تمثل سوريا في حقبة ما بعد سقوط الرئيس السوري بشار الأسد فرصة لعناصر تنظيم «داعش» الذين قد يحاولون استغلال أي حالة من الفوضى لاستعادة أراض وتحرير مقاتلي التنظيم المسجونين في المنطقة الكردية في شمال شرق البلاد.
ولا شك أن عدم اليقين والحروب وفراغ السلطة هي ما ينشده عناصر التنظيم الذين يتحركون ضمن خلايا صغيرة في صحراء شرق البلاد وسيسعون لاستغلال المرحلة الانتقالية الصعبة بعد 13 عاما من الحرب.
ويحذر المدير العلمي لمركز “صوفان” في نيويورك كولن كلارك، من أن “الفوضى والانفلات ستكون حتما نعمة لتنظيم الدولة الإسلامية الذي ينتظر مثل هذه الفرصة ليعيد بناء شبكاته ببطء ولكن بثبات في جميع أنحاء البلاد”.
وأعلن البنتاغون الأحد أنّ طائراته أغارت على أكثر من 75 هدفا لتنظيم الدولة الإسلامية في سوريا “من أجل منع التنظيم الإرهابي من تنفيذ عمليات خارجية وضمان عدم سعيه للاستفادة من الوضع الحالي لإعادة تشكيل نفسه في وسط سوريا”.
وأكد وزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن الاثنين أن الولايات المتحدة عازمة على منع التنظيم من إعادة تنظيم صفوفه، والحؤول دون تفكك سوريا بعد سقوط الرئيس بشار الأسد.
وأعدم تنظيم داعش 54 عنصرا من القوات الحكومية أثناء فرارهم في بادية حمص وسط سوريا، تزامنا مع سقوط الأسد، بحسب ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان الثلاثاء.
وفي الوقت ذاته، أعلن القضاء الفرنسي والاستخبارات البريطانية بشكل منفصل أنهما “يراقبان عن كثب” خطر عودة “الجهاديين” الأجانب إلى أوروبا لتنفيذ هجمات هناك.
وأعلن التنظيم من خلال مجلته “النبأ” رفض أي شكل من أشكال السلطة في دمشق غير سلطته.
وقالت لورانس بيندنر، المؤسسة المشاركة لمشروع JOS، وهي منصة لتحليل التطرف عبر الإنترنت، إن التنظيم الذي أعلن إقامة خلافة تمتد بين العراق وسوريا في الفترة 2014-2019، يرى أن “هدف الفصائل المسلحة في سوريا هو إنشاء دولة مدنية وديموقراطية، وهذا الشيء بعيد جدًا عن مشروعه المتمثل في دولة تقوم على الشريعة”.
وأضافت “إنه يعتبر نفسه البديل الوحيد الذي يمكنه فرض التعاليم الدينية والوقوف في وجه المصالح الأجنبية”، مشيرة إلى أن دعوات الفصائل إلى “التعايش السلمي مع الأقليات الدينية تتعارض مع رؤية التنظيم المتطرفة”.
النموذج الأفغاني
ومني تنظيم داعش بضربة قاسمة ولم يعد قادرا على التنسيق بين فروعه في الشرق الأوسط وإفريقيا. وانخفض عدد الهجمات التي أعلن التنظيم مسؤوليته عنها في سوريا من 1055 هجوما في عام 2019 إلى 121 هجوما في عام 2023.
لكن هذه الهجمات زادت في عام 2024 إلى 259 هجوما حتى منتصف شهر تشرين الثاني/نوفمبر، بحسب المحلل آرون زيلين من مركز الأبحاث الأميركي “هدسون”.
وأضاف أن “هناك أدلة مهمة تشير إلى أن تنظيم داعش تعمد التقليل من تبني هجمات في سوريا ليبدو أضعف مما هو عليه في الواقع” مشيراً إلى أنه يقوم بفرض الضرائب على السكان في المناطق الخاضعة لسيطرته.
ولكن رغم ذلك يبقى قادرا على المناوشة ومضايقة السلطات حتى بعد إنتصار هيئة تحرير الشام التي أطاحت بالنظام.
ويعتقد يورام شفايتسر الذي كان يعمل مع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية ويعمل حاليا في معهد دراسات الأمن القومي (INSS) في تل أبيب إن “تنظيم الدولة الإسلامية سيحاول الاستيلاء على أكبر قدر ممكن من الأراضي من هيئة تحرير الشام”.
وشدد على أنه على الرغم من الاختلافات الجوهرية بين البلدين، “يجب أن نلاحظ ما فعله تنظيم الدولة الإسلامية عندما سيطرت طالبان على السلطة”، في إشارة إلى الهجمات التي نفذها الفرع الأفغاني للتنظيم بعد رحيل الأميركيين من كابول في أغسطس من عام 2021.
تهديد مخيم الهول
وإذا ما ثبت فصيل آخر سيطرته على الدولة السورية في نهاية المطاف فستكون النتيجة متطابقة. وأضاف إنهم “سيعتبرون أن من يسيطر على السلطة في دمشق عدواً أساسياً يجب عليهم التحرك ضده”.
وفي الوقت نفسه، هناك الخطر الذي يمثله تنظيم داعش على واحدة من نقاط الضعف في الحرب ضد الإرهاب وهي المخيمات المكتظة وغير المؤمنة في المنطقة الكردية، حيث يقبع عشرات الآلاف من عناصر تنظيم داعش مع نسائهم وأطفالهم.
وفي يناير 2022، هاجم التنظيم سجن غويران في الحسكة (شمال شرقي البلاد)، حيث يتم إحتجاز آلاف الجهاديين. ويعتقد يورام شفايتسر أن التنظيم لا يمكنه سوى وضع مخيم الهول العملاق نصب عينيه، “إما من خلال مهاجمته أو من خلال مساعدة المحتجزين هناك على الهروب”.
واجه الأكراد في السنوات الأخيرة “صعوبة في الحفاظ على النظام داخل المخيم”، كما يشير الباحث الإسرائيلي، الذي يعتقد أنهم لن يتمكنوا من تأمينه لفترة أطول، خاصة إذا تعرضوا لهجوم من قبل الجيش التركي الذي يعتبر القوات الكردية “إرهابية”.
وفي نهاية المطاف، سيتوقف الأمر جزئيا على ما إذا كانت هناك رغبة لدى الولايات المتحدة أم لا في الاحتفاظ ببضعة آلاف من الجنود الأميركيين المنتشرين في سوريا لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية ومنع أنقرة من مهاجمة الأكراد في سوريا.
وإذا كان لا يمكن التنبؤ بخطط الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، فإن الحرب ضد التنظيم “هي جزء من إرث” ولايته الأولى، وفق كولن كلارك.
واضاف “لا أعتقد أنه سيرغب في التراجع عن هذا الإرث من خلال سحب قواته وإعطاء الضوء الأخضر للأتراك”. وإلا فإن “تنظيم داعش سيكون هو المستفيد الأول”.