Times of Egypt

المتطرف الوسطي (2) 

Mohamed Bosila
أمينة خيري  

أمينة خيري 

في حديث التطرف، يروِّج البعض لفكرة متطرفة.. بطريقة جذابة، يلتقطها البعض، ثم يعتنقها، ويتماهى معها، وتتمكن منه. وقد ينصب نفسه سفيراً لها؛ فيتحول إلى فكرة تسير على قدمين، يتحدث عنها وباسمها، ثم يعتبر كل من لا يعتنق فكرته.. شخصاً غريباً أو مريباً. وقد يطور من أدائه المتطرف، فيجبر من حوله على اعتناق الفكرة، وهنا تدور دائرة التطرف. 

المتطرف – سواء الذي يضع كارل ماركس في منزلة الأنبياء والقديسين، أو يعتبر مطربه الأيقونة هو الأفضل، وغيره مدعون وفاشلون، أو فريقه الرياضي فوق الجميع غصباً وقهراً، أو أن أبناء وطنه هم أسمى مواطني الكوكب.. بلا منازع أو منافس، وكذلك بلا مناسبة، أو أن المنتمين إلى معتقده الديني وحدهم أسمى البشر؛ بمن فيهم القتلة والخونة والأفاقون والنصابون والمحتالون – يتبع مجموعة من السلوكيات، تجعله واضحاً وضوح الشمس.  

… يبذل – دون أن يدري – جهوداً عاتية، ليتغاضى تماماً عن أي سقطة، أو هفوة، أو نقطة ضعف.. في الشيء، أو الشخص، أو الفكرة.. التي يعتنقها لدرجة التطرف. تهيمن عليه – وعلى تصرفاته – العاطفة وحدها، مع تغييب.. شبه كامل، وتعطيل.. شبه كلي، للعقل. تضييق الخناق عليه، وتعريضه لنقاط عقلانية خاصة بالفكرة التي يعتنقها.. من شأنه أن يدفعه إلى إعادة التفكير بها من.. زوايا مختلفة، تجعله شديد العدوانية. هذه العدوانية تمده بما يحتاج.. من أدوات الحماية وأسلحة القتال؛ وأبرزها صم الأذنين، وحجب الرؤية، وبالطبع فرض هالة كثيفة من الضبابية.. أمام عقله، وجميعها تقيه شرور التفكير، وإعمال العقل. 

يعتبر المتطرفُ العقلَ عدوه اللدود. قد يكون المتطرف عالم فيزياء، أو حاصلًا على الشهادة الإعدادية، أو فناناً تشكيلياً، أو زعيماً سياسياً. لكن حين يتعلق الأمر بالفكرة التي يقدسها، يتساوى الجميع في الدفاع الأعمى عما يعتقد. 

وهذا يصل بنا الأمر إلى أبرز أعراض التطرف؛ ألا وهو الرفض التام، والإنكار الزؤام.. لأي مراعاة أو تفهُّم أو قبول.. لا لفكر الآخر، بل للآخر نفسه. وحتى لو كان المتطرف لا يحمل السلاح – الذي يمكنه من إطلاق الرصاص على من – أو ما – يمثل الفكرة المختلفة عن فكرته – فهو يتمنى في قرارة نفسه أن يختفي الآخر.. من على وجه الأرض.. بطريقة أو بأخرى. ولم لا، وفكرته – التي تشدَّد وتطرَّف من أجلها – هي الوحيدة الصحيحة في الكوكب، وربما الكواكب المجاورة أيضاً. دماغ الشخص المتطرف يتسم ببطء.. في معالجة الأدلة الإدراكية، لكنها سريعة لدرجة الاندفاع.. فيما يتعلق بالمشاعر والأحاسيس. 

إدراك عاطفي بالغ السخونة، مع إدراك بطيء للأدلة والمعلومات والبراهين العلمية، يجعل الشخص مادة خام.. لاعتناق الفكرة المتطرفة؛ سواء كانت سياسية أو رياضية أو دينية. المضحك المبكي – في المجتمعات التي ينهشها التطرف – أن البعض يعتبر نفسه وسطياً معتدلاً، لمجرد أنه متطرف.. لا يحمل السلاح. وينظر إلى المتطرف حامل السلاح.. باعتباره متطرفاً ملتزماً.  

لكن هل يولد الإنسان بـ«جينات» التطرف؟ أم يكتسبه؟ 

نقلاً عن «المصري اليوم» 

شارك هذه المقالة
اترك تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *