أنهيت مقالا سابقا.. عما جرى في أمستردام، تطرقت فيه إلى الاعتداءات التي جرت في العاصمة الهولندية، وما تنبئ به من فتح بصفحة إضافية من صفحات آثار الحروب البعيدة عن التسوية، والعدوان العصي على التسوية. وأشرت كذلك إلى أن الصراعات المفتوحة والعدوان المتروك دون عقاب أو توقيف، كما هو حاصل في حرب القطاع الممتدة إلى غزة، يؤدي.. إما إلى تنظيم للجهود غير الحنجورية وتكوين جماعات الضغط والتأثير لإحداث التغيير، كما تفعل جماعات الضغط اليهودية مثلاً، أو المُضي قدماً فى تنفيذ الهجمات الانتقامية المنفردة، وهو ما يجري في المنطقة منذ عقود، ومنها – على سبيل المثال لا الحصر – ما جرى في السابع من أكتوبر، ونتج عنه حرب مفتوحة، وقتل نحو 44 ألفاً من أهل غزة، 70 في المائة منهم نساء وأطفال، وكذلك ما جرى في أمستردام.. والبقية تأتي.
وفي سياق متصل، ولكن بطريقة غير مباشرة، تجدر الإشارة إلى موجات الهجرة واللجوء، وجزء معتبر منها مصدره دول المنطقة، ووجهته ذات الدول التي يشكو اللاجئون إليها من ازدواجية المعايير، ومحاباة الطرف المعتدي، وغض الطرف عن الاحتلال إلى آخر القائمة المعروفة. ورغم ذلك يلجأ ويهاجر إليها، أو تأمل في الهجرة إليها الغالبية من المتضررين.
هذه الموجات، وأولئك المهاجرون واللاجئون يواجهون صعوداً مطرداً في سياسات رسمية ومشاعر شعبية بعيدة عن الترحيب، وأقرب ما تكون إلى اتخاذ قرارات بتقليص الأعداد المستقبلة، ولاسيما من مناطق وجنسيات بعينها، أو ترحيل مَن يمكن ترحيلهم. وأرى أن الرفض الشعبي المتنامي لموجات المهاجرين، ولاسيما تلك القادمة من منطقة الشرق الأوسط ومعها ألبانيا، هو الأخطر والأكثر دلالة.
جزء من هذا الرفض يعود إلى أسباب اقتصادية، سواء عالمية، أو تتعلق بأداء حكومات هذه الدول، وهو الأداء الذي رفع معدلات البطالة وقلص ميزانيات الرعاية الصحية وتوفير الضمان الاجتماعي والسكن والتعليم وغيرها، وهو ما أشعر هذه الشعوب بأن «غرباء» يزاحمونهم في الحصول على القليل المتاح. والجزء الآخر يتعلق بعوامل ثقافية واجتماعية، يتلخص أغلبها في مقاومة القادمين الجدد للاندماج فى المجتمع الذي اختاروا الهجرة إليه، بل محاولة البعض فرض قيمه وأولوياته على المجتمع المضيف.
حكومات وأحزاب اليمين المتشدد في صعود لافت في العديد من الدول الأوروبية، التي هي مقصد موجات الهجرة واللجوء كما ذكرنا. ويُضاف إلى ذلك فوز الرئيس الأمريكي السابق، صاحب التوجهات المعروفة في شأن الهجرة والمهاجرين، وهو ما اعتبرته أقطاب أحزاب اليمين المتطرف الصاعدة في أوروبا نصراً عظيماً لها ولتوجهاتها.
تعلُّق البعض على الجانب الآخر من العالم.. بتقارير غربية عن الشد والجذب بين اليسار أو الوسط الأكثر تسامحاً من جهة، واليمين من جهة أخرى، على أمل أن ينتصر الأول، هو إصرار على اعتناق مبدأ إحراز النجاحات وضمان الفرص بالوكالة، أي أن ينتصر اليسار الغربي على اليمين الغربي، فتتم إعادة فتح أبواب الهجرة للهاربين من الشرق، وللحديث بقية.
نقلاً عن «المصري اليوم»