Times of Egypt

الفرصة لإنقاذ قانون المسؤولية الطبية

Mohamed Bosila
زياد بهاء الدين 

زياد بهاء الدين..


تابعت – بقدر الإمكان – الجدل الدائر.. حول مشروع قانون المسؤولية الطبية، الذي أثار غضباً واسعاً في مجتمع الأطباء، ودفع نقابتهم للدعوة لعقد جمعية عمومية يوم الجمعة الماضي، للتأكيد على رفض القانون. وقد ساعدني في المتابعة.. العديد من الأصدقاء المعنيين بالقانون.. بشكل أو آخر، فلهم جميعاً كل الشكر. والموضوع طبعاً لا يخص الأطباء وحدهم.. بل المجتمع كله.
للوهلة الأولى، توحي التطورات الأخيرة بأن الأزمة قد انفرجت – أو متجهة نحو الانفراج – بعد إعلان الحكومة عن موافقتها.. على إلغاء الحبس الاحتياطي لمقدمي الخدمات الطبية، ثم تراجعها عن عقوبة الحبس؛ ما عدا في حالات الخطأ المهني الجسيم. وتبع ذلك قرار نقابة الأطباء بإرجاء عقد جمعيتها العمومية، ثم أخبار عن مفاوضات مستمرة، وتوافق وشيك بين نواب البرلمان والحكومة والنقابة (في إطار لجنة الصحة بمجلس النواب)، قد ينتهي قريباً بإقرار القانون.
هذه كلها أخبار وتطورات طيبة، والجهد وراءها يستحق كل تقدير. مع ذلك، فإنني أجد نفسي مضطراً- من منظور قانوني وتشريعي- لإبداء تحفظي على مشروع القانون، لأنه أهم من أن يُترك للحسم بمنطق المفاوضات والتوافقات.
فما هي مشكلته التي لم تُحل.. حتى بعد التعديلات التي تم التوافق عليها؟
المشكلة،أن مشروع القانون – الذي وافق عليه مجلس الشيوخ من أسابيع – استند إلى منطق مغلوط.. من البداية؛ وهو منطق الصراع بين الطبيب والمريض.. لا منطق الثقة. وأن حماية المريض، تأتي من تجريم الخطأ المهني، وتهديد الأطباء بالحبس والغرامة والتعويض، وتشجيع الشكاوى والاحتكام للنيابة والقضاء. من هذه اللحظة – ومهما جرى من تعديلات ومفاوضات وصياغات – فإن هذا الأساس الصدامي للقانون..(إذا جاز التعبير)،سوف يظل مستمراً. من جهة أخرى، فإن مشروع القانون خرج من مجلس الشيوخ،وفيه تداخل.. غير معروف في مدرستنا القانونية؛ بين المدني والجنائي والإداري، ومع كل جولة مفاوضات.. لتحسين مضمونه، تزداد مفاهيمه القانونية اضطراباً.
■ ■ ■
دعوني إذن أتجاوز النظريات، وأقدم مقترحاً محدداً. وهو أنه – بعد انتهاء المفاوضات بين الأطراف المعنية- النقابة والحكومة والبرلمان- يتم إرجاء المناقشة الأخيرة للقانون.. لحين إعادة عرضه على لجنة رفيعة المستوى؛ من أعضاء إدارتي التشريع بمجلس الدولة ووزارة العدل، لكي تقوم بضبط مفاهيمه الأساسية، وإخضاعه لأصول التشريع السليمة.
وفي هذا الإطار فإنني أقترح إعادة النظر فيما يلي:
أولاً:رغم أن موضوع العقوبات الجنائية.. تعدل مؤخراً بشكل إيجابي،(بعد اقتراح إلغاء الحبس الاحتياطي وقصر الحبس على الخطأ المهني الجسيم)، إلا أن الأصح.. هو حذف العقوبات الجنائية تماماً من القانون الجديد، بحيث يقتصر على تنظيم المسؤولية المدنية.. لمقدمي الخدمات الطبية. وأما عن القول إن الخطأ المهني الجسيم.. يستحق عقوبة جنائية (وهو قول صحيح)،فإن التعامل معه يكون بالإحالة إلى نصوص قانون العقوبات.. إن كانت كافية، أو بإضافة مواد مستحدثة.. إن كان لها مقتضى.
ثانياً:بالنسبة للتعويض المدني، فإن مشروع القانون يكرر أحكاماً ومبادئ، استقرت خلال الخمسة والسبعين عاماً.. منذ صدور القانون المدني، ومعها تراث قضائي مستقر وراسخ. فلماذا نتجه لاختراع عجلة جديدة؟ المطلوب – في القانون الجديد – هو وضع الضوابط والمعايير والمفاهيم.. التي تتم الاستعانة بها، عند تحديد ما إذا كان مقدم الخدمة الطبية أخطأ، أم لم يخطئ، ودرجة مسؤوليته، وكيفية الاحتكام إلى اللجان الجديدة.. المزمع إنشاؤها. ولكن بخلاف ذلك، فالأفضل عدم التوسع في النصوص والأحكام، بل ترك الأمر بيد المحكمة المختصة.
ثالثاً:لا أعلم ما الذي سوف تنتهي إليه المشاورات.. الجارية حالياً، ولكن في بعض المسودات – التي اطلعت عليها – لايزال هناك تداخل بين الجنائي والمدني؛ مثل اقتراح إحالة كل الشكاوى للنيابة العامة، وتداخل بين اختصاص اللجنة العليا للمسؤولية الطبية – المقترح إنشاؤها – ومصلحة الطب الشرعي، وجهات الخبرة.. التي قد ترى المحكمة الاستعانة بها. وهذه أمور يجب أن تُحسم بدقة، منعاً للتداخل في المفاهيم والاختصاصات.
رابعاً:ما زلت أرى فصل صندوق ضمان المسؤولية المهنية الطبية.. في تشريع مستقل، تقترحه هيئة الرقابة المالية، بصفتها الجهة الرقابية المختصة، وصاحبة الولاية على أي نشاط تأميني في مصر.
■ ■ ■
دعوني أنتهي.. بما بدأت به، وهو أن القانون – كما وافق عليه مجلس الشيوخ – انطلق من بداية غير موفقة؛ وهي نزع عنصر الثقة.. في العلاقة بين الطبيب والمريض، واستبدل بها حالة عدائية وصدامية، ثم توسع في الإحالة للنيابة والمحاكم الجنائية.. بدلاً من الاقتصار على التعويض المدني.
ومع أهمية التعديلات الأخيرة.. في التوصل لحلول توافقية، إلا أن القانون – في تقديري – يحتاج.. بعد كل هذا «الكر والفر»،إلى قراءة ومراجعة قانونية رصينة.. من لجنة متخصصة، تعيد للمفاهيم القانونية انضباطها، وللقانون توازنه، واتساقه.. مع المدرسة التشريعية المصرية العريقة.
نقلاً عن «المصري اليوم»

شارك هذه المقالة
اترك تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.