Times of Egypt

المشهد الإسرائيلي الراهن 

Mohamed Bosila
د. أحمد يوسف أحمد  

د. أحمد يوسف أحمد 

هو مشهد متعدد الأبعاد.. ذات الصلة بالمواجهة الحالية؛ كحلقة من حلقات الصراع العربي-الإسرائيلي، فهناك مشهد الانقسام السياسي الداخلي الصهيوني.. الناجم عن الإخفاق في إدارة الصراع مع المقاومة في غزة، الآخذ في التفاقم يوماً بعد يوم.. عندما انضم رئيس الشاباك لقائمة المغضوب عليهم من نتنياهو – بعد وزير الدفاع ورئيس الأركان وغيرهما – وهناك المشهد الاقتصادي المتردي الذي لا يلقى الاهتمام الكافي من المراقبين، وغير ذلك من الأبعاد، غير أن الغرض من هذه المقالة هو التركيز على البُعد المتعلق باحترام القانون والتزاماته، وهو بُعد ما أوصلته الممارسات الإسرائيلية عموماً – وفي المرحلة الراهنة خصوصاً – إلى الحضيض بامتياز، بل إن نشأة إسرائيل أصلاً.. خالفت روح القانون وجوهره.. على نحو صارخ، فقد بدأت بوعد من لا يملك لمن لا يستحق. 

واستمراراً للمؤامرة، تولى الواعد.. الانتداب على فلسطين بعد الحرب العالمية الأولى، وفتح أبوابها على مصراعيها للهجرة اليهودية، التي أسست البنية التحتية لإسرائيل، وخلقت صراعاً بين أصحاب الأرض ومغتصبيها تحول لمشكلة دولية؛ بفضل مصالح الغرب الاستعماري، وبراعة الدبلوماسية الصهيونية أمكن – للأسف – استخلاص قرار تقسيم فلسطين من الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 1947، الذي أعطى شرعية أممية لإنشاء دولة إسرائيل، التي صارت – منذ إعلانها فى 1948 – نموذجاً للاستخفاف بالقانون واحتقاره؛ بدءاً بإرهاب الفلسطينيين بشتى السبل، وإجبار معظمهم على ترك وطنهم، ومروراً بالاستيلاء على المناطق المنزوعة السلاح، والانخراط في أعمال عدوانية ضد من تمسكوا بأرضهم؛ كالغارة الشهيرة على غزة في 1955، وكذلك ضد الدول العربية المجاورة، كما في العدوان على مصر – بالتواطؤ مع بريطانيا وفرنسا في 1956 – ووصولاً للذروة بعدوان 1967.. الذي استكملت به إسرائيل احتلالها أرض فلسطين، ليصبح وجودها كله مناقضاً لأساس شرعيتها؛ وهو قرار التقسيم الذي نص على إنشاء دولتين.. إحداهما عربية والثانية يهودية، مع كيان خاص للقدس.  

وفي مواجهة المقاومة الفلسطينية – التي كان طبيعياً أن تظهر وتتصاعد بعد 1948، وبصفة خاصة عقب عدوان 1967 – ضربت إسرائيل عرض الحائط بكل ما يتعلق بنصوص القانون وجوهره، وصولاً إلى الوقت الراهن.. الذي فاقت الممارسات الإسرائيلية فيه كل الحدود، وأمعنت في انتهاك القانون، وأطلقت يدها في الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني.. بشتى الوسائل المباشرة وغير المباشرة؛ بذريعة الرد على عملية 7 أكتوبر 2023، وما نُسب لها زوراً.. من قيام منفذيها بذبح الأطفال واغتصاب الإناث. 

