاق النار نحو ساعة. وعندما توقف كان 157 شخصا قد قتلوا، أي ما يقرب من ربع سكان المختارية، وفقا لقائمة أعدها أحد وجهاء القرية وتحققت منها رويترز من خلال عدد من السكان الناجين.
وكان من بين القتلى 28 فردا من عائلة عبد الله، و14 فردا من عائلة درويش، و11 من عائلة الجهني، وفقا للقوائم التي جمعها الناجون ومشايخ القرية وأطلعوا عليها رويترز.
وقالت امرأة فقدت والدها وإخوة لها “الرصاص كان زي المطر يا أختي ما عرفين نروح وين أو كيف نهرب”.
وشاركت امرأة أخرى فقدت 17 من أقاربها لقطة شاشة (سكرين شوت) من فيديو تحققت منه رويترز. وأشارت إلى كومة من الجثث في اللقطة وقالت “هذه عائلتي”. ورسمت سهما على الشاشة يشير إلى جثة رجل يرتدي سترة باهتة اللون، وأرسلت الصورة إلى رويترز قائلة “هذا زوجي”.
وقال سكان إن القرية كانت شبه خالية بعد مرور أيام على المذبحة. وتعفنت ثمار البرتقال على أشجارها في غياب من يحصدها.
وذكر أحد العاملين في مجال توثيق انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا أن القرى التي شهدت أكبر قدر من سفك الدماء هي تلك التي ينتمي سكانها إلى فرقة فرعية من الطائفة العلوية وهي الكلازية.
وأضاف أن عائلة الأسد كانت من العلويين الكلازيين، وكذلك العديد من كبار مسؤولي الأمن في عهده، وهو ما أكده قيادي بارز في المجتمع العلوي.
ومن بين الأماكن المرتبطة بالكلازية قرية الصنوبر، وهي منطقة زراعية عدد سكانها حوالي 15 ألف نسمة، تتخلل منازلهم حقول الخضراوات.
وقال ثلاثة قرويين لرويترز إن قوة النخبة التابعة لهيئة تحرير الشام، والمعروفة بالفرقة 400، انتقلت إلى الصنوبر في ديسمبر كانون الأول، ووعدت بأن تُترك البلدة في سلام تحت القيادة الجديدة. ووصفوا الحياة بأنها متوترة، لكنها محتملة.
وذكر شهود أنه في وقت مبكر من يوم السابع من مارس آذار، تجمع رجال من الفرقة 400 ومئات التعزيزات وبدأوا عمليات القتل. وأفاد 17 شاهدا بأن تسعة فصائل منفصلة شنت هجمات.
وقال شاب إنه رأى مقاتلين من الفرقة 400 يطلقون النار أثناء اقتحام منزله. وقُتل 11 من أقاربه. ونجا الشاب بعدما اختبأ في مخزن بالطابق العلوي.
وشاركت فرقة السلطان سليمان شاه أيضا في الهجمات، وفقا لناجين تعرفوا على شارات الفرقة. وبرزت الفرقة كفصيل مدعوم من تركيا خلال الحرب الأهلية في سوريا، وتخضع لعقوبات أمريكية منذ عام 2023، إذ تتهمها وزارة الخزانة الأمريكية بانتهاكات “من بينها الملاحقة والخطف”.
وقال الجاسم لرويترز إن الاتهامات “مختلقة” ووصف رجاله بأنهم يتمتعون بقدر كبير من الانضباط.
ولم يُجب متحدثون باسم جهاز الأمن العام ووزارة الدفاع، التي تُشرف على الفرقة 400، على أسئلة حول الهجمات. كما لم ترد الحكومة التركية على طلبات للتعليق على ضلوع فرقة السلطان سليمان شاه وغيرها من الفصائل المدعومة من تركيا في عمليات القتل. ولم تُصدر أيضا أي تعقيب على عقوبات الاتحاد الأوروبي على هذه الفصائل في مايو أيار.
وفي مقطع فيديو صوره مقاتل في الصنوبر، وتحققت رويترز منه، ظهر المقاتل يرتدي زيا عسكريا بجانب جثث وهو يقول “فرقة سليمان شاه تدحر فلول النظام الله أكبر والحمد لله”.
وانتقل بالكاميرا بعد ذلك ليصور جثث 11 رجلا عُزّل بملابس مدنية ملقاة على بقعة من أخصب الأراضي السورية صارت مروية بالدم. ومن بين هؤلاء القتلى فني دراجات نارية وطالبان ومزارعان وشرطي حاصل على عفو، وفقا لأقارب القتلى الذين عرّفوهم بالاسم.
ونفى الجاسم، قائد فرقة السلطان سليمان شاه، أن يكون رجاله مسؤولين عن عمليات القتل في أي من القرى التي دخلوها.
وقال لرويترز “أنا كقائد فرقة بعرف إن الأمر يتنفذ بالحذافير”.
وفي أبريل نيسان، قالت الفرقة التي أصبح اسمها في ذلك الوقت الفرقة 62 من الجيش السوري إن الرجل الذي صور الفيديو ليس له أي صلة بها واتهمته بانتحال شخصية مقاتل “لتشويه سمعة الفرقة العسكرية وسجلها”.
ولم يتسن لرويترز التحقق بشكل مستقل من هوية الرجل أو انتمائه.
وعرّفت مجموعة أخرى نفسها كمقاتلين تابعين لفصيل (جيش الإسلام).
ونشر مسؤول الإعلام في (جيش الإسلام) صورا على فيسبوك لمقاتلين متجهين إلى منطقة الساحل في السابع من مارس آذار. كما نشر نسخة من وثيقة عفو قال إنها تم العثور عليها مع جثة شرطي من عهد الأسد مما يشير إلى أن القتيل نكث بالتعهد الذي وقعه بعدم حمل السلاح ضد الحكومة الجديدة.
وكتب المسؤول الإعلامي حمزة بيرقدار “فلول مجرمة لا عهد لهم ولا ميثاق فلا أمان ولا استقرار في بلادنا إلا باستئصالهم”. وحصد المنشور 160 إعجابا.
وقالت امرأة من الصنوبر لرويترز إن المقاتلين استولوا على غرفة معيشتها. وذكرت أن أحد المهاجمين سألها “بتعرفي شو نحنا؟” وأنها أجابت “أنتم الجيش”، وأضافت أنه قال لها لا “احنا مجاهدين جيش الإسلام. جايين نعلمكم الإسلام”.
ولم يرد مسؤول الإعلام بيرقدار ولا (جيش الإسلام) على طلبات للتعليق بشأن أعمال العنف.
ووفقا لقوائم راجعتها رويترز وتحققت منها بالاستعانة بعدد من السكان، قُتل 236 من الصنوبر. وكان معظمهم شبانا تتراوح أعمارهم بين 16 و40 عاما. وكان من بين الجرحى امرأة حامل، أجهضت لكنها نجت من إصابات بطلقات نارية.
وقالت امرأة شابة إن زوجها كان يزور جارهم عندما اقتحم مسلحون البيت وصعدوا إلى الطابق العلوي وبدأوا بتحطيم كل شيء باحثين عنه.