عبدالله عبدالسلام
«حَدِّثنا عن أعمال العنف التي تشهدها البلاد.. ضد شركة تيسلا لإنتاج السيارات الكهربائية. يقول البعض إنه يجب تصنيف مَن يقومون بها كإرهابيين محليين؟»
كان هذا سؤالاً صحفياً للرئيس ترامب الذي رد: «سأفعل ذلك. سأضع حداً لمَن يُلحقون ضرراً بشركة أمريكية عظيمة». يبدو السؤال وكأنه مُتفق عليه مسبقًا، لكن ذلك أصبح معتاداً في مؤتمرات ترامب الصحفية.. التي يعقدها بشكل يومي تقريباً. المظاهرات التي انتشرت أمام فروع تيسلا، كانت تحتج على دور مالكها إيلون ماسك.. في تسريح عشرات آلاف الموظفين الحكوميين، من خلال عمله مسؤولاً عن إدارة الكفاءة الحكومية، فأين الإرهاب؟
قبل ذلك، كان السؤال الشهير للرئيس الأوكراني في البيت الأبيض: «لماذا لا ترتدي بدلة؟»، والذي كان مقدمة هجوم غير مسبوق – من ترامب ونائبه فانس – على زيلينسكي. الصحافة الأمريكية – التي يشجعها ترامب – لا تسأل، بل تُصفق أو تشارك في رسم صورة وردية له ولإدارته.
تأمل معي هذا السؤال: «أشاد رئيس وزراء بريطانيا بشجاعتك وقيادتك.. ما الذي منحك الشجاعة الأخلاقية والإقناع لكي تتقدم للقيادة؟»
يرد ترامب: «يا إلهي. أنا أحب هذا الصحفي». لم تأتِ هذه الأسئلة المتملقة – التي لا تقول شيئاً – من فراغ. ترامب تعلم الدرس من رئاسته الأولى.. عندما كان الصحفيون يواجهونه بأكاذيبه، ليضطر إلى وصفهم بـ«أعداء الشعب». الآن، أجرى «فلترة» لمَن تحق له تغطية نشاط البيت الأبيض، وتوجيه الأسئلة؛ تم استبعاد مراسلي «رويترز» و«أسوشييتدبرس»، وصحيفة «هاف بوست».. لأنهم لم يوجهوا إليه أسئلة على غرار: «أين ترعرعتِ سيدتي؟» في فيلم «لعبة الست» المصري (إنتاج 1964). وبدلًا منهم، انضم مراسلو صحف ومواقع يمينية مؤيدة له. جرى أيضاً تشجيع صناع المحتوى فى مواقع التواصل، الذين لا يصنعون تقارير صحفية مخدومة وموثوقًا فيها، بل يعبرون عن آرائهم الداعمة لترامب، على تغطية النشاط الرئاسى.
الصحافة التقليدية الأمريكية.. تُخلي مواقعها الأمامية للمؤثرين (الإنفلونسرز) المحافظين، الذين يعتبرون أنفسهم جزءاً من التيار الجماهيري.. الذي أوصل ترامب إلى السلطة. إنهم يخدمون السياسة، ولا يقدمون صحافة، وهذا هو المطلوب حالياً.
هل يعني ذلك تراجع أو انسحاب الصحافة، والإعلام الليبرالي.. الذي يقدم خدمة عامة للجمهور؟ كبرى المؤسسات الإعلامية والصحفية الأمريكية.. مملوكة لأفراد لهم مصالح مع ترامب، وبالتالي يمكنه الضغط لمنع انتقاد ما، أو الكشف عن فضيحة؛ كما حدث مع «واشنطن بوست»، التي قرر مالكها جيف بيزوس.. أن تركز مقالات الرأي فيها على الحريات الشخصية والاقتصاد الحُر، بما يعني أن أي انتقاد لهذه التوجهات.. لن يتم نشره؛ الأمر الذي أحدث صدمة وغضباً واستقالات بين الصحفيين..
لكن الدستور الأمريكي – وتعديلاته – يحمي حرية الصحافة، ويضمن حصولها على المعلومات. وبالتالي، فالأزمة مؤقتة.
صحافة ترامب الجديدة.. تقدم أنصاف الحقائق، ولا تهتم بالموضوعية والدقة، ومبادئ الصحافة الأخرى. لأن الهدف سياسي بالأساس، وهو الإشادة به وبإنجازاته.
الجمهور هو المتضرر. ستعود أمريكا والعالم – من جديد – إلى زمن المعلومات المضللة، وما بعد الحقيقة.. الذي دشنه ترامب خلال رئاسته الأولى.
هل تختلف «الصحافة الأمريكية الجديدة» إذن.. عن صحافة العالم الثالث؟!
نقلا عن «المصري اليوم»