Times of Egypt

«صحافة» جميل مطر!

Mohamed Bosila
عبدالله عبدالسلام 

عبدالله عبدالسلام


لم يُسعدني زماني.. بالعمل تحت رئاسة الأستاذ جميل مطر – في مجلة «الكتب.. وجهات نظر».
عندما بدأت مشواري فيها، كان قد غادرها للتو. كانت المجلة لديها «اشتراكات» – في مجلات ودوريات
أجنبية – خاصة: نيويورك لعروض الكتب، ولندن لعروض الكتب. آنذاك، اهتممت كثيراً بالتقليب وقراءة
بعض الموضوعات في المجلتين. كنت أفرح.. عندما أجد تعليمات الأستاذ جميل المكتوبة بخط يده،
لترجمة هذه الدراسة، أو ذاك المقال. ثم تشرفت بالعمل معه – وإن كان عن بُعد – في الأعداد التجريبية
لصحيفة «الشروق» عام 2008. لكن زماني أسعدني واقعاً وحقيقةً، عندما حصلتُ على «جائزة مصطفى
وعلي أمين».. لأفضل كاتب مقال عام 2023، بعد عام واحد من حصول أستاذنا الكبير عليها.
قبل أيام، انتهيت من قراءة كتابه «حكايتي مع الصحافة»، الصادر حديثاً عن «الدار المصرية اللبنانية».
تذكَّرت – وأنا أقرأه – قصيدة «المدينة».. للشاعر اليوناني السكندري قسطنطين كفافيس (1863-
1933): «سأرحل إلى أرض أخرى، سأرحل إلى غير بحر. مدينة غير هذه، أفضل منها ستوجد..
مطارح جديدة لن تجد. لن تجد بحاراً أخرى. المدينة ستلاحقك. ستدور على الدروب عينها.. هذه المدينة
دوماً تبلغها، إلى سواها لا تأمل».
تشعر أن الصحافة قدره، كما الدبلوماسية. تلاقى مصيره مع الصحافة.. حتى قبل ممارستها والانتماء
إليها. منذ الصغر، نشأ في أسرة تقدِّر الصحافة – خاصة الأهرام – لدرجة التعامل مع ورقها بحرص
وتقدير. عندما انضم للخارجية، لم تتركه الصحافة. كان من مهامه.. متابعة ما يصدر عنها. لم يكن هذا
سوى إعداد أو تسخين.. «لدخول» ملعب الصحافة لاعباً مميزاً، ينتمي إلى صحافة البحث والمقال
السياسي.
«من حُسن حظي، أنني تعلمت الصحافة على يد معلمٍ ماهر». هكذا يصف المؤلف الأستاذ هيكل – الذي
شاركه رحلة طويلة من العمل.. في مركز الدراسات بالأهرام، ثم تأسيس «وجهات نظر» و«الشروق».
عبر هذه السنوات، حقق إنجازات وعانى مشاكل، لكنه أبداً لم يفقد حبّه واحترامه، بل سعادته بالانتماء
للصحافة.

هناك كُتّاب كبار.. ساهمت الصحافة في شهرتهم، لكنهم يضنون عليها، ويعتقدون أنهم يحرمونها من
شرف كبير.. عندما يحاولون الابتعاد عنها قائلين: لسنا صحفيين. حكاية الأستاذ جميل مع الصحافة.. ليس
فيها «بهارات ونميمة وأخبار مثيرة»، بل رحلة مع نوعٍ من الصحافة.. آمن بها، وعمل جاهداً لنشرها..
رغم العوائق المادية والبشرية.
ولأنه أحبها، فقد أخذها بجدية، وحاول وضع قواعد ومبادئ.. لم يتحملها كثيرون؛ فآثر الانسحاب في
بعض المواقف.
«كثير من المقالات لم تفِ بشروط التحرير والتدقيق التي وضعناها». كان ذلك حكمه على إحدى
التجارب. في موضع آخر يقول: «أخشى أن يتصور أي جيل جديد من الإعلاميين.. أن الصراخ في
الكتابة وأمام الميكروفونات شرط للنجاح».
منذ البدء وحتى الآن، يصر الأستاذ جميل على صحافة.. قوامها الجدية والالتزام، والاستقلالية، واحترام
القارئ.. والصحفي أيضاً. صحافة تناقش وهي واثقة من حُججها، تجازف ولا تتعثر مشيتها، وتُصادق
ولا تفاخر. تقييمه تجارب نجاح وفشل إصدارات.. شارك في تأسيسها، يصلح لأن يكون «روشتة» من
حكيم كبير، لم يدَّعِ يوماً أنه كذلك.. لكن الحقيقة تقول إنه أكثر من ذلك.
نقلاً عن «المصري اليوم»

شارك هذه المقالة
اترك تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *