في مكالمة هاتفية ودودة، أطلعني الصديق المخلص الدكتور عبد المنعم عمارة – أشهر وأهم محافظ للإسماعيلية ووزير الشباب والرياضة الأسبق – على أن اللواء طيار أكرم محمد جلال.. محافظ الإسماعيلية الحالي، يخطط بجدية لإحداث نهضة شاملة بالمحافظة وإعادتها إلى مكانتها الثقافية، التي تليق بها وبتاريخها العظيم. ولذلك يخطط اللواء أكرم جلال (والحديث لا يزال للدكتور عمارة) لعمل موسم ثقافي، على أن أكون (كاتب هذا المقال) أول المتحدثين فيه.
كان واضحاً مدى سعادة الدكتور عمارة بوجود اللواء أكرم محافظاً للإسماعيلية التي يعشقها. وبالطبع، رحبت بالدعوة وزيارة الإسماعيلية التي زرتها مرات عديدة من قبل، كانت آخر زيارة لي بدعوة من الفريق أسامة ربيع، رئيس هيئة قناة السويس، لزيارة متحف قناة السويس الذي ظننت أنه مجرد متحف صغير يحكي تاريخ القناة التي حفرها أجدادنا بسواعدهم! ولكن ما شاهدته هناك يستحق مني أن أفرد له مقالاً خاصاً للتعريف بهذا المتحف الباهر الذي يستحق من كل عائلة مصرية الذهاب لزيارته والاستمتاع بقضاء وقت جميل بمحافظة الإسماعيلية الساحرة.
مكان المحاضرة داخل قاعة تابعة لهيئة قناة السويس، تُعرف باسم قاعة المحاكاة. والقاعة مجهزة على مستوى تقني عالٍ جداً. وكانت المفاجأة السارة.. وجود الفريق أسامة ربيع للترحيب بنا. وبعد ذلك وصل اللواء أكرم جلال، محافظ الإسماعيلية، وبعد مقابلة سريعة وجدت بالفعل أنني أمام شخصية قيادية رائعة.. قادرة على إعادة أمجاد الإسماعيلية.
حضر اللقاء العديد من قيادات المحافظة، وأعداد كبيرة من أهالي الإسماعيلية، لدرجة أنه لم يكن هناك مكان لقدم بالقاعة. وقدَّم الملتقى الثقافي الإعلامي الرائع أحمد فاروق، الذي قام بتقديم الدكتور عبد المنعم عمارة بصفته كرئيس لجمعية عمارة لتنمية المشاركة المجتمعية، التي تقوم بدور هام جداً لأهالي الإسماعيلية، حيث يحظى الدكتور عمارة بحب كل الإسماعيلاوية.
كان من ضمن الحضور العديد من مشاهير الإسماعيلية؛ منهم اللواء محمد عامر، مساعد وزير الداخلية، وهو الأهلاوي الوحيد في الإسماعيلية، والدكتور ناصر مندور، رئيس جامعة قناة السويس، واللواء أشرف عمارة، رئيس جمعية عمارة.
أكد الدكتور عمارة، في كلمته، على أهمية الملتقى الثقافي، وأهمية الحفاظ على التراث والهوية المصرية الوطنية للأجيال القادمة. وقال إنه سعيد بتولي اللواء أكرم جلال مقاليد محافظة الإسماعيلية، مشيداً بدوره وإنجازاته وتواجده الدائم في الشارع الإسماعيلاوي لكي يحل مشاكل المواطنين على أرض الواقع.
بعدها تحدث اللواء أكرم جلال، وأشار إلى أن مصر مهد الحضارات، وتمتلئ أرضها بآثار تعود لآلاف السنين؛ شاهدة على تاريخها العظيم ونجاحاتها المتواصلة، وتحدث عن الكنز الذي تملكه مصر وهو قناة السويس، مؤكداً أنها ليست فقط شرياناً بحرياً اقتصادياً مهماً للعالم كله، بل تحمل أيضاً قيمة ثقافية وتاريخية عميقة، ساهمت في تطوير الإسماعيلية وتحويلها إلى مركز دولي للتواصل والثقافة، وكان لها الأثر في الطابع المعماري المميز للمدينة، والذي خطط له الفرنسيون ويعكس الطراز الأوروبي الذي أضفى على المدينة سحراً وجمالاً. وقد قامت جمعية عمارة بعمل فيلم قصير عن حياتي، تم عرضه قبل أن أتحدث في اللقاء، وبعد ذلك بدأ الحوار. وقد تحدثت عن العديد من المحاور، أولها سبب عشقي للآثار، وافتتاح المتحف المصري الكبير، وعن أنبياء الله، والأفروسنترك، ولعنة الفراعنة، وأخيراً عن اكتشافاتي الأثرية.
