عبدالله عبدالسلام..
في عام 1916 – بينما الحرب العالمية الأولى مشتعلة – اتفقت بريطانيا وفرنسا سراً.. على اقتسام منطقة الهلال الخصيب (بلاد الشام والعراق)، وتحديد مناطق النفوذ في غرب آسيا، وتقسيم أملاك الدولة العثمانية.. التي كانت مسيطرة على تلك المنطقة؛ فيما عُرف باتفاقية «سايكس-بيكو».
حالياً، تشير تطورات الأحداث.. إلى أن هناك ما يشبه الاتفاق بين أمريكا-وإسرائيل، على تقسيم جديد لنفس المنطقة، وربما مساحات.. أكبر في إطار تصوُّر مشترك للدولتين، بشأن مستقبل الشرق الأوسط. الحديث عن إعادة رسم خريطة المنطقة.. لم يعد مجرد تصريحات أو تهديدات، بل هو أفعال واقعية على الأرض.
العدوان الإسرائيلي الجديد على غزة، يجب عدم النظر إليه.. في إطار الأهداف الضيقة التي تسوِّقها حكومة نتنياهو، عن أن الضغط العسكري المتواصل، سيؤدي إلى إجبار حماس على إطلاق سراح جميع الرهائن. إسرائيل استعادت عدداً كبيراً من رهائنها.. نتيجة وقف القتال، وليس بسبب استمراره. وزير دفاع إسرائيل كاتس.. كان واضحاً، عندما ربط بين العدوان الراهن، وتنفيذ رؤية ترامب لتهجير الفلسطينيين من غزة، وتحويلها إلى ريفييرا الشرق الأوسط.
الخطة العربية لإعادة إعمار القطاع، لم تغير شيئاً من قناعات إسرائيل وأمريكا.. بشأن مستقبل غزة. التهجير أصبح أولوية إسرائيلية حالياً،يترافق ذلك مع السعي الجنوني.. لتهويد الضفة، وضم أجزاء منها رسمياً إلى إسرائيل؛ بما يعني أن الخريطة التي رفعها نتنياهو مراراً.. في الأمم المتحدة، وانضوت فيها الضفة وغزة تحت السيادة الإسرائيلية.. تتحقق بالفعل.
التوسع العسكري الإسرائيلي في سوريا، ومحاولات تأليب مكونات المجتمع السوري.. على بعضها البعض بشكل علني – وأحدثها استمالة المكون الدرزي – يستهدف تقسيم البلاد.. من خلال إقامة مناطق حكم ذاتي.. للدروز، والعلويين، والأكراد، والسُّنة.
لبنان أيضاً مُستهدف بهذه التقسيمات، لكن ظروفه مختلفة.. على الأقل حالياً. ولذلك سيبقى الضغط العسكري، والانتهاكات لسيادته، وأرضه.. مستمرة.
سوريا ولبنان أصبحتا المجال الحيوي لإسرائيل؛ التى تُعيد تشكيل واقعهما – سياسياً وعسكرياً وديموغرافياً – بطريقة تخدم مصالحها.. على المستويين القريب والبعيد.
المظلة الأمريكية لهذه التغييرات الاستراتيجية.. ليست سرية – بل معلنة – ويتم تشجيع بيبي نتنياهو على تنفيذها. انقلاب إسرائيل على اتفاق وقف النار مع حماس، تم ترتيبه مع واشنطن. التوغل في سوريا، وتدمير سلاح جيشها.. مدعوم، بل مطلوب من إدارة ترامب. لكن أمريكا لا تُغطي فقط أعمال إسرائيل، بل تنخرط مباشرة في تغيير المنطقة؛الهجمات غير المسبوقة على الحوثيين، وتهديد إيران من عواقب الاستمرار في دعمهم.. مقدمة لمواجهة وشيكة مع طهران. رسالة ترامب الأخيرة.. لمرشد الثورة الإيرانية على خامنئي، التي اقترح فيها التفاوض.. للاتفاق على صفقة نووية جديدة خلال شهرين، وإلا ستكون هناك طرق أخرى.. لتسوية المسألة، تشابه تماماً رسالة المبعوث الأمريكي ويتكوف (التي تنتمي لزمن عصابات المافيا) إلى حماس: الاستجابة لمقترحه بالإفراج عن الرهائن، أو العودة إلى الحرب، وهو ما تم فعلاً.
عندما تولى ترامب الرئاسة، قال إنه سيدخل التاريخ.. باعتباره صانع السلام. هذا هو سلام ترامب. عدوان في غزة واليمن، والحرب الأكبر في الانتظار مع إيران.
نقلاً عن «المصري اليوم»