د. هبة جمال الدين*
لا أعلم إذا كان البحث في الشأن الإسرائيلي.. نعمة أم نقمة، ولا أتذكر أنياخترت البحث في هذا المجال، ولكن ربما هو الذي اختارني، ولا أنوي استعراض مسيرة التشابك البحثي في هذا الحقل، ولكن ما دفعني للكتابة، ما نعانيه الآن – كباحثين وخبراء – في هذا الشأن الجد خطير، الذي لم يعد رفاهية، وإنما فرض عين على كل الدول بالمنطقة.
وربما يتعجب البعض.. كيف يتخصص باحث في نظام، ولا يقع معجباً – أو متأثراً – بأفكاره وتوجهاته؛ فمن يتخصص في الشأن الأمريكي.. يُعجب بتلك الدولة. ومن يدرس النظام الألماني.. يقف منبهراً به. إلا الباحث الجاد في الشأن الإسرائيلي.. الذي يزداد مقتاً ورفضاً لهذا النظام؛ ليس بسبب ميراث الدم.. الذي تسبب فيه هذا العدو الدموي، ولكن بسبب كمية الكراهية والعداء والمؤامرات والضغينة، التي يُكنها الكيان ومراكز أبحاثه.. نحو المنطقة والعرب والمسلمين والمسيحيين، بل والأغيار ككل. ومَن يقع في غرام هذا النظام.. هو صاحب المصلحة والأجندات الخاصة.
البحث، وفهم العقلية الصهيونية.. التي تغزونا الآن، أمر مهم مهما بلغ الرفض؛ فدراسة إسرائيل.. لا تعني – مطلقاً – التطبيع البحثي مع الكيان، ولكن دراسته بتعمق، وكل شيء منشور ومتاح.
ومع أهمية استطلاع ذهن العدو، والوقوف على طريقة تفكيره، نجد – مع الوقت – أن الباحث الجاد فقط.. هو مَن استطاع التأثر بطريقة تفكير العدو، ومعرفة تشابكاته الذهنية والمعرفية. وهذا الباحث الجاد هو -وحده – القادر على الوصول للجديد.. من مخططات الأفعى، التي استطاع الاستفادة من ديناميكيات تفكيرها ومنظومتها العلمية. فالباحث الجاد – والخبير الحق في الشأن الإسرائيلي – هو مَن لديه عقلية مماثلة للعقلية الصهيونية، ولكن يستبدلها بالقومية والعروبة؛فهو يفكر مثلهم.. عبر منهجية استقرائية ناقدة،ومنظومية عابرة للتخصصات.. متداخلة في المعارف. ولم لا، وقد استطاع الوقوف على أكثر الدراسات مكراً ومهارة. ومع الوقت، اكتسب هذا المنظور الفكري والمعرفي.
ورغم التحلي بتلك المهارات والمعارف، فقد أضحى التخصص في الشأن الإسرائيلي عبئاً.. لا يستطيع إلا القليل حمله؛بداية من الفيروسات والاختراقات لأجهزة الحاسوب.. متعددة الاتجاهات، التى نقف أمامها عاجزين.. فى ظل عدم الرعاية المؤسسية لعملنا.فنحن نحرث الأرض فرادي -مروراً بغياب قنوات النشر – فلم يعد من السهل أواليسير.. النشر في الشأن الإسرائيلي؛ ربما خوفاً، أو جهلاً، أو تملقاً. ولا أجد تفسيراً إلا المعاناة التي نشهدها، وغياب أجندة بحثية.. ممولة من جهات ترعى تلك المنظومة، فمَن يرغب في البحث.. فليتطوع، ويتأهب لكل العراقيل المؤسسية بالداخل والخارج.
والأغرب، التقليل من حجم النتائج وخطورتها، وكأن ما نتوصل إليه، وما أضحى يتحقق أمام أعين الجميع، لا يجب الوقوف عليه أو استقراؤه. والتهديدات التي تمس الحياة.. من الصهاينة وأتباعهم. فكم منا لم يتعرض للتهديد بالقتل أو التنكيل أو السرقة أو التشويه؟ حدِّث ولا حرج. فالجعبة كبيرة والجرح غائر.
الخبير في الشأن الإسرائيلي.. أصبح غريباً، تتكالب عليه الذئاب. رغم حاجة أوطاننا – على الأقل – لرفع الوعي، وكشف المخططات وأدواتها، ووضع سيناريوهات.. بعقلية مشابهة لتلك العقلية الجد خطيرة.
ولكن لنا الله؛ فنحن جنوده في الأرض، مهمتنا نشر المعرفة، ورفع الوعي.. ومجابهة الجهل، ومواجهة المخاطر.. من المطبعين والصهاينة والإسرائيليين والعملاء. هذا قدرنا، ولن يفت ذلك في عزيمتنا؛ فنحن جنود.. واخترنا الحرب، وسنخوضها – بشرف – لكشف العدو ومخططاته.. لحماية الوطن والدين والشرف.
- رئيس قسم الدراسات المستقبلية بمعهد التخطيط القومي.
نقلاً عن «أخبار اليوم»