Times of Egypt

حقيقة مشكلة طبيبة كفر الدوار وسام شعيب  

Mohamed Bosila
عمار علي حسن

عمار علي حسن  

آلمنى جداً تسجيلان مصوران لطبيبة النساء والتوليد وسام شعيب – صاحبة «تريند» هذه الأيام – الأول وهي شابة ذات 28 سنة تذهب إلى العمل ماشية على قدميها أو مرتادة المواصلات العامة، والآخر بعد أن اشترت سيارة. 

أيام المشي، كانت تلوم الحكومة وأصحاب السيارات، وتُبدي ضجرها ورفضها من السلالم العلوية التي لا يقدر المشاة على صعودها ولو كانوا شباباً. والثاني أيام السيارة وتلوم فيه المشاة وتصفهم بـ«البقر والحمير» لأنهم لا يصعدون السلالم وبذا يتسببون في بطء حركة سير السيارات. 

تعجبت من هذه الحالة.. التى يتبدل فيها الإنسان إلى النقيض، راسماً ملامح موقفه وموضعه من الحياة على مقاس مصلحته البحتة، وتذكرت ما يصف به موروثنا الشعبي، وفى مقدمته الأمثال والحكايات، من هم على شاكلة هذه الطبيبة، وأسفت لها. 

أما الفيديو الأخير الذي أثار المشكلة، فقد أسفت فيه لطريقة حديثها، وتساءلت: كيف يمكن لشخص أن يمر بالتعليم حتى الحصول على بكالوريوس الطب، ولا ينعكس التعليم على حديثه، ونظرته إلى الأمور. وتذكرت في هذا ما بُح به صوتي من مطالبة بتدريس مواد للعلوم الإنسانية على طلبة الكليات العملية، لأسباب كثيرة، منها طريقة د. وسام في النظر إلى العيش. 

بنيت مطالبتي هذه على أشياء كثيرة، منها أن الدراسات العملية.. تقوم على قوانين علمية محددة، وبهذا فهي لا تمنح صاحبها قدرة على المساءلة والجدل.. يؤتاها خريجو الكليات الإنسانية أو النظرية، وبالتالي يصبح طالب الكليات العملية مثالياً لتبني التصورات الجاهزة والنمطية. وهذا العيب يتعمق في الحقيقة مع غلبة الحفظ على الفهم في نظمنا التعليمية.. في المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية، فيصبح الطالب، حين يصل إلى الجامعة، صاحب عقل منغلق لم يتعلم الشك فيما يسمع ويقرأ، ولا يسائل كل ما يجري حوله وأمامه، ولا يأخذ كل شيء على أنه نسبي. 

ودارسو العلوم التطبيقية يعتقدون أن العالم والمجتمع يسير على شاكلة الأرقام والنظريات والقوانين العلمية الصارمة، بما يجعلهم غير مؤمنين بالتعددية واختلاف الآراء والتوجهات وتباين المصالح، فالحقيقة العلمية واحدة، وهو أمر يريده من يزعمون أن ما هم عليه هو الحقيقة، وهو واحد لا يقبل التعدد، لأنه الصواب والطريق المستقيم والنهج القويم، وهذه الأقاويل غير العلمية تنطلي على كثيرين، من أسف شديد. 

بالطبع هناك استثناءات عديدة، فقد رأينا أطباء ومهندسين على ثقافة رفيعة، بعضهم كتب حتى فى العلوم الإنسانية وأجاد إجادة تامة، وبعضهم يدرك هذا التفكير المتعدد، ولا يرى المجتمع مجرد مسار واحد، ولا يقع في التعميم الخاطئ، ولا يتحدث بهذا الابتذال، أو تلك الخسة. وهناك منهم الذين انخرطوا في العمل العام، سواء السياسي أو الاجتماعي، ويعرفون كيف يخاطبون الناس جيداً، وقد كان لي حظ الاختلاط بهؤلاء ومشاركتهم العمل العام، وبعضهم يُبدي اندهاشاً شديداً، وغضباً أشد، من أمثال الطبيبة وسام شعيب. 

