Times of Egypt

المعادلة الروسية-الأمريكية-الغربية على وشك الانفراط 

Mohamed Bosila
نبيل فهمي

نبيل فهمي 

توفرت لي فرص عديدة خلال العام الماضي، وحتى الأسابيع الأخيرة، للانخراط في مناسبات ومناقشات حول أوكرانيا؛ شملت مسؤولين وخبراء روسيين من جانب، وغربيين من جانب آخر. وتابعت – باهتمام ودقة – التصريحات المتبادلة للمسؤولين على الجبهتين. وعلى وجه الخصوص.. فيما صدر عن روس أو أمريكيين. 

ونظراً لأهمية وحساسية الموضوع، وقبل التطرق لشرح مبرراتي، لعله من المناسب أن أبدأ بخلاصتي من كل ذلك، ألا وهي أن النزاع في أوكرانيا.. لم يعد حول أوكرانيا، وأصبح الآن حول العلاقات الروسية الأمريكية.. ومعها الغرب، التي وصلت إلى مفترق طرق خطير، يحمي الصدام ويوتره؛ حيث فتح كل منهم الباب إلى تصعيد أخطر، مع تصورات لعمليات عسكرية أوسع.. باستخدام أسلحة أكثر فتكاً.  

إذن لم يعد الصدام في حدود الأهداف تكتيكية، وإنما تحول إلى ما هو أوسع وأخطر من ذلك بكثير.. مرتبطا بالمكانة، وحتى الوجود. 

وخلال التفكير فيما وصلت إليه تلك العلاقات، والتوتر والتصعيد غير المسؤول من الجانبين، تذكرت الدخول – كدبلوماسي مصري شاب في سبتمبر 1978 – إلى قاعة لجنة نزع السلاح الدولية.. المشكلة بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي كانت تنعقد في المقر الأوروبي للمنظمة بجنيف؛ حيث فوجئت – في الأيام الأولى من مناقشات اللجنة – بسفراء ودبلوماسيين من الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، يتباهون حينذاك.. بأن الأمن والاستقرار تحقق بينهم؛ بتبني سياسات ومفاهيم.. سُميت بنظرية «التدمير المتبادل المؤكد Mutually assured destruction».  

وأتذكر جيداً.. استغرابي من الطرح، وقناعة الدولتين دائمتي العضوية في مجلس الأمن الدولي، أن التهديد المتبادل – والمتوازن بينهما – هو السبيل الأفضل لتحقيق الأمن والأمان، وهي نظريات واهية وعبثية، لأن توازن القوة.. غير ثابت، والتيارات السياسية الوطنية لكل منهما.. تتغير، ومخاطر الحرب بالخطأ.. تتزايد مع التصعيد. فضلاً عن أن هذا التوجه يتناقض مع مسؤوليتهما، المنصوص عليها في الميثاق.. بحفظ الأمن والسلم الدوليين، باعتبارهما دولتين دائمتي العضوية في مجلس الأمن الدولي. 

ولقد التقيت مع أصدقاء وخبراء.. من الجانبين الروسي والغربي، وخرجت من هذه اللقاءات.. أترحم على قادة القرن الماضي من الجانبين، وخشيت أننا على مشارف منزلق طرق، يزيد من فرص وخطورة توسيع وتعميق الصدام.. عن قصد أو سهو، ويدفع الأطراف المتصارعة.. نحو مواجهة حتمية بأسلحة بالغة الخطورة. 

خلاصتي هذه، مبنية على ما سمعته من الروس، بما في ذلك بعض ممن لم يكونوا من مؤيدي العمليات في أوكرانيا أول الأمر، وهز ما أعتبره – شخصياً – مخالفة للقانون الدولي؛ حيث شددوا على أن الغرب ليس معنياً بأوكرانيا فحسب، وأنه يريد إضعاف روسيا استراتيجياً، وهو الأمر الذي يجب التصدي له.. بكل الطرق والوسائل. 

