مصطفى كامل السيد
يبدو أن موجة التفاؤل بنجاح دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وسيطرة الحزب الجمهوري على مجلسي الكونجرس في الولايات المتحدة، التي طغت على الكثير من الصحف والقنوات التليفزيونية العربية، استندت إما على جهل بنوايا الرئيس الأمريكي المنتخب.. فيما يتعلق بقضايا النزاع في الشرق الأوسط، أو المشاركة في توجهات ترامب التي اتبعها أثناء إدارته الأولى؛ خصوصاً عدم اكتراثه بقضايا حقوق الإنسان، وعداءه الصريح لإيران، وسعيه لإدماج إسرائيل في المحيط الشرق أوسطي.. من خلال ما سُمي بالاتفاقات الإبراهيمية.
لكن الاطلاع على التوصيات المقدمة له.. من مؤسسات الحركة المحافظة التي أصبح قطباً لها، لا يبرر هذا التفاؤل، بل يدعو إلى الشديد من الانزعاج، ويتأكد هذا الانزعاج عند استعراض قائمة الشخصيات التي اقترحها للمساعدة في إدارته، في أجهزة الحكومة الأمريكية ذات الصلة بقضايا الشرق الأوسط؛ سواء في وزارات الخارجية أو الدفاع أو مؤسسات المخابرات.
ليس من الصعب معرفة توجهات الإدارة الجديدة، فكما كان الحال مع معظم الإدارات الجمهورية السابقة تقدم لها مؤسسة التراث Heritage Foundation – أبرز مراكز فكر الحركة المحافظة – قائمة بالتوصيات تشمل كل أجهزة الحكومة الأمريكية، وتفتخر المؤسسة بأن الرئيس الأسبق رونالد ريجان قد نفذ في سنته الأولى.. نصف التوصيات التي قدمتها المؤسسة، بل كان قد عرض تقرير المؤسسة على أعضاء حكومته في أول اجتماع لها. أما دونالد ترامب فقد نفذ قرابة ثلثي هذه التوصيات في سنته الأولى، ولم يذكر التقرير أن المؤسسة لم تقم بتقديم تقرير مماثل.. لكل من الرئيسين جورج بوش الأب، وجورج بوش الابن.
المبادئ الكبرى التي تسترشد بها الحركة المحافظة في الولايات المتحدة.. هي حرية المشروع الخاص، وخفض حجم وسلطات الحكومة المركزية، وإعلاء الحريات الفردية والالتزام بالقيم الأمريكية المحافظة، وتعزيز الدفاع الوطني. هذه المبادئ هي التي تؤكد عليها مؤسسة التراث في كل تقاريرها المعنونة «ولاية للقيادة»، بما في ذلك التقرير المقدم للرئيس المنتخب دونالد ترامب، وأضافت إلى هذه التسمية في هذا التقرير أنه «الوعد المحافظ».
اشتهر هذا التقرير في الدوائر الإعلامية والسياسية الأمريكية تحت اسم مشروع 2025؛ على اعتبار أنه المشروع الذي سيبدأ تنفيذه.. مع تولي إدارة جمهورية جديدة في البيت الأبيض، وقد وجه بعض الصحفيين السؤال للمرشح دونالد ترامب.. عن مدى التزامه به، ولكنه لم يقدم إجابة واضحة عن هذا السؤال.
الوعد المحافظ في صيغته الأحدث
أشرفت مؤسسة التراث على إعداد هذا التقرير – بالتعاون مع خمسين منظمة محافظة أخرى – ومن أبرز المنظمات الأخرى التي تعاونت معها.. مؤسسة محافظة كبرى شهيرة هي معهد المشروع الخاص الأمريكي American Enterprise Institute، وقدم أفكاراً لهذا التقرير أكثر من 340 خبيراً، ومنهما اثنان ينتميان إلى المعهد اليهودي للأمن القومي لأمريكا، والتحالف اليهودي الأمريكي، لكن الملاحظ أن أغلبية هؤلاء الخبراء لم يتخرجوا في الجامعات الأمريكية الكبرى، التي عرفت حركة الاحتجاج الطلابية الواسعة على العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في غزة والضفة. ويضم التقرير – الذي وصل عدد صفحاته إلى قرابة التسعمائة – أربعة وثلاثين فصلاً.. انفرد بكتابة كل فصل منها.. خبير سبق أن تولى منصباً في واحدة من الإدارات الجمهورية السابقة، وينقسم التقرير إلى خمسة أبواب يطرح كل منها توصيات محددة لكل أجهزة الحكومة الأمريكية.