أعود إلى وسام، فأقول إنه في الفيديو الأخير الذي أثار المشكلة، ولاقى امتعاضاً ونقداً لاذعاً من الرأي العام، وقعت وسام في خطأين واضحين، الأول: هو التعميم، والثاني هو الابتذال. فالطبيبة، التي يُفترض أنها تمتلك الحد الأدنى من التفكير العلمي.. أخذت بعض الحالات القليلة التي مرت بها، وعممت هذا، لتصور المجتمع كله وكأنه قد بات غارقاً في التفلت والتسيب والرذيلة على هذا النحو. وكان أجدى بها أن تتحدث عن هذه الحالات، وتضعها في السياق العام، وتنبه إلى مشكلات معقدة ومقلقة جداً يصنعها فتية وفتيات من علاقات غير مشروعة، وبذا تُسدي نصائح للأسر المصرية بألا تهمل في رعاية البنات والأبناء. 

وكان أمام وسام أكثر من طريقة لفعل التنبيه هذا؛ منه ما أقدمت عليه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو كتابة مقال أو إجراء دراسة من واقع تجربتها، تتبع فيها الأسلوب العلمي في التفكير والمعالجة والتعبير. ولا نلومها أنها لجأت للوسيلة الأسرع والأكثر انتشاراً، وهي تسجيل فيديو، لا سيما أنها مولعة بهذا، ويبدو أنها ساعية إلى شهرة بأي طريقة، لكن المشكلة ليست في الوسيلة، إنما في كيفية استخدامها. 

وهنا نأتي إلى الاستخدام، لنجد أن الطبيبة كما انتهكت أسس التفكير العلمي، وقعت في اعوجاج أخلاقي شديد، ليس فقط بسبب تصوير المجتمع المصري كله.. على هذا النحو البشع، الذي آذى مشاعر الكثيرين، إنما أيضاً في اللغة الفجة المبتذلة.. التي استعملتها في التعبير عما تريد قوله أو إيصاله للناس، وهو ما لا يليق بمثل من هي في تعليمها ومنصبها وموقعها الاجتماعي. 

لكن خطأ وسام شعيب في التعميم والابتذال.. لا يعفي المسؤولين عن الأمن العام، وعلماء الدين، وعلماء الاجتماع، من النظر في المشكلة التي أثارتها الطبيبة، وتقديرها دون تهويل ولا تهوين. فنحن أيضاً قد نلحق بهذه الطبيبة في الخطأ.. إن ركزنا النقد على طريقتها في الحديث ومجافاتها العلم في التفكير، ثم تركنا ما أثارته، حتى لو كانت حالات فردية ضيقة، فالحرائق الكبرى من مستصغر الشرر. 

وكاتب هذا المقال، طالما نبَّه إلى مشكلات تتصاعد في المجتمع المصري.. عبر سلسلة مقالات نشرها على مدار سنتين، وجمعها لتصدر في كتاب لاحقاً، حول أحوال المصريين وأوجاعهم في الوقت الراهن، لكن كل مقال منها لم يكن ليُكتب ويُنشر.. سوى بعد الاطلاع على الكثير من الدراسات، التي تخص كل ظاهرة اجتماعية على حدة، وهضمها، قبل الجلوس إلى الكتابة، حتى لا نحكم جزافياً على حال مجتمعتنا. 

ليس مطلوباً من وسام شعيب أن تقضي وقتها في الدراسة، فهي ليست كاتبة ولا باحثة، لكن عليها – ومن واقع تجربتها – ألا تتعمد التهويل.. لتلفت الانتباه لذاتها، وتقع في التعميم.. فتظلم مجتمعنا، وتفتقد إلى اللياقة واللباقة، فتسيء إلى نفسها وبني مهنتها، ويكون كل همها أن تثير الجدل واللغط.. مثل كل الذين يتعمدون ذلك فى بعض وسائل الإعلام. 

نقلاً عن «المصري اليوم» 

شارك هذه المقالة
اترك تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.