أما عن عشقي للآثار؛ فقد حكيت لهم عن بدايتي، وكيف أنني لم أكن طالباً متفوقاً، وكنت أحلم أن أصبح محامياً، وخاصة لمشاهدتي أفلام كمال الشناوي وهو يدافع عن المظلومين. ولكن بعد أن اشتريت كتابين في القانون لقراءتهما قررت التنازل عن حلم المحاماة والالتحاق بكلية الآداب!، والتحقت بقسم الآثار، ولم أقع في حب الآثار والتدريس. وكانت الدراسة جد مملة، لذلك اتجهت إلى النشاط الطلابي، وبعد تخرجي حصلت على وظيفة حكومية كمفتش للآثار.
دخلت مصلحة الآثار، ولم يعجبني تصرفات الموظفين وكرههم لبعض البعض، لذلك حاولت أن ألتحق بالخارجية أو السياحة وفشلت تماماً، وعدت للآثار ووجدت أن الدكتور جمال مختار، رئيس هيئة الآثار وقتها، قد أصدر قراراً بأن أذهب إلى حفائر كوم أبو بلّو! وهددني بخصم 15 يوما من راتبي إن امتنعت عن الذهاب. وبالفعل ذهبت غاضباً ناقماً على كل شيء. وفي أحد الأيام عثر العمال على مقبرة بالموقع. وجاء ريس العمال ليخبرني عن الكشف، وذهبت لمكان المقبرة، وأعطى لي ريس العمال فرشاة لكي أنظف في منتصف المقبرة، وفجأة ظهر أمامي تمثال جميل للإلهة أفروديت إلهة الجمال! هنا فقط قلت في داخلي: لقد عثرت على حبي، وعشقت الآثار من هذا اليوم.
كانت هذه رسالة للشباب الذي حضر الندوة ليعرف أن أي شخص لو عشق عمل شيء صغير أو كبير.. فسوف ينجح ويحقق كل ما يتمناه، إن عشقت عملك فذلك هو مفتاح النجاح.
تحدثت عن الرؤية.. التي كانت موجودة لدينا عندما عملت كأمين عام للمجلس الأعلى للآثار التابع لوزارة الثقافة، حيث كان فاروق حسني هو وزير الثقافة ورئيس المجلس الأعلى للآثار في ذلك الوقت. وكان هو من اختار مكان المتحف المصري الكبير وأدار بناءه، وعملت معه في بناء هذا الصرح العظيم. وعندما فكرنا في إقامة متحف الحضارة والمتحف المصري الكبير، اتفقنا على ضرورة أن يكون هناك بطل في كل متحف، لأن المتحف الذي لا يوجد فيه بطل يتجاهله الزائرون. قررنا أن البطل في متحف الحضارة هو المومياوات، وأن البطل في المتحف الكبير هو توت عنخ آمون، أما متحف التحرير فسيظل أهم متاحف الدنيا، حيث توجد به كنوز لا يمكن لأي زائر أن يستغني عن زيارتها.
أما موضوع أنبياء الله فهو موضوع هام جداً، خاصة لأن كل المصريين مهتمون به، وهناك لغط كبير حدث خلال الشهور الماضية بسبب تصريحات أحد الموقع العبرية.. يتهمني بأنني ضد التوراة! واعتقد بعض المصريين أنني ضد ما ذُكر في القرآن الكريم!
وكنت قد قلت رداً على سؤال: هل لدينا في الآثار دليل على وجود فرعون موسى وقصة الخروج؟
وقلت: لا يوجد دليل! وشرحت أن الملك من ضمن الأعمال التي يقوم بها لكي يصبح إلهاً في العالم الآخر.. هو هزيمة الأعداء. وهنا فإن ما ورد في الكتب السماوية أن سيدنا موسى وقومه هزموا فرعون.. مما يخالف عقيدة الفراعنة، لأنها ضد البرنامج الإلهي في العصر الفرعوني!
