أمينة خيري
تصورات البقاء والإبقاء على الصحافة التقليدية في العصر الرقمي.. تشمل البحث المضني والمستمر والمحموم عن الإثارة. والإثارة تعني النقر، والنقر يعني تشغيل عداد القراءات والمشاهدات، وتشغيل العداد يعني ربحاً أو منافسة، والبقاء على قيد الحياة أو كليهما. والإثارة في عالم الصحافة اليوم – التي وصلت إلى ما وصلت إليه من مستويات غير مسبوقة – تتأثر كثيراً بالثقافة السائدة، لا سيما الشعبية. لماذا؟ لأن – في ظني – القارئ «الرصين» سيظل محافظاً على القراءة والمشاهدة الرصينة.
صحيح أن القارئ الرصين المنقرض، لن يضمن للمؤسسة الإعلامية.. البقاء على قيد الحياة، في هذا العالم المتوحش؛ الذي تهيمن عليه ثقافة «شاهد قبل الحذف»، و«إطلالة الفنانة الجريئة»، و«ماذا سيفعل بنا الطقس؟». لكن في الوقت نفسه، مقايضة ما تبقى من محتوى صحفي حقيقي في الصحافة التقليدية.. سواء كانت مقروءة أو مشاهدة أو مسموعة، بحفنة من المشاهدات والقراءات أو المتابعات قصيرة العمر، يجب أن تخضع لمراجعة.
أغلب المؤسسات الإعلامية في مصر.. تأخرت في الاعتراف، ومن ثم اللحاق بركب العصر الرقمي. بعيداً عن الأسباب، أدى هذا التأخر إلى «اللكلكة» في عملية اللحاق. المؤسسات الإعلامية – في دول عدة – استعدت لهذا الاجتياح مبكراً، ويبدو هذا واضحاً.. سواء في تغير حقيقي في الشكل والمحتوى الصحفيين، أو في الاستعداد «المادي» للهيمنة الرقمية، ولو كان هذا الاستعداد يتمثل في تلك المناشدات – التي تطالع المتصفح لموقع صحف كبرى.. مثل «الجارديان» البريطانية – حيث تطالعك هذه المناشدة.. ما أن تفتح موقعها: «ادعم الصحافة المستقلة الجريئة. نحن لسنا مملوكين لملياردير أو مساهمين. قراؤنا يدعموننا».
وفي هذه المناشدة.. رسائل عدة هي أقرب ما تكون إلى سبل بقاء الصحافة التقليدية؛ ذات المحتوى البعيد عن «شاهد قبل الحذف» و«الإطلالة الجريئة» و«دعاء درء الفقر»، وهي: بين المؤسسات الصحفية والإعلامية.. التي تمكنت من البقاء على قيد الحياة في العصر الرقمي.. من يملكها مليارديرات، قادرون وراغبون في تمويلها، وضمان تقاضي الصحفيين رواتبهم، ولكن الملكية – حتى لو كانت لأفلاطون.. صاحب فكرة المدينة الفاضلة – تؤثر.. ولو بشكل ضئيل على المحتوى. وهذه هي الرسالة الثانية.. في مناشدة «الجارديان» للراغبين في استمرار بقاء الصحافة المستقلة الجريئة من القراء، أي من الشعب، دعمنا من أجل بقائنا.
أما السبيل الثالث – الذي لم ولن تطرحه «الجارديان».. لأسباب كثيرة – فمنه مفهوم ملكية المؤسسات الإعلامية.. الذي يختلف من دولة لأخرى، وهو دعم الدولة. النموذج الحاضر هو هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي».. وهي مؤسسة عامة – لا تملكها الدولة بحسب ميثاق تأسيسها – ولكن لـ«الحكومات» تأثير عليها دون أدنى شك.
وبالإضافة لاستحالة استنساخ نموذج «بي بي سي» (المتعثرة مالياً) – لأسباب ثقافية واجتماعية وسياسية كثيرة – فإن جانباً معتبراً من تمويلها.. يأتي من جيوب الشعب؛ متمثلاً في سداد مبلغ سنوي هو «رخصة المتابعة» أو «رسوم الترخيص».
… كيف نبقى على الصحافة الحقيقية إذن في ظل تلك الظروف؟.
نقلاً عن «المصري اليوم»