Times of Egypt

النيل نهر التاريخ: كتاب حديث مذهل  

Mohamed Bosila
محمد أبو الغار 

محمد أبو الغار  

الكتاب صدر مترجماً عام 2024 – عن دار العربي للنشر – للمؤلف النرويجي تارييه تفايت، وترجمة منة الخازندار. وكان السؤال الأول من الناشر إلى المؤلف: كيف لمؤرخ وباحث نرويجي.. من أقصى شمال أوروبا أن يقضي طيلة حياته في البحث عن نهر النيل، ذلك النهر الأفريقي العظيم؟ وقال إنه أمضى عقوداً في دراسة العلاقة بين المياه والمجتمعات منذ فجر الحضارة، وقد فاز فيلمه الوثائقي «رحلة في تاريخ المياه» بالجائزة الكبرى في باريس، واشترته كل المحطات الفضائية الكبرى في العالم. 

يبدأ كتابه بالحديث عن لوحة فنية من الفسيفساء الملون.. تُصور نهر النيل بالمجتمعات حوله – عرضها 6 أمتار وارتفاعها 4 أمتار – وعمر اللوحة 2000 عام. هذه اللوحة الفنية المبهرة موجودة في متحف على بُعد 35 كم من روما. يقول المؤلف: إن المصريين كانوا يعبدون النيل والإلهة إيزيس قبل ظهور المسيحية، ويتحدث باهتمام عن كتاب نهر النيل للصديق الراحل د. رشدي سعيد. 

والنهر – في تقدير تاربييه – هو نتاج تغيرات جيولوجية حديثة نسبياً، وعمره يتراوح بين 15 و25 ألف عام. طول النهر 6800 كيلومتر، وهو طول المسافة بين الإسكندرية وأقصى شمال أوروبا، والترسيب النهري مساحته 3 ملايين كيلومتر مربع، ما يعادل 6 أضعاف مساحة فرنسا. يأتي رافد النيل المهم، النيل الأبيض، من بحيرة تانا في وسط أفريقيا، وبالرغم من أنه يوفر 15٪ فقط من محصول النهر لمصر.. إلا أنه يتسبب في انسياب المياه طوال الفترة، التي تتوقف فيها المياه القادمة من النيل الأزرق.. القادم من الحبشة، التي تمنع استمرار المياه بطريقة هيدرولوجية فريدة من النيل الأبيض.. طوال فترة الفيضان، فترتفع المياه فيه ليغذي مصر طوال العام، وبذا يمكن الزراعة طوال السنة. 

متوسط إنتاج مياه نهر النيل حوالي 84 مليار متر مكعب عند مقياس أسوان، وهي كمية قليلة، حيث تمثل 12٪ من إنتاج نهر اليانجتسي في الصين و6٪ من نهر الكونغو و1٪ من نهر الأمازون. 

أظهرت متون الأهرام، أن العبور من ضفة النيل الشرقية إلى ضفته الغربية، يمثل العبور من الحياة إلى العالم الآخر.. بالنسبة لقدماء المصريين؛ فالحياة كانت في الشرق، والمدافن – ومن ضمنها الأهرامات – في الغرب. يحكي المؤلف عن كتاب هيرودوت، الذي قرأه أثناء رحلته النيلية، وكيف كان الفيضان يرسب طمياً عظيماً، ويغسل الأملاح المترسبة في التربة، ولذا كانت الزراعة سهلة، فالفيضان يمهد كل شيء.. لإلقاء البذور والانتظار حتى جني المحصول. وقد تم بناء أول سد على النيل (سد الكفرة) 2600 عام قبل الميلاد، ولكنه انهار بعد فترة قصيرة. 

وقد تم اكتشاف مدن تحت مياه البحر المتوسط.. في الغرب من ساحل الإسكندرية، مما يعني أن تأثير الفيضان وتراجعه.. قد يؤديان إلى تآكل الساحل الشمالي مصر. وتاريخياً هناك رحلة لكليوباترا ويوليوس قيصر عبر النيل محاطة بأربعمائة زورق. 

ويؤرخ التراث المسيحي.. لرحلة السيدة مريم والسيد المسيح إلى مصر، ورحلتهما النيلية. 

كان محمد علي.. أول حاكم لمصر الحديثة، يهتم بنهر النيل ويقدر أهميته. بدأ بتدشين ترعة المحمودية.. التي تصل النيل بالإسكندرية عام 1818، وقام ببناء القناطر الخيرية.. التي ساهمت في زيادة الرقعة الزراعية بمليون فدان. ونظم محمد علي رحلة زرافة من مدينة سنار شرق السودان.. عبر النيل إلى الإسكندرية ثم أوروبا، وكان في استقبالها في مارسيليا 30 ألف فرنسي. وجاء فلوبير الفرنسي ليزور مصر ويركب سفينته في النيل، وبعد عقدين في عام 1869 جاء إبسن – المسرحي النرويجي الشهير – إلى مصر.. ضمن الوفد الرسمي الممثل للسويد والنرويج في افتتاح قناة السويس، وركب سفينة حتى وصل إلى النوبة.. يصحبه الخديو إسماعيل، وكتب كثيراً عن الرحلة وعن مصر. 

مقياس النيل في طرف جزيرة الروضة، وبه حجر باليرمو الذي يعود إلى 25 قرناً قبل الميلاد. والآن لا تُستخدم المقاييس الكبيرة، وهناك وسائل أكثر حداثة لقياس الفيضان. ويقول إن شكسبير ذكر مقياس النيل.. على لسان مارك أنطونيو في مسرحيته الشهيرة. ووقَّعت مصر – بمساعدة بريطانيا – اتفاقية 1929، فأصبح لمصر حصة من مياه النيل، ولها حق الاعتراض على أي مشروعات تقام على مجرى النيل. 

ينتقل المؤلف إلى تاريخ السد العالي، وتفاصيل المشاكل حول تمويله. وتحدَّث عن الفوائد العظيمة للسد وأيضاً بعض العيوب والمضار. وانتقل إلى نجيب محفوظ وروايته.. ثرثرة فوق النيل. 

السياحة على النيل، بدأت كأحد أهم أنواع السياحة في العالم، وأول شركة سياحة في العالم (توماس كوك) بدأت العمل على النيل في عام 1875. 

زاد متوسط استهلاك الفرد للمياه في مصر أخيراً إلى 700 متر مكعب سنوياً، وهو معدل قليل.. مقارنة بدول كثيرة، وانخفضت كمية المياه المتاحة للزراعة، وقادة مصر عبر العصور.. يقولون – طوال الوقت – إن النيل يُعد مسألة حياة أو موت. وكانت حروب محمد علي في السودان.. لحماية نهر النيل، وخطب الملك فاروق – عام 1948 – في الأمم المتحدة في نيويورك.. ملقباً نفسه بملك النيل. 

يشرح الكتاب اكتشاف النيل الأزرق، والصعوبات الشديدة بسبب انحدار المياه، ووجود صخور وشلالات. وفي العقد الأخير من القرن التاسع عشر، سيطر الإنجليز على منطقة البحيرات ومنابع النيل. 

يحكي الكتاب عن الطبيعة في منطقة البحيرات، والأعداد الهائلة من أفراس النهر والتماسيح على الشاطئ، والحيوانات الضخمة والخطيرة، لذا كانوا داخل أقفاص على القوارب لحمايتهم. يتحدث بالتفصيل عن الدول التي تحيط بالبحيرات، وتاريخ تشرشل الاستعماري.. كشاب من حزب المحافظين، يعمل في الخارجية البريطانية، ويجوب في هذه الأدغال بدراجته. ويتحدث عن الأفلام الشهيرة التي صُورت في منطقة بوابة النيل. ويتحدث عن عرض بريطانيا على المؤتمر اليهودي – الذي رأسه هرتزل – بإنشاء وطن قومي لليهود في أوغندا وكينيا عام 1903 عند منابع النيل، ولكن المشروع رُفض. ويحكي عن احتلال ألمانيا لتنزانيا، وجزء من منابع النيل عام 1885، وكيف طردتهم بريطانيا في أول الحرب العالمية الأولى عام 1914، وحديثاً قامت تنزانيا بضخ المياه من بحيرة فيكتوريا إلى المناطق الجافة جنوباً.. دون الرجوع إلى مصر، خارقين بذلك اتفاقية 1929. احتجت مصر على المشروع، لأنه يضر بمصالحها، وكان هذا أول اعتداء علني على حق مصر، وتلاه سد إثيوبيا بدون الاتفاق مع مصر. 

ويتحدث عن زيارته إلى جبل القمر، حيث يتكون النيل عند خط الاستواء، وتعلو قمة الجبل الثلوج. وبعد رحلة إلى إريتريا.. يشرح مشاكل إثيوبيا، وتاريخ المنطقة، ووصول موسوليني عام 1935 إلى ضفاف أحد فروع النيل، بعد أن سبقه 10 آلاف جندي إيطالي لاحتلال المنطقة. 

في النهاية، هذا الكتاب عظيم، يقع في 540 صفحة من القطع الكبير، يتحدث عن كل متر في نهر النيل، وتاريخه، والأحداث التي حدثت حوله. ولم يتحدث فقط عن النهر، بل تحدث عن الطبيعة والناس أيضا، ومنها بلاد أفريقية كثيرة. تفاصيل كثيرة.. غير معروفة للعامة. هذا باحث عظيم وكتاب عظيم عن واحد من أعظم الأنهار، وهو شريان الحياة لمصر والمصريين. 

قوم يا مصري مصر دايماً بتناديك.. 

نقلاً عن «المصري اليوم» 

شارك هذه المقالة
اترك تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.