أحمد جلال
كثيرًا ما تبدو بعض الأفكار مقنعة.. عند سماعها للوهلة الأولى، لكنها قد لا تكون كذلك.. بعد قدر معقول من التمعن. هذا المقال يستعرض عشر مغالطات اقتصادية، ينطبق عليها هذا التوصيف. الغرض من المقال.. ليس التأكيد على خطأ هذه الأفكار، بل دعوة المروجين لها، والمتأثرين بها.. للتروي قبل إصدار أحكام مطلقة.
المغالطة الأولى: تتساقط ثمار النمو على الجميع.. عندما ترتفع معدلات النمو لفترة غير قصيرة. لكن ماذا لو أن جُلّ ثمار النمو.. ذهبت لمن هم أكثر ثراء فى المجتمع، وإذا لم يبق للفقراء منها سوى الفتات؟
المغالطة الثانية: الزيادة السكانية.. عائق منيع ضد تحسن مستوى المعيشة، لأنها تعني قسمة الدخل القومي على عدد أكبر من الأفراد. لكن ألا تعني الزيادة السكانية أيضا.. وفرة فى العنصر البشري، الذي إذا تم إدارته بحكمة، يمكن أن يساهم في رفع معدلات النمو، وزيادة فرص الترقي في السلم الاجتماعي؟
المغالطة الثالثة: انخفاض معدل البطالة مؤشر إيجابي، على خلفية أن هذا.. يعنى انخفاض عدد القادرين على العمل، والساعين للحصول عليه. لكن ماذا لو أن التشغيل كان في عمل غير منتج، ومتدني الأجر، ومؤقت، وأن قبول الفقراء به.. لم يكن إلا لأنهم لا يملكون رفاهة ألا يعملوا؟
المغالطة الرابعة: الاكتفاء الذاتي – بمعنى إنتاج ما نستورده – غاية نبيلة، لأنه يساعد على تنمية الصناعة الوطنية، وتشغيل العمالة المحلية، وتجنب الحاجة لعملات أجنبية لتمويل الاستيراد. لكن ماذا لو أن حماية الصناعة الوطنية، كان معناها أن المستهلكين.. سوف يدفعون سعرًا أعلى، لسلع ليست بجودة عالية، وأرباحا ريعية، تذهب لقلة من المنتفعين.. المتقاعسين عن تحسين إنتاجيتهم، وإهدارًا للموارد الشحيحة.. في أنشطة لا تعتمد على الوفرة النسبية في عوامل الإنتاج؟
المغالطة الخامسة: قيمة الجنيه.. تعكس قوة الاقتصاد وكرامة المصريين، فضلا عن أن ذلك يعني توفير السلع المستوردة بأسعار معقولة.. للإنتاج والاستهلاك. لكن ماذا لو أن الحفاظ على قيمة الجنيه.. كان بقرارات إدارية، وليس بناء على قوة حقيقية للاقتصاد؟ وماذا عن التصدير؟ وماذا عن مخاطر التخلي عن هذه القيمة بشكل فجائي.. بعد فترات ثبات طويلة، وما يعنيه ذلك من قفزات تضخمية عاتية.. ذات انعكاسات شديدة السلبية على ذوي الدخول الثابتة والفقراء؟
المغالطة السادسة: المشروعات القومية – خاصة في البنية التحتية – هي أقصر الطرق للتنمية الناجحة؛ وذلك لأنها تعد الاقتصاد للانطلاق لاحقا، وتساهم في خلق فرص عمل، فضلا عن كونها ملموسة.. ويمكن رؤيتها بالعين المجردة. لكن ماذا عن السياسات المطلوبة لتحقيق التوازن الكلي.. لتجنب المشاكل قصيرة الأجل، والتحول الهيكلي لزيادة الإنتاجية؟ وماذا إذا لم تعكس هذه المشروعات أولويات المجتمع، ناهيك عن مساهمتها في رفع معدلات الدين العام.. دون عائد مقبول في إطار زمني معقول؟
المغالطة السابعة: أسعار الخدمات.. يجب أن تعكس تكلفتها؛ حيث إن تدنيها يحفز المستهلكين على التبذير، ويثبط عزيمة المستثمرين والمنتجين.. على التوسع والعمل بكفاءة. لكن ماذا لو كانت هذه التكلفة غير حقيقية، على سبيل المثال سوء الإدارة، فى ظل ثبات نسبي لدخول المواطنين؟
المغالطة الثامنة: دمج القطاع غير الرسمي ممكن.. عن طريق الإعفاءات الضريبية، على أساس أن الحافز الضريبي كاف – فى حد ذاته – للانتقال للقطاع الرسمي، وأن هذا التحول.. سوف يعود عليهم بفوائد جمة. لكن ماذا إذا لم تكن الضرائب.. سوى أحد العوامل المؤثرة في قرار التحول، وأن العمل في القطاع الرسمي يصاحبه أعباء جديدة.. في ظل مناخ عمل غير محابٍ؟
المغالطة التاسعة: الرقابة على الأسعار ضرورة.. للحد من جشع التجار؛ على خلفية أن ذلك ممكن واقعيا، وغير مكلف، وأن تغليظ العقوبات.. يزيد من فاعليتها. لكن أليست فكرة زيادة المنافسة – من الداخل والخارج – وكسر أي احتكارات في السوق، آلية أسهل- وأكثر فاعلية – وأقل تكلفة؟
المغالطة العاشرة: الحوار المجتمعي.. يساعد على بلورة الأفكار، وتقبل المجتمع لما يخرج عنه من توصيات. هذه الفكرة صحيحة في جوهرها، لكن ألا تتوقف قيمة الحوار.. على ما يتم تبنيه من إصلاحات بالفعل، وعلى كيفية ترجمة الإصلاحات إلى سياسات، وأطر مؤسسية فاعلة، ومدى اتساق هذا وذاك مع منظومة إصلاحية متكاملة الأركان؟
في النهاية – وحتى لا يساء فهم ما جاء فى النقاط العشر السابقة – من المؤكد أن النمو شرط ضروري للرفاهة، وأن الزيادة السكانية.. قد تكون عشر مغالطات شائعة عائقا فى سبيل تحسين شؤون البلاد والعباد، وأن انخفاض معدل البطالة شيء جيد، وأن الاكتفاء الذاتي.. مسألة مرغوب فيها، وأن الحفاظ على قيمة الجنيه.. تستحق العمل من أجلها، وأن بعض المشروعات القومية.. ضرورية، وأن الأسعار.. يجب أن تعكس ندرة الموارد النسبية، وأن احتواء القطاع غير الرسمي.. هدف مرغوب فيه، وأن الحد من جشع التجار.. معركة من الواجب خوضها، وأن التحاور.. من شأنه أن ينزع فتيل أي استياء محبوس، وقد يأتي بأفكار مفيدة. لكن صحة كل ما سبق.. مشروط بمحددات أخرى. عدم استيفائها.. يؤدي إلى الوقوع فى مطبات، نحن فى غنى عنها.
نقلا عن «المصري اليوم»