أمينة خيري
لو كنت مسؤولاً، ولو كنت أكاديمياً في الجامعات.. أو باحثاً في المراكز المتخصصة، ولو كنت ضمن منظومة العمل الأهلي أو التطوعي، لأصدرت قراراً بتشكيل خلية أزمة، وخصصت أموالاً للبحث والدراسة والتحليل، والخروج بنتائج وتوصيات، وشكلت مجلساً أعلى للتربية، وتأكدت من توفير كافة الموارد التي يحتاجها إلى أن ينصلح حال التربية والتنشئة والسلوكيات.. بين الأجيال الصغيرة، مع التركيز على جيلي «زد» (1997-2012)، و«ألفا» (2013-2024)، على أن يتم تخصيص قطاع بأكمله لاتخاذ اللازم لجيل «بيتا» (2025-2039).
أنا – كمواطن عادي – لا سلطة لي سوى الكتابة، انفجر المقطع – المصوَّر من أمام إحدى مدارس الشرقية، وتتحدث فيه طالبات عن امتحان الجبر – في وجهي، وتسبب في أضرار وأوجاع بالغة، بين جسدية عنيفة ونفسية وعصبية عميقة. ولولا أنني أعلم عليم اليقين.. أن ما ورد في هذا المقطع نتيجة طبيعية ومتوقعة.. للأولويات المعمول بها، والفصام الضارب في المجتمع، وتجاهل ما يجري، لاعتقدت أن فيروساً كونياً قد ضرب البلاد، وأن هواءً مشبعاً بغازات الهلوسة قد أحاط بغلافنا الجوي، وأن مواد مسمومة قد تم دسها في دقيق الخبز.
هذه الطالبة «المسكينة» ضحية انقشاع زمن المدرسة، ومعها دورها التربوي وهيمنة عصر السنتر الذي يلقن ولا يربي. هذه «المسكينة» التي تعتقد أن المراقب الطيب الجدع هو من لا يترك «اللجنة شدة»، ويبحبحها ويعتنق مبدأ الغش، لا سيما وأنهن (الطالبات) بعد صغيرات، ولا يسعهن مذاكرة كل هذه الأشياء. هذه «المسكينة» التي ما إن فتحت فمها، حتى تفجرت ينابيع (ولن أقول بالوعات) الشرشحة والبلطجة والسرسجة.. لأنها لا تعرف غيرها وسيلة للتعبير.
… هذه «المسكينة» التي تتفوه بألفاظ ونعوت كانت حتى وقت قريب مضى تُعتبر مقرفة كريهة مثيرة للاشمئزاز.. هذه «المسكينة» التي جعلوها على يقين.. بأن الطرحة تُغني عن أى شيء آخر في الحياة، ولم يخبرها أحد بوجود شيء اسمه تربية أو سلوك، أو ما يصح وما لا يصح، أو عيب أو ما يصحش.. هذه «المسكينة» عنوان ورمز لقطاع عريض.. يُقدَّر عدده بالملايين، نشأ على قيم هلامية ومعايير هشة وقواعد فاسدة.
هي ضحية بكل تأكيد. وأشعر بأسى كبير؛ لتحولها – بين امتحان جبر وضحاه – إلى ترند، وشاهد قبل الحذف، ولا أعلم إن كانت تعتقد أن ما أثير حول ما قالته، و«شوحته».. هو من باب الصدمة المقيتة، أم الشهرة الرائعة!
على أي حال، ما ورد في هذا المقطع المفجع، ليس استثناء أو مفاجئاً، فقط قنبلة مركزة انفجرت فينا عن قرب.
لو كان الأمر بيدي، لتوقفت فوراً عن حكاية الكتاتيب، وبرامج الفتاوى، وفقه المرأة، والتغيير المستمر في نظام الثانوية والدبلومة، والسؤال المقالي وإلغاء الفلسفة، وإضافة الدين للمجموع. ووجهت كل ما تملك الدولة.. لمنظومة التربية المدنية والسلوكية والأخلاقية.. على ما يصح وما لا يصح.
أعتذر للطالبة الضحية «المسكينة».. عن اضطراري للكتابة عما صدر عنها، لكن ربما تكون هي جرس الإنذار.. الذي يوقظ من يرغب في الإنقاذ.
نقلاً عن «المصري اليوم«