Times of Egypt

سوريا والطريق إلى قندهار 

Mohamed Bosila
عادل نعمان  

عادل نعمان 

.. ولسنا نتنبأ بما سيدور في سوريا الأيام القادمة فقط، بل نراها حقيقة دامغة.. لا ينكرها التاريخ، والحقيقة الدامغة، تؤكد انقلاب فصائل هذا التيار على نفسه، وصراعه على السلطة.. كما حدث بين الفصائل الأفغانية. كل فصيل يرى منهجه.. أقرب للشريعة الحقة والعقيدة الصحيحة، وإن كنا نتمنى أن تنجح الدولة الدينية لمرة واحدة.. في تاريخنا الحديث والقديم، حتى نرجع عن معتقد راسخ في أذهاننا – منذ الأوائل حتى عهد الجولاني الحديث والمعدل – وإن كنت أرى في الأفق محاولات دؤوبة.. من أطراف كثيرة، تدفع الموقف في سوريا.. إلى ترويض الإرهاب واستئناسه، وشل حركة الشيعة الإيرانية في المربع العربي، وهذه الأطراف لا تستوعب خطورة هذا التيار، الذي لا يستأنس بأحد، ولا يوالي سواه، وينقلب على من أحسن إليه وأكرمه، فضلاً عن خطورة الوصاية التركية، والتدخل الإسرائيلي.. على سوريا، فنكون قد ربطنا قرداً.. مكان نسناس. 

ولست أرى في تدفق هذه الوفود.. إلا محاولة رديئة لترويض هذا الوحش، وتطويعه، وتحويله من منهج «الجهاد الحربي» إلى «الجهاد السياسي»؛ وهي سياسة مخابراتية جديدة.. يتم زرعها في سوريا الآن، وأول خطواتها.. تحويل الإرهابي أبو محمد الجولاني إلى «نموذج سياسي»، أو رجل دولة.. يتم تجهيزه وإعداده كخيول السباق – في أحد المضامير – سريعاً؛ يحلق شعر رأسه، ويهذب لحيته، ويرتدي حذاء يزيد سعره عن الألف جنيه إسترليني، ويكتسي بدلة وكرافت يزيد سعرهما عن الخمسة آلاف إسترليني، وتجميل لقاءاته التلفزيونية، وإعداد حواراته جيداً، وترتيب الإجابات النموذجية.. التي أعدت سلفاً في دولة من دول الجوار، فيجيب عن هذه الأسئلة المعقدة في سهولة ويسر وخبرة نموذجية.. وكأنه رجل دولة من الطراز الأول؛ ضليع بكل ما يدور حوله، سياسي متمرس.. قد أعد بإتقان بالغ، فيتحول من همجي إرهابي.. إلى دارس فنون السياسة في أرقى الجامعات، حتى أوهم «الشرع» الوفد العراقي – الذي دخلت عليه اللعبة – حين أعلن الجولاني أمامهم أن الخلاف بين السنة والشيعة من ألف وأربعمائة عام، ليس له دخل به الآن، وسيِسقطه الجولاني من حساباته.. قل لنا يا سيد «أحمد الشرع».. لماذا حكمت عليك محكمة عراقية بالإعدام؟ إلا إذا كنت على رأس المتطرفين.. الذين قتلوا الشيعة، وفجروا مساجدهم الضرار!! واعتدوا على الكنائس، وقتلوا وطاردوا الصابئين والمسيحيين في العراق. 

‏ثم كيف تكون دولة وطنية، وقد تم اختيار الحكومة المؤقتة كلها.. من «هيئة تحرير الشام» المتطرفة والمصنفة إرهابية؟ كانت وما زالت تمارس الإرهاب، ولم ولن تتنازل عن أفكارها قيد أنملة. وللعلم فإن الحكومات المؤقتة – في علوم السياسة – ليس من حقها رسم سياسات الدولة.. قصيرة أو طويلة الأجل، أو توجهاتها، أو التأثير في قراراتها، أو أيديولوجيتها المستقبلية. فهي تكون حكومة من التكنوقراط، لتسيير الأعمال فقط.  

فهذا رئيس الوزراء محمد البشير، ووزير الدفاع مرهف أبو قصرة.. إلى وزير الخارجية أحمد الشيباني، ووزير الإعلام محمد يعقوب. كل هؤلاء – ورفاقهم – هم رجالات حرب وتخريب، فشلوا من قبل في إدارة دويلة إدلب، ولقد عبر الشعب عن هذا.. في مظاهرات سابقة؛ تندد بفشلهم في إدارة محافظة إدلب وما حولها. 

وعن السيدة عائشة دبس – رئيسة مكتب شؤون المرأة – ممثلة المرأة في الوزارة؛ فكانت داعشية.. أكثر من رجالها، وفيما صرحت به أن «المرأة.. لا يجب أن تتجاوز أولويات الفطرة – التي فطرها الله عليها – وهي رعاية زوجها وأولادها». لم تخرج أفكارها عن ابن تيمية وحسن البنا وسيد قطب وبن لادن والظواهري والبغدادي والقرشي والجولاني. ثم يا سيدتي، كيف وصلتِ إلى هذا المنصب.. إلا بالاختلاط والممارسة، والمنافسة مع الرجل، والخروج من بيتك.. إلى العمل. فما بالك، نصائحك قد أصابت الجميع سواك؟! 

وإياك أن تظن أن هؤلاء سيخضعون يوماً، ويسلمون السلطة لمدنيين. فهم – وأشباحهم – مستمرون إلى ما شاء الله، فقد أعلن الجولاني عن فترة انتقالية أربع سنوات.. حتى يعد الدستور، وهي فترة انتقالية كبيرة.. للتسويف، يواكبها تغيير في المناهج الدراسية، وتمكينهم من دواليب العمل، وفرض ثقافتهم على الجميع.. حتى تستقر الأمور، ويخضع الدستور والشعب لتوجهاتهم.. وكلها لصالح الدولة الدينية، فإن الهدف.. هو فرض الدولة الدينية من اليوم الأول. 

ثم تعال إلى كارثة الكوارث؛ وهي محاولة إلغاء التجنيد الإجباري، ويسبقه الآن.. قرار دمج الميليشيات المقاتلة في الجيش السوري.. ليصبح جيش الخلافة، وجيشاً عنصرياً دينياً.. إقصائياً لكل القوى الوطنية، يحمي أصحاب ديانة واحدة، ومذهب واحد. فإذا عدنا إلى مناهج المدارس – التي تم تعديلها على يد هيئة التحرير الشام – على سبيل المثال؛ فقد تم تغيير «الدفاع عن الوطن».. إلى «الجهاد في سبيل الله»، ليصبح قتال كل المخالفين.. واجباً شرعياً، وفي سبيل الله. ومن ثم تصدير هذا الجهاد.. إلى دول مختلفة؛ منها دول الجوار.  

هؤلاء قد استبدلوا الجيش العلوي.. بميليشيات طالبان، وداعش، والقاعدة، وجيش النصرة.. دفعة واحدة. ووداعاً سوريا.. إلى قندهار. 

«الدولة المدنية هي الحل». 

نقلاً عن «المصري اليوم» 

شارك هذه المقالة
اترك تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.