فالباب الأول.. يختص بكيفية الإمساك بمقابض الحكومة في البيت الأبيض، والمكتب التنفيذي للرئيس، وأسلوب إدارة البيروقراطية. ويتناول الباب الثاني الدفاع المشترك، ويطرح توصيات لوزارتي الدفاع والخارجية وأجهزة المخابرات وأجهزة الإعلام، ومن المثير للتأمل أن واحدة من هذه الأجهزة الإعلامية هي وكالة التنمية الدولية.
ويسمي التقرير الباب الثالث «الرفاهية العامة»، ويشمل كل الوزارات التي تقدم خدمات للمواطنين والمواطنات، مثل التعليم والصحة، لكنه يضم أيضاً وزارات البيئة والداخلية والعدل والمحاربين القدماء.
يختص الباب الرابع بالاقتصاد وبالتركيز على وزارتي التجارة والخزانة.
أما الباب الخامس والأخير فيتعلق بالوكالات التنظيمية المستقلة التي تضع قواعد في مجالات متعددة مثل المعاملات المالية أو حماية المستهلك أو الاتصالات أو الانتخابات. وهكذا يجد الرئيس المنتخب توصيات محددة تتعلق بكل من أجهزة الحكومة، وتنبع من منظمات تنتمي جميعها إلى الحركة المحافظة التي أصبح هو قطبها الأوحد.
قضايا الشرق الأوسط في مشروع 2025
هناك الكثير من القضايا في هذا التقرير.. ستكون موضع نقاش حاد في الولايات المتحدة، منها مثلاً التوصية الخاصة بإلغاء وزارة التعليم على الصعيد الاتحادي وجعل التعليم مسؤولية الولايات والعائلات، وإفساح المجال لإقامة مؤسسات تعليمية تقوم على أساس العقيدة. أو الاقتراح الخاص بمكافحة الأمصال، التي يعتبرها التقرير المسؤولة عن موت ملايين من الشعب الأمريكي أثناء جائحة كورونا، والتي أخفق دونالد ترامب في ولايته الأولى في التعامل معها، لكن الذي يهمنا مباشرة في هذا التقرير.. ما جاء بخصوص قضايا الشرق الأوسط – في الفصل الخاص بوزارة الخارجية – ولا يتجاوز حظ الشرق الأوسط في هذا التقرير صفحتين.. بين صفحاته التي قاربت على التسعمائة.
ويرد الاهتمام بالشرق الأوسط في موضعين في الفصل الخاص بوزارة الخارجية، أولاً في مقدمة القسم الخاص بالدول التي تهدد أمن الولايات المتحدة، ومنها الصين وروسيا وإيران وجمهورية كوريا الشمالية والجمهورية البوليفارية في فنزويلا. ويرى كاتب هذا الفصل أن النظام الإيراني يمثل تهديداً للمصالح الأمريكية، كما يواجه صعوبات شديدة، وأنه لا يحظى بتأييد الشعب الإيراني الذي يتطلع للحرية، لكنه يرى أنه لا ينبغي أن تنخرط الولايات المتحدة مباشرة في محاولة تغيير هذا النظام، بل على الإدارة الجمهورية تأييد المعارضة الإيرانية التي تناضل ضد هذا النظام، ثم يخصص التقرير قسماً خاصاً بالشرق الأوسط يحدد خمسة توجهات رئيسية:
أولاً: العودة إلى الاشتباك مع قضايا الشرق الأوسط وعدم ترك الإقليم للقوى المنافسة للولايات المتحدة مثل الصين وروسيا.
ثانيًا: الحيلولة دون امتلاك إيران السلاح النووي من خلال الاستمرار في تشديد العقوبات على النظام الإيراني ودعم المعارضة الإيرانية، وضمان تمتع إسرائيل بالأدوات العسكرية والدعم السياسي والمرونة التي تمكنها من اتخاذ كل التدابير المناسبة للدفاع عن نفسها ضد النظام الإيراني وأذرعه الإقليمية مثل حماس وحزب الله ومنظمة الجهاد الإسلامي.
ثالثًا: توسيع الاتفاقات الإبراهيمية بضم دول أخرى لها وتعزيز العلاقات مع السعودية، ووقف تمويل منظمة التحرير الفلسطينية، والحفاظ على تركيا داخل حلف الأطلنطي وإثنائها عن التقارب مع كل من الصين وروسيا، وإعادة التفكير في حكمة تأييد الولايات المتحدة للمنظمات الكردية التي تناهض الحكومة التركية، كما يشدد التقرير على أهمية نفط الشرق الأوسط في الاقتصاد العالمي، ولذلك يحث الولايات المتحدة على التعاون مع أصدقائها الأوروبيين لإبعاد النفوذ الصيني عن الإقليم، والحفاظ على علاقات وثيقة مع السعودية.
