عبدالله عبدالسلام
يبدو أن عام 2025 سيكون حاسماً.. في تحديد مصير كتلة البريكس، ومدى قدرتها على تحقيق أهدافها الطموحة، وفي مقدمتها.. إقامة نظام اقتصادي دولي متعدد الأقطاب.. بديلاً عن الهيمنة الغربية – وخاصة الأمريكية – على الاقتصاد العالمي. تنتظر الكتلة – المؤلفة من 10 دول، هي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا ومصر وإيران وإثيوبيا والإمارات وإندونيسيا – معركة علنية مع الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب، حول مسألة تبني عملة جديدة تحل محل الدولار.. في المعاملات التجارية بين تلك الدول.
يزيد من حدة المعركة المتوقعة.. أن الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا – الذي تتولى بلاده رئاسة الكتلة خلال العام الحالي – من أشد المؤيدين لوجود عملة بديلة للدولار.. في الوقت الذي يطالب ترامب أعضاء البريكس، بما يشبه «إعلان إذعان»؛ يتعهدون فيه بعدم إصدار العملة الجديدة، أو دعم أي عملة أخرى.. غير الدولار، وإلا فرضت أمريكا رسوماً جمركية على صادراتها.. بنسبة 100٪.
لكن.. بغض النظر عن التهديدات التجارية والصدامات السياسية، فإن الواقع قد يكون له التأثير الأكبر. فقد بدأ 2025 بارتفاع قوي ومتواصل للدولار.. نتيجة الأرقام التي أعلنتها وزارة العمل الأمريكية؛ والتي تعكس قوة سوق العمل، وانخفاض معدل البطالة.. مما عزز ثقة المستهلكين. في الوقت الذي يواصل فيه معدل التضخم الانخفاض. الاقتصاد الأمريكي يستعيد عافيته، بعد سنوات من التعثر.. لأسباب كثيرة أهمها وباء كورونا. في المقابل، انخفضت قيمة الروبية الهندية لأدنى مستوى منذ عقود، كما تراجع اليوان الصيني.
يترافق ذلك مع تباين في مواقف الدول الأعضاء المؤسِّسة للكتلة (الصين والهند وروسيا والبرازيل وجنوب إفريقيا).. من العملة الموحدة.
روسيا تدفع بقوة إلى إصدارها.. بعد العقوبات التي فرضها الغرب عليها عقب غزو أوكرانيا عام 2022. بوتين – في قمة البريكس الأخيرة – سعى لتعزيز نظام دفع جديد بالعملات الوطنية، يمثل تحدياً مباشراً لشبكة المدفوعات الدولية (سويفت).. التي تتم بالدولار. بوتين – نفسه – لوح في عام 2016.. بورقة نقدية رمزية لدول البريكس.
البرازيل تؤيدها أيضاً، وسيسعى دا سيلفا إلى دفعها للأمام. أما الصين، فلم تحدد موقفها صراحة، لكنها دعمت مبادرات تقليل الاعتماد على الدولار، مع ملاحظة أنها تُراكم احتياطيّاً نقديّاً هائلاً من الدولار.. لدعم قدراتها التنافسية.
المشكلة الأهم – التي تواجه العملة البديلة للدولار – ليست ترامب، بل في واقعية الفكرة نفسها، ومدى القدرة على إزالة العقبات التي تعترض طريقها. هناك اختلاف في الأنظمة الاقتصادية والسياسية للدول الأعضاء.. التي تمر بمراحل مختلفة من التنمية الاقتصادية. كما أن معدلات النمو متباينة للغاية؛ بعضها يحقق نموّاً هائلاً، والبعض الآخر يعاني انخفاضاً كبيراً. الصين تستحوذ على 70٪ من الناتج المحلي الإجمالي للبريكس.. بقيمة 17.8 تريليون دولار. الهند – التي تمر بفترة عجز في النمو – لديها اقتصاد قيمته 3.7 تريليون دولار. الدول الأخرى أقل كثيراً جدّاً. ثم إن البريكس.. تريد أن تحرق المراحل، وتصل إلى النهاية، بينما الأمور ليست بهذه البساطة. أوروبا استغرقت 40 عاماً.. في رحلة التكامل الاقتصادي، حتى وصلت إلى اليورو. دول مجلس التعاون الخليجي – رغم التوافق السياسي والثقافي بينها – فإن خططها لإصدار عملة موحدة لم تتحقق.
العملة الموحدة للبريكس، تتطلب تشكيل اتحاد نقدي كامل، والتخلي عن العملات الوطنية، وإنشاء بنك مركزي موحد.. للإشراف على الأموال والنقود الجديدة. وهذا ليس متوافراً – أو متوقعاً – على المدى القريب أو حتى المتوسط. وبالتالي فإن طرح مسألة العملة الجديدة.. استباق لأمور كثيرة، يجب أن تتم من أجل التمهيد لها.
إحدى مشكلات العالم الثالث – خلال سعيه لإقامة نظام اقتصادي مُنصف.. بديلاً عن النظام المتجذر منذ قرون، وعنوانه الظلم والإهمال للفقراء – أن الأهداف طموحة للغاية، وصعبة التحقيق. العام الماضي، احتفلت الأمم المتحدة بمرور 60 عاماً.. على تأسيس مجموعة الـ77، التي ضمت 80٪ من سكان العالم؛ للدفاع عن مصالح الفقراء ومواجهة السيطرة الغربية على الاقتصاد.
لكن، ماذا تحقق من الأهداف الطموحة للمجموعة؟
… للأسف أقل القليل، بل إن المجموعة نفسها أصبحت نسياً منسيّاً.
بعض الخبراء الغربيين.. انتقدوا ترامب؛ لا لأنهم يؤيدون التخلي عن الدولار، ولكن لأن معركته مفتعلة.
لن يكون هناك بديل للدولار – بحسب رأيهم – في ظل عدم وجود سياسات تجارية واحدة للبريكس، ولأن الدول الأعضاء.. ليست على استعداد للتنازل عن سيادتها النقدية، أو عملاتها الوطنية.
تنشيط التعاون الاقتصادي، وزيادة التبادل التجاري.. بالعملات الوطنية، بداية جيدة.. يجب الاستمرار فيها والبناء عليها.
مناطحة ترامب – والغرب عموماً – في وقت لم يتم فيه الإعداد المطلوب، والكافي.. للعملة الموحدة، ستجعل المعركة خاسرة.
نقلاً عن «المصري اليوم»