عبدالله عبدالسلام
يمكن وصف السياسة الصينية.. إزاء ما يجري في الشرق الأوسط – خاصة على صعيد العدوان الإسرائيلي الوحشي على غزة – بأوصاف عديدة.. الحذر وعدم التورط المباشر، وتغليب المصالح الاقتصادية على كل ما عداها. إلا أن الصفة الأهم، هي افتقاد الفاعلية إلى حد كبير.. في تقرير الأمور بالمنطقة. ليس هذا نقداً، بقدر ما هو رصد للواقع. خلال شهور العدوان، اكتفت بكين بانتقاد إسرائيل، والكارثة التي تصنعها في غزة، ورفضت تصنيف حماس.. كمنظمة إرهابية، إلا أن الدور المنوط بها كقوة عظمى صاعدة.. غاب تماماً.
وبينما تقف واشنطن – بدون مواربة أو خجل – مع إسرائيل؛ لدرجة أنها تبدو شريكاً أساسياً في العدوان، فإن بكين اختارت تجنب التورط – أو المشاركة الفعلية – في العمل على وقفه، ولم تقدم مبادرات أو مقترحات مباشرة.. في هذا الإطار. كانت أمامها فرصة ذهبية.. لتأكيد نفوذها السياسي والأمني، الذي من المفترض أن يتناسب مع نفوذها الاقتصادي والتجاري والاستثماري؛ فليس لها ماضٍ استعماري، أو تاريخ من الانحياز لإسرائيل.. كأمريكا والغرب عموماً. كما أن هناك ترحيباً عربياً، بأن تلعب دوراً يوازي – أو على الأقل – يحد من سيطرة الدور الأمريكي. لكن كانت لديها حسابات أخرى، جعلتها لا تهتم – أو تسعى – لاستغلال تلك الفرصة.
الأولوية الرئيسية للصين.. هي منطقة المحيطين الهادي والهندي؛ حيث الصراع المتصاعد مع أمريكا، والمشاكل فيها.. مثل احتمال نشوب صراع عسكري على تايوان، والقلاقل في شبه الجزيرة الكورية.. وغيرها. أما المناطق الأخرى.. كالشرق الأوسط، فإن الحذر والترقب، وعدم الرغبة في المخاطرة.. سمات واضحة لدبلوماسيتها. بكين تنظر للمنطقة.. كفرصة اقتصادية لزيادة التبادل التجاري، ودعم صادراتها، والحصول على الطاقة.. أكثر منها فرصة سياسية لتقوية نفوذها في مواجهة واشنطن. هي شريك اقتصادي لمعظم دول المنطقة. حجم التجارة بين الجانبين سجل 368 مليار دولار عام 2022، مقابل 144 ملياراً فقط.. بين أمريكا ودول الشرق الأوسط. إجمالي الاستثمارات الصينية – من 2013 حتى 2021 – بلغ 152 مليار دولار. و53٪ من وارداتها من البترول الخام.. قادم من منطقة الخليج.
من أجل استمرار هذه الشراكة الكبرى، لا تريد الصين تغييراً درامياً في المنطقة. وإذا حدث، فإنها تعمل على تقليل تأثيراته السلبية – قدر الإمكان – على مصالحها الاقتصادية. تفضل التعامل غير المباشر، وعدم التورط في صُلب المشاكل. الاختبار الحقيقي جاء مع هجمات حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، وما تلاه من عدوان إسرائيلي. وقفت بكين دبلوماسياً مع الفلسطينيين.. مما أغضب إسرائيل، لكنها لم تقدم مقترحات ملموسة قابلة للتنفيذ.. لوقف الحرب. بدَت مثل عشرات الدول التي اكتفت بالكلمات، ولم تقدم على أفعال. يمكن قبول ذلك من دول صغيرة – أو متوسطة القدرة – ولكن.. ليس من الصين. هناك فجوة بين كونها قوة عظمى صاعدة، وبين أفعالها على أرض المنطقة.
لكن الصين لها أسبابها. النهج الحذر، والابتعاد عن المخاطرة، وممارسة التوازن.. سلوكيات أثبتت نجاحها على مدى السنوات الماضية. وإذا كانت علاقاتها جيدة مع العرب، فإن علاقاتها جيدة أيضاً مع إسرائيل. حجم التجارة بينهما عام 2022 بلغ 21 مليار دولار. هناك 500 صفقة استثمارية حصلت عليها الشركات الصينية في إسرائيل.. خلال السنوات العشر الماضية. خبراء غربيون يعتقدون أن بكين، ستحاول رأب الصدع في علاقتها مع إسرائيل، بل هناك طمأنة ضمنية من الدبلوماسيين الصينيين.. بأن علاقات البلدين ستعود إلى طبيعتها.. مع انتهاء الحرب على غزة. بالنسبة لها، الأمر لا يتعلق بالصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. فى الماضي، كان هناك موقف مبدئي لصالح القضية الفلسطينية. الآن، المسألة مرتبطة بالمصالح الاقتصادية، ومكانة الصين عالمياً، وأيضاً بالتنافس مع واشنطن.
طوال عدوان غزة، استخدمت الصين الصراع.. كأداة في صراعها للزعامة العالمية، وسعت لاستغلال انحياز أمريكا المطلق لإسرائيل.. من أجل اكتساب نفوذ وشعبية لدى شعوب المنطقة.
الشرق الأوسط – بالنسبة للصين – شديد الأهمية، لأن منه يأتي وقود نهضتها الصناعية والاقتصادية، لذا.. فإن تأمين استيراد البترول أولويتها الأولى. مبادراتها لتهدئة النزاعات بالمنطقة – مثل رعاية اتفاق استئناف العلاقات السعودية الإيرانية عام 2023 – تستهدف تحقيق هذا الغرض. دعمها لإيران، ومساعدتها على الوقوف مجدداً.. بعد الضربات التي تلقاها حلفاؤها من إسرائيل، من بين أوراقها لاستمرار تدفق البترول. إذا دخلت علاقتها مع أمريكا، – في عهد إدارة ترامب الثانية – مرحلة ما يسميه بعض الخبراء.. «السقوط الحر»؛ فإنها لن تجد مفراً من الوقوف مع روسيا وكوريا الشمالية وإيران.. التى تسميها واشنطن محور الشر. القضايا الأخرى – وبينها القضية الفلسطينية – أولوية أقل.
التعويل العربى على موقف صينى.. مؤجَّل، حتى إشعار آخر.
نقلاً عن «المصري اليوم»