مع سعي واشنطن إلى إنهاء الحرب بين الجماعة اللبنانية وإسرائيل، استعاد رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري دوره كوسيط رئيسي بين جماعة حزب الله والولايات المتحدة، مستفيدا من خبراته التي تمتد لعقود في إبرام اتفاق وقف إطلاق النار.
ويبرز هذا الدور النفوذ الذي يتمتع به بري (86 عاما) في لبنان، لا سيما في أوساط المجتمع الشيعي الذي لطالما لعب دورا كبيرا فيه لعقود، وهو النفوذ الذي ظل راسخا منذ مقتل الأمين العام لجماعة حزب الله حسن نصر الله في هجوم إسرائيلي في سبتمبر.
وقال بري في كلمة للشعب اللبناني بثها التلفزيون اليوم الأربعاء “أخاطبكم ونحن نطوي لحظة تاريخية هي كانت الأخطر التي مرت على لبنان”، وحث اللبنانيين على الوحدة من أجل بلدهم.
وبرز بري على الساحة اللبنانية بعد أن تولى رئاسة حركة أمل الشيعية خلال الحرب الأهلية اللبنانية التي دارت رحاها بين عامي 1975 و1990. ويشغل بري منصب رئيس مجلس النواب منذ عام 1992، وهو أعلى منصب يتولاه شيعي في النظام الطائفي اللبناني.
وأعلن الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم تأييده لبري للعب دور المفاوض، ووصفه بأنه “الأخ الأكبر” للجماعة.
وكان المبعوث الأمريكي آموس هوكستين قد التقى بري مرارا خلال زياراته العديدة إلى بيروت بهدف التوسط في إنهاء الأعمال القتالية التي اندلعت بالتزامن مع حرب غزة وتفاقمت حدتها في سبتمبر أيلول.
وأعاد هذا الدور إلى الأذهان الجهود التي بذلها بري في المساعدة على إنهاء الحرب التي اندلعت بين حزب الله وإسرائيل في عام 2006.
ويقول دبلوماسيون إن دور بري أصبح أكثر أهمية نظرا لعدم وجود رئيس، فضلا عن السلطات المحدودة للحكومة وصعوبة التواصل مع حزب الله، الذي تصنفه الولايات المتحدة منظمة إرهابية.
وقال دبلوماسي مقيم في بيروت “عندما تأتي إلى لبنان الآن، تجد أنه الشخص الوحيد الذي يستحق اللقاء. إنه الدولة”.
وذاع صيت بري في الساحة العالمية في عام 1985 من خلال المساعدة في التفاوض على إطلاق سراح 39 أمريكيا احتجزهم مسلحون شيعة بعد سيطرتهم على طائرة أمريكية في بيروت إبان الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت 15 عاما.
وجاء انتخابه رئيسا لمجلس النواب بعد الحرب الأهلية بالتزامن مع صعود نصر الله إلى زعامة حزب الله. وقادا معا “الثنائي الشيعي”، في إشارة إلى حزب الله وحركة أمل اللذين هيمنا على التمثيل السياسي للشيعة وعلى كثير من قرارات الدولة.
وقال دبلوماسي يزور بري بصورة متكررة “إنه الشريك الذي يحظى بثقة حزب الله، وهو ما يجعله مهما للغاية، ولكن هناك أيضا حدا واضحا لما يمكن أن يقوم به، سواء بسبب مواقف حزب الله أو إيران”.
وقصفت إسرائيل مناطق تحظى فيها حركة أمل التي يتزعمها بري بنفوذ ومنها مدينة صور.
تحسين مكانة الشيعة
وُلد بري عام 1938 في سيراليون لعائلة مهاجرة تعمل بالتجارة من بلدة تبنين اللبنانية، لكنه نشأ في لبنان ونشط في العمل السياسي خلال دراسته في الجامعة.
ويثني كثيرون من الشيعة على بري بسبب الدور الذي لعبه في تحسين مكانتهم في النظام الطائفي في لبنان، حيث كانت الامتيازات تصب في مصلحة المسيحيين والمسلمين السنة.
وتولى بري، المحامي المتمرس، قيادة حركة أمل بعد اختفاء مؤسسها الإمام موسى الصدر خلال زيارة إلى ليبيا.
وكان بري وراء صعود حركة أمل كقوة عسكرية حاربت كل الأطراف الرئيسية تقريبا في الحرب الأهلية ومنها حزب الله، الذي أصبح حليفا لها فيما بعد.
وبعد الحرب الأهلية، انضم أتباع بري من الشيعة إلى أجهزة الدولة والأجهزة الأمنية، وبدا أنه يتحرك في انسجام سياسي مع حزب الله.
وعندما أثارت برقية للسفارة الأمريكية تعود لعام 2006 تساؤلات حول مشاعره الحقيقية تجاه حزب الله عند نشرها في عام 2010، أعلن بري رفضه إياها.
وفي عام 2023، انضم مقاتلو حركة أمل بقيادة بري إلى حزب الله في إطلاق الصواريخ على إسرائيل تضامنا مع غزة عندما بدأت إسرائيل حملتها العسكرية بعد هجوم حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر من العام الماضي.
وبدأ مبعوثون أجانب في زيارة بيروت والاجتماع مع بري لمحاولة وقف تبادل إطلاق النار عبر الحدود الإسرائيلية اللبنانية، وسعوا إلى إقناع حزب الله بالانسحاب شمالي نهر الليطاني الذي يقع على بعد نحو 30 كيلومترا إلى الشمال من الحدود.
وقال مصدر مقرب من بري، إن بري أبلغ مسؤولا أجنبيا بأنه سيكون من الأسهل نقل نهر الليطاني جنوبي الحدود بدلا من دفع حزب الله إلى الشمال من نهر الليطاني.
لكن معارضي بري ينتقدونه أيضا باعتباره جزءا من النخبة التي قادت لبنان صوب أزمة اقتصادية في عام 2019، عندما انهار النظام المالي بعد فساد حكومي استمر عقودا.
ويتهمه آخرون بالمسؤولية عن رفض دعوة مجلس النواب للانعقاد لانتخاب رئيس، الأمر الذي ترك أعلى منصب يتولاه مسيحي شاغرا لأكثر من عامين.
وأثار الدور الدبلوماسي لبري غضب المنافسين السياسيين لحزب الله، مثل حزب القوات اللبنانية المسيحي الذين يقول إن أي مفاوضات يجب أن يقوم بها رئيس لبنان.