تنحاز المخرجة المغربية مريم عدو لقضايا المرأة وتطرحها بجرأة على شاشة السينما علها تستطيع المساعدة في تحسين أحوال النساء لا سيما في مجتمعها فجاء أحدث أفلامها (شجرة الرنج) ليتناول ملف الإجهاض.
ينتمي الفيلم لفئة الأفلام الوثائقية ويحكي قصة فتاة كانت تعيش قصة حب، أو تتوهم ذلك، إلى أن اكتشفت حملها، وتمنت الاحتفاظ بجنينها والزواج من حبيبها لولا أن الأخير تهرب منها وطالبها بإجهاض جنينها.
وتحكي الفتاة، التي ظهرت في الفيلم مع تظليل وجهها، بكثير من المرارة عن صعوبة التجربة، وكيف أنها لم تجد طبيبا يقبل بإجراء العملية، كما لم تملك المال الكافي لإجرائها، لتذهب في النهاية إلى ممرضة تنفذ المهمة في ظروف غير آمنة.
وفي الطريق للتخلص من الجنين صادفت شجرة رنج، وأذكت رائحتها وحم الحمل، وزادت من معاناتها النفسية، رغم مرارة الثمرة وعدم صلاحيتها للأكل.
وفي النهاية، تفشل الممرضة في إتمام عملية الإجهاض لأن الحمل كان قد وصل مرحلة متقدمة مما أسفر عن حدوث نزيف، وتضطر الفتاة للذهاب إلى مستشفى لإنقاذ حياتها مع الادعاء بأنها متزوجة وتعرضت لحادث.
وبينما لم تتجاوز مدة الفيلم 20 دقيقة فإنه ينجح في تمرير رسائل مهمة للمشاهد مليئة بالمعاني والدلالات التي تلامس موضوعات اجتماعية واقتصادية عدة.
ووظفت المخرجة لوحات للفنان الفرنسي الروسي مارك شاجال ضمن الفيلم كأداة تعبير تعطي ديناميكية للأحداث والتغلب على بعض مما يصعب تقديمه على الشاشة وتفادي إظهار هوية أصحاب القصة الحقيقيين كما جاءت بعض المشاهد مستوحاة من لوحات رسامة إنجليزية برتغالية تدعى بولا ريكون اشتغلت كثيرا على التعبير الجسدي للمرأة.
ويحظى الفيلم الذى عرض هذا الشهر في إحدى قاعات السينما بمدينة الرباط بدعم جمعيات نسائية مدافعة عن حقوق المرأة، ويأتي في إطار سجال دائر بشأن تشريع الإجهاض في المغرب.
- قضية اجتماعية
سبق لمريم، التي أخرجت العديد من الأفلام الوثائقية، أن حصلت على جوائز سينمائية محلية ودولية، وحقق فيلمها الوثائقي (المعلقات) نجاحا ملموسا في 2021 بقصته التي تناولت قضية الطلاق ومعاناة النساء في الحصول على حقوقهن من أزواج هجروا بيت الزوجية وتخلوا عن مسؤولياتهم العائلية.
وقالت في مقابلة مع رويترز “الجمعيات النسائية، هي من طلبت مني أن أصور فيلما عن الإجهاض لكن تركت لي الحرية الكاملة لإخراج الفيلم بطريقتي وبرؤيتي الفنية”.
وأضافت “اختاروني بعد أن أعجبوا بفيلم (المعلقات)”.
وأشارت إلى أن الفكرة في البداية كانت طرح “شهادات لنساء مررن بتجربة الإجهاض إما مضطرات أو طواعية والمشاكل التي واجهنها”.
وأوضحت أنها بحثت طويلا عن حالات، حتى داخل جمعيات نسائية تعنى بمثل هؤلاء النساء، لكن رفضن جميعا الظهور في فيلم حتى ولو بإخفاء وجوههن.
وحتى بعد موافقة بعض النساء في البداية على المشاركة، تراجعن لاحقا ورفضن الحديث في الموضوع لرغبتهن في تناسي التجربة نهائيا.
وفي بداية الفيلم تعرض المخرجة على الشخصية الرئيسية التي وافقت أخيرا على الظهور عدة فساتين للتخفي وتغيير شكل الشعر بخلاف تظليل الوجه بشكل تقني لإخفاء الملامح مما يعكس “صعوبة الحديث عن مثل هذه المواضيع المؤلمة”.
وقالت “الفيلم بالنسبة لي ليس فقط عن الإجهاض وإنما الخوف من البوح”.
وتميل مريم، التي تخرجت في كلية الحقوق، إلى إخراج أفلام تتعرض للمسائل القانونية والقضايا الحقوقية.
ويقدر حقوقيون وأطباء مغاربة عدد حالات “الإجهاض السري” في المغرب بمئات الحالات يوميا.
ويقول مدافعون عن حقوق المرأة إن تجريم الإجهاض قانونا في المغرب يدفع النساء إلى ممارسته بطريقة سرية مما يعرض حياتهن للخطر إضافة إلى الآثار النفسية المترتبة عنه.
وتطالب هذه الجمعيات بتقنينه، وإسقاط المتابعة القانونية المتعلقة به في القانون الجنائي الجديد الذي أجلت الحكومة المغربية مناقشته والمصادقة عليه، إلا بعد مناقشة قانون الأسرة المغربي الذي ينتظر أن يرى النور قريبا.