أمينة خيري
في سلسلة «إعادة اختراع العجلة» – وهو ما نحاول عمله على مدار عقود طويلة، وفي إطار محاولة الاستفادة مما انتهى إليه آخرون، بدلاً من الإصرار على ابتداع نظرية أو منظومة.. لتنظيم حياتنا، قتلها الأولون بحثاً، ووصلوا إلى توليفة من المنظومات سهَّلت عليهم حياتهم، ونظمت أمورهم، ونقلتهم من الفوضى والعشوائية إلى النظام والترتيب – انتهينا إلى أن منظومة مثل المواصلات لدينا.. في حاجة ماسة إلى نظرة من المواطنين، وذلك لتقويم طريقة تعاملهم مع.. واستخدامهم لهذه الملكية العامة، ونظرتين من الدولة.. للضبط والربط، والتأكد من الحفاظ على هذه الملكية.
وعلى ذِكْر المواصلات، فإن حال الشارع، – سواء كانت تسير فيه مواصلات عامة أو خاصة، أو تكاتك أو دراجات نارية أو كارو – أحد أهم العناوين التي تخبرنا عن حالنا. كما أنه من أول ما يقع عليه نظر الزائر أو السائح، ويبني على أساسه فكرته وتصوره عن البلد وأهله. وحال الشارع والمرور والقيادة.. شأنه شأن المواصلات؛ إذ لا يمكن تحميل وزارة بعينها.. المسؤولية كلها على تردي الحال، أو فوضى السير، أو عشوائية التصرفات، أو خطورة السلوك، أو هرج المشهد، أو اختلال المنظومة قلباً وقالباً.
من اخترعوا المركبات وطوروها، وحدَّثوها، وقاموا على صناعتها وتصديرها لنا.. لنستخدمها، اخترعوا كذلك قواعد صارمة لاستخدامها. وما آلت إليه أحوالنا، أشبه بمن اشترى ثلاجة، فقرر أن يضعها بالمقلوب. لماذا؟ لأنه يرى أن هذا أفضل، ويعتقد أن هذه حريته الشخصية، لكن مع فارق وحيد.. وهو أن هذا المعتوه، ينتهج النهج السفيه نفسه في الشارع، وليس في مطبخ بيتهم.
هناك مجموعة – معروفة ومحفوظة ومؤكدة – لقواعد السير.. في المجتمعات التي رفضت أن تكون شوارعها وميادينها.. ساحات قتل وفوضى، بسبب جنون القيادة وعشوائيتها. أولوية المرور في الدوار والتقاطع، وقواعد دخول الميدان.. والخروج منه، ترك مسافة كافية من السيارة في الأمام، الالتزام بالسرعات المحددة، استخدام إشارات الانعطاف، عدم تغيير الاتجاه بشكل مفاجئ، وبالطبع عدم السير عكس الاتجاه، وهذه الأخيرة جريمة.. لا يقترفها إلا مختل مشوش.
في قوانين السير في بريطانيا، تصنف القيادة عكس السير بأنها «قيادة دون العناية والاهتمام الواجبين، وهي قيادة متهورة، وتحدث هذه الجريمة عندما يكون مستوى قيادة الشخص.. أقل مما هو متوقع من سائق كفء وحذر. وتشمل عقوبات القيادة المتهورة غرامة مالية كبيرة، أو إضافة نقاط جزاء، أو المنع التام من القيادة».
أسمع مَن يقول: هذه بريطانيا، ولا تجوز المقارنة. وأقول.. قبل أسابيع، حين تناقل المصريون «فزعة» توقيف المركبات.. ذات لوحات الأرقام الممسوحة، وتطبيق غرامات مالية كبيرة، نوَّرت شوارع المحروسة بأرقام اللوحات، وأعاد «حسين بيه» – وغيره من البهوات – اللوحة التي نزعوها.. عامدين متعمدين من الخلف.
ما العبرة؟
في مقدورنا، ضبط السير والقيادة والشارع.. حال توافر الإرادة، وقبلها الرغبة. الدماء المارقة على الأسفلت.. لن تتوقف بمناشدة أو مصادرة توك توك، وتحرير مخالفة لسيارة.
القانون واضح وصريح، وأدوات تطبيقه معروفة.
نقلاً عن «المصري اليوم»