وأضفت أننا عرفنا عن الهكسوس من خلال طالب في مدرسة معبد الكرنك بالأقصر، كتب لنا عنهم، وبعد ذلك شرحت وجود منظر شهير لـ 73 آسيوياً – رئيسهم يسمى (إبشا) – في مقبرة خنوم حوتب ببني حسن بالمنيا؛ وهم يلبسون ملابس مزركشة. وقلت إن هناك البعض يعتقد أن إبشا هو سيدنا إبراهيم! وبخصوص سيدنا يوسف فإن هناك قصة كُتبت في العصر الروماني بجزيرة سهيل بأسوان.. تشير إلى أن الملك زوسر، باني الهرم المدرج، وجد أن مصر تمر بسبع سنوات لم تحضر فيها مياه الفيضان، واستشار مهندسه ومستشاره إيمحوتب، الذي أشار عليه بضرورة أن يقدم القرابين إلى الآلهة التي تسيطر على منابع النيل، وبعد ذلك خلد الملك زوسر للنوم، وجاءه الإله خنوم في الحلم، وقال له إنه الإله الذي يسيطر على منابع النيل، وقدَّم له زوسر القرابين، وجاء الفيضان والخير لمصر.
هذه القصة لا نعرف هل حدثت فعلاً أم لا، ولأنها كانت في العصر الروماني، كما أنه لا يوجد أي ذكر لاسم سيدنا يوسف! هذا هو الرأي العلمي الأثري في قضية وجود ذكر لأنبياء الله الذين جاءوا إلى مصر في الآثار الفرعونية.
ونأتي بعد ذلك لموضوع الأفروسنترك؛ حيث أصحاب البشرة السمراء في أمريكا الشمالية والجنوبية يعتقدون أنهم أصل الحضارة المصرية!
وبلا شك فإن السبب في ذلك هو أنهم قلة، ويريدون أن يتباهوا أمام شعوبهم بانتسابهم للحضارة الفرعونية.
لقد شاهدت في البرازيل احتفالاً سنوياً يتم في المدن الكبرى، وهو عبارة عن كرنفال ضخم، وفيه يجلس في عربة شخص يرتدي ملابس فرعونية ويضع التاج، وبجواره فتاة تمثل دور الملكة، ومعهما آلاف من أصحاب البشرة السمراء يلبسون الملابس الفرعونية ويرقصون ويغنون. بل وصل الأمر إلى أن تحضر وفود من أمريكا إلى مصر لمحاولة إقامة حفلات في أسوان للإعلان عن هذا الموضوع، كما حدث مع الكوميديان الأسود المشهور كيڤن هارت الذي جاء إلى مصر ليقود هذه الحملة.
وبعد ذلك حدث أن تواجد أكثر من 50 شخصاً بالمتحف المصري، واحتفلوا بأنهم أصل حضارتنا. وبعد ذلك تفاجأت بأن «جادا»، زوجة ويل سميث، قامت بعمل فيلم تحاول أن تثبت فيه أن كليوباترا من أصحاب البشرة السمراء، وقد قابلتها هي وزوجها عندما اختارتني مجلة التايمز من أهم مائة شخصية مؤثرة في العالم، وتصادف أني جلست معهما على مائدة العشاء.
وقد قمت بالرد على هذه المزاعم في كل وسائل الإعلام الخارجية، بل وقمت مع مخرج إيطالي بعمل فيلم تحدثت فيه – والعديد من أساتذة الآثار في العالم – بالأدلة العلمية التي تنفي كون كليوباترا من أصحاب البشرة السمراء، والغريب أنهم يعرفون أن كليوباترا كانت مقدونية الأصل، ولا يمكن أن تكون من أصحاب البشرة السمراء. وقد وجدت أن أصحاب البشرة السمراء في أمريكا مستاؤون من ردودي عليهم، ولذلك كانوا يقفون في مظاهرات أمام محاضراتي هناك.. للهجوم عليَّ، ويقولون إنهم أصل الحضارة الفرعونية.
أما عن لعنة الفراعنة، فقد حكيت بعض القصص التي حدثت معي، ونسبها البعض إلى لعنة الفراعنة. وقلت إن اللعنة ظهرت بعد موت اللورد كارناڤون – الذي موَّل كشف مقبرة توت عنخ آمون، وأعطى حق النشر إلى صحيفة «التايمز» البريطانية، وبعد وفاته كتبت الصحافة أن موته كان بسبب لعنة الفراعنة.
انتهيت من الحديث، وبدأت الأسئلة، وكانت ندوة ثقافية جميلة، حيث الحديث عن الفراعنة دائماً شيق ومثير.
نقلاً عن «المصري اليوم»