Times of Egypt

في الشرق أمرها محسوم.. هل تنهار الديمقراطية في الغرب؟ 

Mohamed Bosila
محمد أبو الغار 

محمد أبو الغار 

(كُتبت هذه المقالة قبل إعلان نتائج الانتخابات الأمريكية). 

عالم السياسة بول برفريورسكي ترك بلده بولندا قبل ثورة التشيك في عام 1968 ولم يعد مرة أخرى. التحق بجامعة في سنتياجو في شيلي. وفي عام 1973 حدث الانقلاب العسكري الذي قام به الجنرال بينوشيه الذي اغتال الديمقراطية بقسوة بالغة وبسيل من الدماء، وقتل الآلاف، وهرب عشرات الآلاف خارج البلاد، واستمر الانقلاب العسكري الديكتاتوري 17 عاماً.  

بول – الذي هرب من ديكتاتورية فلاحقته ديكتاتورية جديدة – تساءل: لماذا تستمر بعض الديمقراطيات ويسقط بعضها تحت أقدام نظام ديكتاتوري أوتوقراطي؟ 

وكان هناك تصور بأن استمرار الديمقراطية فترات طويلة مع انتخابات حرة متكررة كفيل بضمان ديمقراطية للأبد، ولكن في السنوات الأخيرة ظهر أن هذه النظرية قد تكون خاطئة. ففي الولايات المتحدة المفروض أنها ديمقراطية ثابتة، في 6 يناير حدث الهجوم على مبنى الكونجرس الأمريكي رافضاً نقل السلطة إلى الرئيس المنتخب ديمقراطياً. 

وفي سيناريو مماثل في العام الماضي رفض بولينارو، رئيس البرازيل، التخلي عن منصبه بعد أن خسر في الانتخابات، ودعا إلى انقلاب عسكري. وكان المثال الأكثر وضوحاً ونجاحاً هو المجر التي بعد انفصالها على حلف وارسو، أصبحت دولة ديمقراطية.. تغيرت فيها الحكومات بانتخابات حرة، حتى عام 2010 فقام الحزب الذي نجح في الانتخابات بهدم النظام الديمقراطي، فقام بتعديل الدستور، وفكك النظام القضائي، وعين قضاة موالين له، وغير النظام الانتخابي، وأطاح بحرية الصحافة والإعلام، ووصل الأمر إلى أن البرلمان الأوروبي عام 2022 وافق على قانون بأن المجر لم تصبح دولة ديمقراطية، وأن النظام أصبح ديكتاتورياً أوتوقراطياً. 

وتُجرى الانتخابات هذا العام في أمريكا والهند وفنزويلا والمكسيك وإندونيسيا، وتساءلت «النيويورك تايمز»: ما هي الديمقراطيات التي سوف تستمر، وما التي سوف تسقط في عالمنا اليوم؟ 

«التايمز» تقول إن الديمقراطية مباراة.. تحدد نتيجتها الانتخابات، ويؤمن اللاعبون من السياسيين فيها بتقبل الخسارة بدون اللجوء لاستخدام القوة بالانقلابات العسكرية أو المليشيات العقائدية. وعلى الفائز في الانتخابات أن يجمح رغبته في استخدام القوة والاستيلاء على كل شيء، وفي هذه الحالة تنجح الديمقراطية. 

كان الجميع يعتقد في قوة النظام الديمقراطي الأمريكي، ولكن منذ الهجوم على الكونجرس بدأ الاعتقاد بأن النظام ممكن أن يضعف وأن تتآكل الديمقراطية في أمريكا، لأن الديمقراطية ليست كما يتم تدريسه في المدارس.. بأنها أمر أخلاقي لرفع شأن البشرية، ولكنها في النهاية مباراة بين مجموعة من الأقوياء اتفقوا بينهم أن من يحكم يقرره من يفوز في الانتخابات. ثم تقول أماندا توب إن فهم الديمقراطية بأنها مباراة أو خناقة وليست منافسة بين مجموعة مؤسسات هو الذي سوف يؤدي إلى السقوط والخروج من النظام الديمقراطي حتى في دولة مثل الولايات المتحدة. 

حدثت تغييرات كثيرة في العالم، منها المساواة بين الرجال والنساء والسود والبيض في أمريكا، وتطبيق نظام كوتة للنساء في الهند والأعداد الكبيرة للمهاجرين إلى أوروبا وتأثيرهم على التصويت الانتخابي الذي كان متأثراً بالقرارات الاقتصادية، والآن تداخلت فيه عوامل ثقافية ودينية. أدى ذلك إلى استقطابات وظهور أحزاب يمينية قوية في أوروبا خوفاً من التأثير العرقي والثقافي للمهاجرين. في أمريكا ظهر دونالد ترامب وبعض السياسيين شديدي اليمينية في البرازيل والأرجنتين. ليس فقط اليمين المتطرف، بل أيضاً اليسار الشعبوي مثلما حدث في فنزويلا، وأدى ذلك إلى الاستقطاب، مما أضعف الديمقراطية وأخل بقواعد المباراة. 