وخلاصتي حول خطورة الموقف.. مبنية ومدعمة أيضاً بما سمعته من أصدقاء وخبراء أمريكيين وغربيين؛ حيث تراوحت تعليقاتهم ومواقفهم بين من يرى أن اليمين الروسي يسعى لاستعادة المكانة والأوضاع على غرار الاتحاد السوفيتي، وأن هذا الخطر قائم.. حتى إذا اختفى بوتين من الساحة، لذا هناك من يرى أنه لم يعد كافياً إزاحة بوتين من الساحة، أو حتى منع روسيا من الانتصار في أوكرانيا، بل يجب وضع روسيا في محلها، والتعامل معها بوزنها الحقيقي. بل وصل النقاش والتقدير إلى وصف روسيا بأنها دولة محدودة الإمكانيات الاقتصادية، ويتآكل نفوذها السياسي، وليست دولة كبرى، بل أقرب أن تكون صاحب محطة وقود.. يمتلك السلاح النووي. 

وتقييم الأمور من الجانبيين.. بأن التحديات الوجودية أصبحت واقعاً، وأن هناك فرصة لإحداث تغيير استراتيجي.. أمر جد خطير، لأنه يدفع الأطراف إلى الاستعداد – والتخطيط من حيث البرمجة والأسلحة – إلى تصعيد الصدام العسكري، وبما يرفع من احتمالات الصدام.. عمداً أو خطأ، وهو ما شهدناه أخيراً في النقاش، عن السماح لأوكرانيا بتوجيه الصواريخ طويلة المدى.. نحو الأراضي والأهداف الروسية؛ حيث أعلن مسؤولون روس، أن إطلاق هذه الصواريخ المتوافرة من ترسانات غربية، يعني أن حلف الأطلنطي دخل في حالة حرب مع روسيا. كما تزامن مع هذا دعوة خبراء روس.. إلى مراجعة سياسة ضبط واستخدام السلاح النووي من جانب روسيا، فضلاً عن تهديد روسيا بتدمير وحرق كامل لأهداف أوكرانية، إذا تعرضت روسيا للصواريخ طويلة المدى. 

والخطورة فيما نتابعه الآن، لا تقتصر على تبادل التصريحات الرنانة، أو في تباين المواقف بين روسيا والولايات المتحدة والغرب.. حول أوكرانيا، وإنما تقع الخطورة الحقيقية، في أن طرفاً يشعر بأنه مستهدف وجودياً، أو على الأقل.. كدولة مهمة فاعلة على المستوى الدولي، بما قد يبرر تصعيداً عسكرياً واستخدام أسلحة استراتيجية. وطرفٌ آخر قلق بشدة.. من طموحات روسية سياسية واستراتيجية، ولديه قناعة بأهمية التصدي لها الآن؛ لخطورة هذه الطموحات، وكذلك لمحدودية القدرات الاقتصادية والسياسية والعسكرية الروسية. إذن هناك خطر وظروف ملائمة.. تغذي التوجه نحو التصعيد. 

مع اهتمامي الأول بالأوضاع الشرق أوسطية، ورفضي الكامل لمعاناة الشعب الفلسطيني من الإجرام الإسرائيلي، وتمنياتي بأن تكون هناك مواقف عربية.. أكثر قوة وصلابة، تؤدي إلى وقف إطلاق النار، وبدء التحول نحو استقرار الأمور، وإحياء التحرك نحو حل الدولتين.. أعتقد أنه على سكرتير عام الأمم المتحدة – وكذلك الحكماء في المجتمع الدولي من خارج الشرق الأوسط، وغير المنتمين إلى قطبي الصراع روسيا والغرب – إعطاء المزيد من الاهتمام بالعلاقات الروسية-الغربية، المرتبطة بالأحداث في أوكرانيا، وما تشهده من تصعيد سياسي وعسكري؛ حيث تشهد الآن تحولاً جوهرياً.. يتجه نحو مفترق بالغ الخطورة، يمس مصالحنا جميعاً. 

نقلاً عن «الشروق» 

شارك هذه المقالة
اترك تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.