رابعاً: بناء حلف دفاعي في الشرق الأوسط يشمل إسرائيل ومصر ودول الخليج وربما الهند، وحماية أمن الممرات المائية في الخليج والبحر الأحمر وقناة السويس. والتعاون مع الدول الأوروبية، خصوصاً فرنسا، لتدعيم العلاقات مع دول شمال أفريقيا لمواجهة ما يصفه التقرير بتهديد الجماعات الإسلامية وإبعاد النفوذ الروسي عن هذه الدول.
خامساً: فيما يتعلق بحقوق الإنسان والأقليات ينبغي على الإدارة الجمهورية مواصلة الاهتمام بها، ولكن بالتوازن مع الاعتبارات الاستراتيجية والأمنية، والحرص على تعزيز الحريات الدينية، خصوصاً للأقلية المسيحية والأقليات الأخرى.
هذه هي النصائح التي يقدمها خبراء الحركة المحافظة للرئيس ترامب، وهي نصائح لا يمكنها أن تحقق السلام في الشرق الأوسط، فبدلاً من تعزيز علاقات التعاون بين إيران ودول الخليج العربية، وهو ما تسعى إليه هذه الدول في الوقت الحاضر بعد الاتفاق بين السعودية وإيران على نبذ المواجهة، وهو ما تم بوساطة صينية، تشجع هذه التوصيات على عودة المواجهة بين إيران والدول العربية، خصوصاً في الخليج، وذلك بالضغط على هذه الدول للالتزام بسياسة العقوبات التي تدعو ترامب إلى تشديدها، وباقتراح إنشاء حلف دفاعي يضم إسرائيل ومصر ودول الخليج والهند. وبطبيعة الحال سيكون هذا الحلف وإسرائيل دولة عضو فيه معادياً لإيران، مما يزيد من التوتر في الشرق الأوسط. ولا يذكر التقرير كلمة واحدة عن حقوق الشعب الفلسطيني التي يتجاهلها تماماً، وترد فلسطين فقط في إطار الحديث عن وقف تمويل منظمة التحرير الفلسطينية، ومد المساعدة لإسرائيل حتى تتمكن من مكافحة ما يعتبره التقرير أذرع إيران في المنطقة، بما في ذلك حركة حماس ومنظمة الجهاد الإسلامي.
هل سيلتزم ترامب بهذه التوصيات؟
من يقرأ هذه التوصيات يجدها متسقة تماماً مع تفكير الرئيس الأمريكي المنتخب، فهو يشدد على مواجهة النفوذ الصيني في كل العالم بما في ذلك في الشرق الأوسط، وهو مُعادٍ لإيران، وبلا شك مناصر لإسرائيل، هو صاحب فكرة الاتفاقات الإبراهيمية التي وجدت فيها إسرائيل مخرجاً لإقامة علاقات مع الدول العربية بالتجاهل الكامل للقضية الفلسطينية، وإذا كان كاتبو التقرير أكدوا أهمية اختيار الشخصيات التي تتفق مع رؤيتهم المحافظة، فإن من رشحهم ترامب لتولي مناصب ذات علاقة بالشرق الأوسط كلهم من غلاة أنصار إسرائيل، وأقتصر هنا على من عرف عنهم تأييدهم العلني لإسرائيل.
في مقدمتهم بيت هيجسيث، المعلق في شبكة فوكس والمرشح وزيراً للدفاع، والذي تفاخر بوضع علامات الصليبيين على صدره العاري في صورة تناقلتها الصحف، وإليس ستيفانيك المرشحة لتكون مندوبة الولايات المتحدة الدائمة في الأمم المتحدة والتي حاكمت رئيسات الجامعات التي انتفض طلابها ضد الوحشية الإسرائيلية أثناء عضويتها في مجلس النواب الأمريكي، ومايك هاكابي المرشح سفيراً للولايات المتحدة في إسرائيل وهو من أنصار الاستيطان. وعبَّر كل من مايك والتس المرشح لمنصب مستشار الأمن القومي، وماركو روبيو المرشح لمنصب وزير الخارجية، عن مواقف مماثلة، وليس من المتوقع أن يختلف المرشحون للمناصب المهمة الأخرى مع هذه التوجهات ما دام أن ذلك هو ما يؤيده الرئيس الذي اختارهم على أساس ولائهم المطلق له.
يبقى على القوى والحكومات العربية المناصرة لحق كل شعوب المنطقة في تقرير المصير والسلام أن تجتهد لتجد الأسلوب المناسب للتعامل مع هذه الأفكار المقدمة لساكن البيت الأبيض الجديد.
نقلاً عن «الشروق»