المجتمعات التي تتمتع بنظام قضائي محكم وصحافة حرة وأحزاب سياسية، تكون قادرة على إيقاف الانحدار ناحية الشعبوية القومية أو الدينية وانهيار الديمقراطية. النظام السياسي البريطاني فيه طرق للتحكم في قوة رئيس الوزراء من داخل الحزب السياسي نفسه. مثال واضح، تغيير عدد من رؤساء الوزارة المحافظين في فترة قصيرة كان للمحافظين فيها أغلبية كبيرة. لكن النظام الديمقراطي معرّض للمخاطر حين تصاب القيادات بجنون العظمة، مثلما حدث في الهند مع مودي، ويمكنهم إهدار الديمقراطية بالتدريج وببطء أو بالانقلابات التي تهدر الديمقراطية في لحظة. 

القيادات الديكتاتورية تدّعي العمل بنظام ديمقراطي، بينما تقوم بعمل كل ما يمكن لتحويل النظام إلى أوتوقراطي، مثلما حدث في المجر.. بتعديل الدستور ليعطيهم القدرة على تحقيق أغراضهم بحيث يستحيل على المنافسين أن يكسبوا. هم يدّعون أن نظامهم حر، ولكنهم يغلقون الصحف ويحبسون الصحفيين. 

انتخابات الهند هذا العام حدَّت من نفوذ مودي رئيس الوزراء، لقد دمر مودي حرية الصحافة والنظام القضائي. والآن هناك أمل في العودة للديمقراطية. في العام الماضي صوت الشعب البولندي ضد حكومة اعتدت تدريجياً على الدستور وحدّت من استقلال القضاء وسنّت عدة قوانين مخالفة لقواعد الديمقراطية، وتصرفت الأحزاب في بولندا بحكمة مع الشعب لحماية الديمقراطية. 

الولايات المتحدة دولة غنية، ودستورها يحترمه الجميع، ولكن هل هناك خطر على الديمقراطية الأمريكية؟ كان للحكومة الفيدرالية قوة حين كانت الانتخابات التمهيدية لاختيار مرشح لكل حزب على جميع المستويات في الحزب الديمقراطي تؤسس إلى ترسيخ الديمقراطية، ولكن الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري حدث فيها تغيير غريب بانتخاب أقصى اليمين، وأصبح هو الصوت الوحيد الذي يصل إلى القاعدة. وعندما انتُخب ترامب حدث الاستقطاب الكبير. 

كان حدوث اتفاق بين نواب الحزبين على مشروع مشترك في الكونجرس أو مجلس الشيوخ أمراً عادياً، ولكنه أصبح صعباً ونادراً. وكانت تصرفات ترامب أثناء الرئاسة وبعد أن سقط في الانتخابات عاملاً في زيادة الاحتقان وإضعاف الديمقراطية، وأدى حكم المحكمة الدستورية العليا بتحصين الرئيس إلى أن أصبح فعلاً فوق القانون. 

بالرغم من أن «النيويورك تايمز» قامت بحساب فرصة انهيار النظام الديمقراطي في أمريكا وقدرت أنها واحد في 1.6 مليون، يعني فرصة غير موجودة، لكن في الظروف الحالية قالت إنها ليست مطمئنة. 

تشرح الصحيفة كيفية وإمكانية تحول نظام ديمقراطي إلى نظام ديكتاتوري، والخطوات هي كسب الانتخابات ثم تغيير الدستور بحيث لا يكون للمنافس فرصة للكسب وتدمير القضاء وتدجين الصحافة. 

لم يحدث ذلك في الغرب منذ تحول أوروبا الشرقية إلى نظام ديمقراطي.. إلا في المجر، ونجت بولندا من خطورة حقيقية في التغيير من نظام ديمقراطي. تقول الصحيفة إنه سيكون هناك مخاطر حقيقية على الديمقراطية إذا نجح ترامب. 

الأمر يختص فقط بالغرب، والاستثناء الوحيد هو الهند.. باعتبار الشرق كله ليس به ديمقراطية حقيقية، بالرغم من المحاولات في بعض الدول، لكن واضح أن تلك الدول ما زالت أمامها صعوبات جمة.. للوصول إلى ديمقراطية حقيقية، لأنها محكومة إما بميليشيات دينية، أو حكومات فاشية، أو نظم شعبوية فاشلة. 

(قوم يا مصري مصر دايماً بتناديك). 

نقلاً عن «المصري اليوم» 

شارك هذه المقالة
اترك تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.