Times of Egypt

الشفاه التي أسقطت الرئيس! 

Mohamed Bosila
عبدالله عبدالسلام 

عبدالله عبدالسلام  

تقليدياً، لا يحتج الإنجليز على قرارات حكوماتهم، التي تمس مصالحهم.. بالتظاهر والعنف في الشوارع، على عكس الفرنسيين. الثلاثاء الماضي، غيَّر المزارعون الإنجليز أسلوبهم. غزا آلاف منهم المنطقة المحيطة بالبرلمان، ومقر إقامة رئيس الوزراء كير ستارمر في لندن، احتجاجاً على إلغاء الإعفاءات الضريبية المعمول بها.. عند نقل الملكية الزراعية إلى ورثتهم.  

عندما كان في المعارضة، تعهَد حزب العمال بإبقاء الإعفاءات. مع وصوله للحكم، ابتلع وعوده. 

وزير البيئة البريطاني، ستيف ريد، ردَّ على سؤال: لماذا غيرت الحكومة رأيها.. قائلاً: «في الحكم، اكتشفنا أن حكومة المحافظين السابقة تركت ثقباً أسود في المالية العامة، قيمته 22 مليار جنيه إسترليني (27.8 مليار دولار)، وإذا أردنا إصلاح الخدمات الصحية والتعليم وبناء المدارس وتوفير السكن بأسعار معقولة، علينا أن نطلب من أصحاب «الأكتاف العريضة»، أي الموسرين والأغنياء، أن يدفعوا أكثر قليلاً».  

لماذا يتراجع السياسيون والقادة عن وعودهم، ولماذا يبالغون في رفع سقف طموحات الناس ومداعبة خيالاتهم بالمن والسلوى؟ 

في حملته الانتخابية للرئاسة عام 1988، أطلق جورج بوش الأب.. وعداً صريحاً للناخبين الأمريكيين قائلاً: «اقرأوا شفتي.. لا ضرائب جديدة». أتت الرياح بما لا تشتهي سفنه. قبيل وصوله للسلطة (يناير 1989)، افترض أن معدلات النمو الاقتصادي المرتفعة آنذاك ستستمر. بدلاً من ذلك، بدأ الركود وارتفع عجز الموازنة وتدهور الاقتصاد.  

كان أمامه خياران.. خفض مخصصات الصحة والضمان الاجتماعي والإنفاق العسكري، أو زيادة الضرائب. اضطر للخيار الثاني.  

استغل خصومه ذلك في الانتخابات التالية (1992). بيل كلينتون المرشح الديمقراطي لانتخابات الرئاسة آنذاك، شكك في مصداقيته، واتهمه بأنه نكث بوعوده. سقط بوش في انتخابات 1992 لتكون شفتاه سبب خسارته. 

السياسيون عادة.. يُحجمون عن إبلاغ الناس بالحقيقة، ويفضلون الكذب، خلال الحملات الانتخابية، بدلاً من إزعاج الناخبين بالحديث عن سوء الأوضاع الاقتصادية، على أمل أن تتحسن فيما بعد. البعض يصف هذا السلوك بـ «الأكاذيب المبررة» أو «أكاذيب منع الإحراج». آخرون يعتبرونه «خداعاً سياسياً» ضحيته الأولى، والأهم.. المصداقية.  

استطلاعات الرأي تُظهر اتساع فجوة الثقة بين السياسيين والناخبين. قبل 75 عاماً، قال 50٪ من الأمريكيين – في استطلاع رأي – رداً على سؤال عن الحزب الذي يفي أكثر بوعوده، إنه لا فرق بين الحزبين (الجمهوري والديمقراطي) في عدم تنفيذ الوعود.  

عام 1982 ارتفعت النسبة إلى 72٪ ، ثم لتصل عام 1999 إلى 90٪. الفجوة الآن وصلت إلى الذروة. 

هناك سخرية شديدة من السياسيين عبر العالم. يدرك السياسي أنه لا مفر من رفع الضرائب، لأن البديل تقليص الخدمات التي تقدمها الحكومة، لكنه لا يجرؤ على التصريح بأنه سيزيد الضرائب. دراسات عديدة تؤكد أن الناس تتوقع من قادتها قول الحقيقة، لكنهم بمرور الوقت أدركوا.. أن السياسة والحقيقة لا تلتقيان. المصداقية لا تتعلق فقط بالقضايا الاقتصادية، بل بمجمل العمل السياسي.  

أوباما ضلل الناخبين.. فيما يتعلق بدور أمريكا في إسقاط العقيد معمر القذافي عام 2011. رسمياً، جرى التأكيد على أن دور واشنطن يقتصر على مهام إنسانية لإنقاذ الليبيين. على أرض الواقع، تورطت أمريكا في عملية تغيير النظام بالقوة، لتدخل ليبيا حقبة من الحرب الأهلية وعدم الاستقرار والفشل السياسي، التي ما زالت مستمرة. 

ترامب أكثر من قدَّم وعوداً. عندما يتحدث، يؤكد أن ما يقوله ليس فقط تعهدات.. بل خطط تنفيذها محسوم. في حملته الانتخابية قبل وصوله للحكم 2016، تعهَّد بطرد 11 مليون مهاجر غير شرعي، ولم يتم ذلك. قال إنه سيرفع معدل الدخل الفردي، ويحد من عدم المساواة بين الأمريكيين، ولم يحدث. الآن وعوده لا تُحصى ولا تُعد.  

الرئيس الأمريكي المنتخب ليس وحده. قبل الوصول للسلطة، يتحدث السياسيون، كما لو كانوا بابا نويل.. يمنح الهدايا للجميع. في الحكم، تختفي الهدايا والوعود، ويُطل الواقع الصعب متحدياً الجميع. 

 
نقلاً عن «المصري اليوم» 

شارك هذه المقالة
اترك تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.