عبد القادر شهيب
إن ما سيقبله العرب.. لن يقل عن إنهاء الحرب.. بدون انتقاص للحقوق المشروعة للفلسطينيين وسيادة لبنان.
الرئيس المنتخب ترامب وعد كتابياً – أثناء الحملة الانتخابية – الناخبين العرب في ولاية ميتشجان، بوقف الحرب على أهل غزة وأهل لبنان، ولكنه لم يقل إنه سيفعل ذلك مجاناً، أي بدون ثمن يدفعه بالطبع الفلسطينيون واللبنانيون لإسرائيل، ويدفعه العرب لأمريكا!..
والإسرائيليون.. يريدون أن يكون هذا الثمن، فرض سيادتهم على الضفة الغربية، أو على الأقل ضم مناطق منها.. مقام عليها المستوطنات الكبيرة، واستباحة أراضي وأجواء لبنان، يدخلونها بقواتهم وطائراتهم.. متى شاءوا وأرادوا!
إن ترامب هو – في الأصل – رجل أعمال، قبل أن يكون سياسياً ورئيساً لأمريكا، ورجل الأعمال والتاجر.. يعتقد أن كل شيء له ثمن، يجب دفعه لكي يظفر المرء به، ويجب الحصول على هذا الثمن.. لتقديم هذا الشيء لأحد، ويجب أن يكون هذا الثمن مناسباً – في تقديره – بالطبع!.. وبالتالي فإذا كان العرب والفلسطينيون يريدون وقف الحرب، فعليهم أن يدفعوا الثمن لإسرائيل.. لكي يظفروا بما يريدون، أي لكي توقف الحرب ضد غزة ولبنان!
ترامب إذن، سيتدخل لوقف الحرب.. ليس لأنها بشعة، ومخالفة للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، أو لإنقاذ أهل غزة من الإبادة الجماعية، ولبنان من التدمير. وإنما سيتدخل لعقد صفقة، يحصل فيها العرب والفلسطينيون واللبنانيون على وقف إطلاق النار، ويحصل فيها الإسرائيليون على الثمن.. وهو في الغالب أرض الفلسطينيين، وسيادة اللبنانيين على أرضهم. بينما يضمن هو.. فرض الهيمنة الأمريكية على كل العرب!
وقد بدا التفكير في الصفقة واضحاً بجلاء – فيما يفكر فيه الرئيس المنتخب لوقف حرب أوكرانيا – فهو يفكر في صفقة أيضًا؛ تحصل فيها روسيا على الأراضي الأوكرانية التي سيطرت عليها قواتها، وتلتزم أوكرانيا بعدم الانضمام لحلف الناتو، وفي المقابل تحصل على وقف الحرب.
أما بالنسبة لحرب غزة ولبنان، فهو تحدَّث خلال الحملة الانتخابية بشكل مباشر.. عن الثمن الذي يجب أن يدفعه الفلسطينيون واللبنانيون والعرب، حينما قال: إن مساحة إسرائيل صغيرة، وأنه سوف يساعدها على توسيع هذه المساحة؛ وهذا سيتم بالطبع على حساب الفلسطينيين.
ومن هنا، يمكننا أن نفهم تصريحات نتنياهو.. التي اعتبر فيها العام المقبل: هو عام فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية!
غير أن ما يراه نتنياهو.. ليس بالضرورة أن يكون ما يراه ترامب، في صفقة إنهاء الحرب. فهو قد يرى ثمن إنهائها بعض وليس كل مساحة الضفة الغربية، أو المساحة التى استولت عليها إسرائيل فعلًا وأقامت عليها مستوطنات كبيرة.. فإن ترامب كما وعد بإنهاء الحرب وعد أيضاً بتعديل في صفقة القرن التي سبق أن عرضها في ولايته الأولى للنظر في حل الدولتين الذي لم يكن متحمساً له من قبل!
وإذا كان هناك من يرى أن ترامب 2017.. يختلف عن ترامب 2025، فهذا – حتى لو قبلنا رأيهم – لا يلغي أن الرئيس المنتخب.. رجل صفقات، بل إنه ممن يجيدون عقد الصفقات، ولعله فاز في الانتخابات الأمريكية، لأنه عرض صفقات على طوائف الناخبين الأمريكيين، خاصة في الولايات المتأرجحة، ولذلك فاز فيها جميعاً.
وسواء تغير ترامب، أو تغيرت الصفقات التي يريدها لمنطقتنا، فإن ما سيقبله العرب.. لن يقل عن إنهاء الحرب، بدون انتقاص للحقوق المشروعة للفلسطينيين، وسيادة لبنان على أرضه، وأن يُفضي ذلك مستقبلًا.. لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، لأنه بدون ذلك.. لا سلام في المنطقة وسوف تستمر الحروب، وإن هدأت – أو توقفت – بعض الوقت.
… هذا ما اتفق عليه قادة الدول العربية والإسلامية في قمة الرياض مؤخرًا. وبمنطق ترامب، فإن العرب يعرضون صفقة.. جوهرها الحقوق المشروعة للفلسطينيين، مقابل السلام للإسرائيليين. وهم يعرضون هذه الصفقة منذ سنوات عديدة.. من خلال المبادرة العربية. وهم قالوا لترامب – مع الدول الإسلامية – في الرياض: إن هذه هي الصفقة الوحيدة التي يقبلونها، وغير ذلك من صفقات.. تهدر الحقوق المشروعة للفلسطينيين.. مرفوضة منهم.
ولعل ترامب يدرك جيدًا.. أنه في عالم المال والإعلام، لا تُفرض الصفقات، وإنما يتم التفاهم حول عقدها، وذات الشيء يحدث في عالم السياسة؛ فلا صفقات سياسية.. إلا بالرضا والتوافق. أما فرض شيء على شعب مثل الشعب الفلسطيني – وهو الوحيد في العالم الذي لم يحصل على استقلاله – غير مقبول منه، فإن مصيره إلى زوال. هذا ما قاله الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط.. في المؤتمر الصحفي الختامي لقمة الرياض.
نقلاً عن «أخبار اليوم»