ولأن المقاومة صمدت.. لما تجاوز السنة – بمساندة من «حزب الله» اللبناني أساساً – فقد عجزت إسرائيل عن تحقيق أهدافها المعلنة من الحرب، وهي تحرير الأسرى والرهائن واجتثاث المقاومة، فاضطُّرت لتوقيع اتفاقي هدنة مع المقاومة (في غزة في نوفمبر 2023 ويناير 2025)، ومع لبنان (في نوفمبر 2024).. لتبدأ مرحلة جديدة من مراحل استخفاف إسرائيل بالتزاماتها القانونية، التي وافقت عليها بمحض اختيارها؛ فبغضِّ النظر عن مماطلتها في تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار الحالي في غزة، ترفض المُضي قُدُماً في تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق، وتلجأ لعمليات عسكرية ضد أهلها.. كلما وجدت ذلك ضرورياً من وجهة نظرها، وتمنع المساعدات الإنسانية – على خلاف ما ينص عليه الاتفاق – وتطرح مع حليفها الأمريكي.. أفكاراً جديدة لا علاقة لها بالاتفاق، ويُحملان المقاومة – كالعادة – إذا تمسكت بالاتفاق.. مسؤولية التعثر، وتعلن إسرائيل صراحة أن العام الحالي هو عام ضم الضفة لها، مستخفة بالقرارات الدولية التي تعتبر الضفة أراضى محتلة، وباتفاقية أوسلو التي أسست لسلطة فلسطينية ذات ولاية على أراضٍ محددة، وتفعل بالضفة وأهلها.. ما فعلته بغزة؛ بحجة القضاء على الإرهاب، ويمعن المستوطنون في اعتداءاتهم السافرة – بحماية جيشهم – على الضفة وأهلها وممتلكاتهم. وفي لبنان تواصل عملياتها.. كلما قررت أن هناك محاولة لإعادة «حزب الله» بناء قوته، وتقرر عدم الانسحاب من خمس نقاط.. ضاربة عرض الحائط بالاتفاق برضا أمريكي. 

واكتملت صورة الإمعان في الاستخفاف بالالتزامات القانونية.. مع إسقاط نظام الأسد في سوريا؛ فبمجرد سقوط النظام، ألغى نتنياهو اتفاقية فض الاشتباك الموقعة معها في 1974، وقام باحتلال المنطقة العازلة، وتوغل فيما وراءها. والأخطر – والأكثر دلالة – قيام الجيش الإسرائيلي بعملية تدمير شاملة للقوات المسلحة السورية، وصناعاتها العسكرية ومراكزها البحثية، بحجة أن إسرائيل لا تأمن لوقوع السلاح السوري في أيدي حكام دمشق الجدد، مع أن رأس النظام الجديد لم يدع مجالاً لشك.. بتصريحاته في أن أولويات السلطة الجديدة في سوريا داخلية، وأنها لا تضمر عداءً لأحد، ولا تنوي أي تصعيد مع الجيران، ولا تقدر عليه أصلاً، ومع أن لإسرائيل علاقاتها الودية مع «جبهة النصرة» – التي أصبحت جزءاً من «هيئة تحرير الشام» – صاحبة اليد العليا الآن في دمشق. 

… مَثَّل هذا السلوك الإسرائيلي، سابقة خطيرة.. مفادها أن إسرائيل تعطي لنفسها الحق في الحكم على نيات قيادة دولة ما تجاهها، وتقرر أنها نيات معادية.. ولو كان ذلك على سبيل الاحتمال، ثم تصدر حكمها، وتنفذه في أقصى تعبير ممكن عن شريعة الغاب، ثم زادت إسرائيل الطين بلة بتصريحات مسؤوليها المتكررة حول البقاء في الأراضي التي احتلتها مؤخراً.. لأمد غير معلوم، ناهيك بتلميحات وأفعال التدخل في الشؤون السورية الداخلية.. بدعوى حماية الأقليات، وبالذات بعد أحداث الساحل السوري الأخيرة. 

هكذا تبلور المشهد الإسرائيلي – من منظور الاستخفاف بكل ما هو قانوني، والإمعان في انتهاكه – بدعم كامل من الحليف الأمريكي، ولا شك في أن هذا السلوك يعزز حجج المؤمنين بأن إسرائيل لا تفهم إلا لغة القوة، وهي خلاصة أكيدة لخبرة التعامل العربي معها في المسارات الدبلوماسية لعقود، ويحتاج هذا المشهد مواجهة عربية شاملة، لا تتوافر لها حالياً مقوماتها العسكرية، لكن ثمة مقومات أخرى دبلوماسية وقضائية وسياسية واقتصادية وإعلامية متاحة، غير أن توظيفها يحتاج رؤية عربية مشتركة، وإرادة موحدة، وتخطيطاً سليماً، وهذه قصة أخرى. 

نقلاً عن «الأهرام» 

شارك هذه المقالة
اترك تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *