Times of Egypt

قراءة في تطورات المشهد السوري 

Mohamed Bosila
نيفين مسعد

د. نيفين مسعد 

مثَّل الاتفاق الموقَّع بين رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا، وقائد قوات سوريا الديمقراطية الكردية (قسد).. تطوراً مهماً في المشهد السياسي السوري؛ انطوى على درجة من المفاجأة.. رغم المفاوضات المتقطِّعة – التي كانت تُجرى – بين الطرفين، ولنا أن نتأمل – مثلاً – ذلك التصريح لـ«مظلوم عبدي»، قائد قوات «قسد»، قبل أيام قليلة من توقيع الاتفاق، والذي قال فيه إنه «إذا استطاعت إسرائيل منع الهجمات ضدنا ووقف قتل شعبنا، فنحن نرحب بذلك ونقدِّره.. إسرائيل قوة نفوذ في الولايات المتحدة والغرب ومنطقة الشرق الأوسط». والمعنى هو أن الأكراد في مرمى التهديد داخل بلدهم، وأنهم يحتاجون إلى حماية خارجية، وهذا يتناقض – على طول الخط – مع مضمون الاتفاق، الذي يتحدَّث في البند الثاني منه عن ضمان الدولة حق المجتمع الكردي.. في المواطنة، وكافة الحقوق الدستورية. 

أتى الاتفاق في لحظة تاريخية شديدة الحساسية بالنسبة للإدارة الجديدة في دمشق، لحظة كانت تتجه فيها الأنظار صوب معارك الساحل، وما ارتبط بها من جرائم مروِّعة ضد الطائفة العلوية.. أدانتها بقوة الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية. 

ومع أنه لا تتوفَّر معلومات عن تفاصيل اللحظات الأخيرة قبل توقيع الاتفاق، إلا أن من الوارد جداً أن تكون مجازر الساحل، قد دفعت بالولايات المتحدة للإلقاء بثقلها من أجل إنجاح المفاوضات المتعثِّرة بين الإدارة الجديدة في دمشق وقوات «قسد».. كي لا تتدحرج كرة النار لأجزاء أخرى من الأراضي السورية. 

أما وقد تم توقيع الاتفاق فكيف يمكن لنا أن نقرأ بنوده الثمانية؟ 

مبدئياً، ما حدث يُعد اختراقاً إيجابياً.. في واحدة من أهم وأطول القضايا المرتبطة بالأقليات السورية وأكثرها تعقيداً، هي القضية الكردية. ومن الناحية النظرية، فإن الاتفاق يضمن بقاء المنطقة التي تسيطر عليها الإدارة الذاتية.. في نطاق الدولة السورية، بموجب البند السابع.. الذي ينص صراحةً على رفض دعوات التقسيم. كما أن الاتفاق يجرِّد إسرائيل من القدرة على التوظيف السياسي لورقة الأكراد، وينزع مبرِّر بقاء القوات التركية، وهو تهديد الأمن القومي التركي، انطلاقاً من الأراضي السورية. وأخيراً، فإن الاتفاق ينصُّ – في البند الرابع – على استعادة الدولة سيادتها على الثروات والمرافق والمعابر في شمال شرق سوريا، وهذه أيضاً نقطة بالغة الأهمية.. إن تحقَّقت. 

لكن على الجانب الآخر، يلاحظ أن الاتفاق يتميَّز بعموميته الشديدة، وهي عمومية مقصودة، لأن الهدف كان إنجاز الاتفاق في حد ذاته، مع ترك التفاصيل إلى اللجان التنفيذية، التي ستُنهي عملها بنهاية العام. 
هذه المهمة ليست بسيطة على الإطلاق؛ فعلى مدار نحو اثني عشر عاماً، نشأ أمر واقع يصعب تجاوزه في منطقة شمال شرق سوريا، وبالتالي فإن أسئلة تتعلَّق بإدارة الإقليم وما إذا كانت نوعاً من الإدارة المحلية الموسّعة، أم نوعاً من الحكم الذاتي، وتتعلَّق باندماج قوات «قسد» في المؤسسة العسكرية؟ وكيف سيكون شكل هذا الاندماج؟ فضلاً عن مصير الأجانب في قوات «قسد» نفسها، والعوامل التي تحكمه. 
وهي نقطة شديدة الحساسية.  

فلو عدنا للحوار الذي أجرته مجلة «المجلة» مع مظلوم عبدي في 17 فبراير الماضي، وأعيد نشره بعد توقيع الاتفاق، لوجدنا أن «عبدي» – حين سُئل عن مسألة اندماج قوات «قسد» في المؤسسة العسكرية – قال إنه يوافق على ذلك، بشرط أن يؤخذ رأي الأكراد في الأساليب المتَّبعة، وفي الأمور الأساسية، وهذا معناه أن الاندماج لن يتم بكبسة زر.. كما يقال. 

كما أشار «عبدي» إلى وجود ازدواجية في تعامل دمشق مع موضوع المقاتلين الأجانب، لأنه في الوقت الذي يتم فيه تجنيس هؤلاء المقاتلين – يقصد أولئك الذين أتوا من الشيشان وتايوان وأوزبكستان وأذربيجان ودول عربية شتّي… إلخ – ودمجهم في المؤسسة العسكرية، يتم مطالبة قوات «قسد» بالتخلّص من مقاتلي حزب العمال الكردستاني الكردي. 

والواقع، أن بناء مؤسسة عسكرية من المقاتلين من كل حدب وصوب.. مسألة في منتهى الخطورة، ولها تأثيراتها السلبية على تماسك المؤسسة، التي ترتكز في الأصل والأساس على مبدأ الانتماء الوطني، لا على مبدأ الانتماء الديني أو الأيديولوجي. 

يلاحظ أيضاً على الاتفاق، أنه يتضمَّن بنوداً تتجاوز طرفيه الأساسيين؛ وكمثال، ينص البند الثالث على وقف إطلاق النار على كافة الأراضي السورية، بينما لا تسيطر قوات «قسد».. إلا على مساحة تقترب من ربع مساحة سوريا. كما أن البند الأول ينص على حقوق جميع السوريين.. في التمثيل والمشاركة السياسية، بغضِّ النظر عن خلفياتهم الدينية والعرقية. وهذا بند موضعه الإعلان الدستوري، وليس اتفاقاً ينظِّم العلاقة بين طرفيه، خصوصاً أن البند الثاني – مباشرةً – مخصَّص للمجتمع الكردي على وجه التحديد.  

يلاحظ – كذلك – أن الاتفاق كان شديد الطموح.. في النصِّ في البند الخامس على ضمان عودة كافة المهجَّرين السوريين إلى بلداتهم وقراهم، وهذا بند آخر واسع. ولو كان المقصود هو عودة الأكراد إلى المناطق التي استولت عليها تركيا، وعودة العرب إلى المناطق التي سيطر عليها الأكراد.. فإن هذا أيضاً أمر بالغ التعقيد؛ فعلى مدار السنوات الماضية، جرت عملية هندسة ديموجرافية متواصلة، للإخلال بالتركيبة السكانية القائمة، بما يخدم مصلحة طرف بعينه. وهذه على أية حال، آلية قديمة استخدمتها كل النظم غير الديمقراطية.. في تعاملها مع تنوعها السكاني. 

ولذلك، من المهم التعامل بموضوعية مع الاتفاق بين حكَّام دمشق وقوات قسد.. دون تهويل أو تهوين، وتأكيد أن تطبيق هذا الاتفاق – أو أي اتفاق آخر في المستقبل – مرتبط بتوفُّر الإرادة السياسية لدى الأطراف الموقعة عليه. 

نقلاً عن «الأهرام» 

شارك هذه المقالة
اترك تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *