نتأمل كيف نملأ النصف الفارغ من الكوب
الرئيسية / اخبار السلايدر / الدولة العربية الهشة، ونخب الحكم بالوكالة عن الغير! (1/2)

الدولة العربية الهشة، ونخب الحكم بالوكالة عن الغير! (1/2)

نبيل عبدالفتاح
نبيل عبدالفتاح

نبيل عبدالفتاح

حالة «موت السياسية»، شكلت واحدة من ظواهر الاعتلال السياسي البنيوي.. الممتدة في حياة النظم الشمولية والتسلطية، التي اجتاحت العالم الثالث والعربي.. ما بعد الاستقلال؛ حيث قامت النخب السياسية.. من آباء الاستقلال، باستلهام التجارب السياسية الماركسية – من المرجع الإيديولوجي المستمد.. من الإمبراطورية السوفيتية أو من الماوية – مع تعديلات جزئية، وكلها.. اعتمدت تأسيس تنظيم حزبي واحد؛ يرمي إلى لعب أدوار التعبئة السياسية والاجتماعية، وتسويغ السياسات العامة والقرارات السياسية الكبرى، ويسعي لبناء شرعية سياسية ما.. بالنيابة او الوكالة، بلا توكيل من أحد. مثل ماكينة توزع خطابات الشعبوية العارمة.. وراء الزعامة السياسية؛ باعتبارها ملهمة وصانعة للتاريخ، وتجسيدا للوطنية والدولة، وأحد أبرز تعبيراتها والأهم؛ بوصف «الزعيم».. محددا للهوية الوطنية. 

… نزعة سياسية غلابة، ساهمت في تكريس الانقسامات الأولية.. بين المكونات العرقية واللغوية والدينية والمذهبية والقبائلية والعشائرية والمناطقية، على الرغم من سطوة استراتيجيات بوتقة الصهر.. بقوة الحديد والنار.. والقمع السياسي والإيديولوجي والديني، التي تبنته النخبة المسيطرة. 

وظاهرة عامة، تأسست على محاولة بناء هويات وطنية هشة، قامت على تحديدها النخبة.. على نحو انتقائي ولاتاريخي.. من أمشاج مختلفة وغير مؤتلفة، تعتمد على أقانيم الاستقلال الوطني، ومعاداة الاستعمار الغربي، والعدالة الاجتماعية والاشتراكية العربية، والزنوجة.. والفكرة الأفريقانية لدي سنجور.. وشيخ أنتاديوب، والتقدم، والوحدة الوطنية، وتمجيد الجموع الشعبية! 

حالة عامة وعارمة.. من التصحر السياسي ومعاداة الكولونياليات الغربية، ورفض وكراهية التعدديات السياسية.. وتجريمها وحظرها قانونيا! حيث تم إغلاق المجال العالم السياسي، وبناء تنظيمات سياسية وحيدة، على نحو ما تم في مصر؛ من هيئة التحرير.. إلى الإتحاد القومي.. إلى الاتحاد الاشتراكي العربي، ثم ذات الحزب المهيمن.. في طور جديد فيما بعد. وفي السودان.. الاتحاد الاشتراكي، وفي العراق أيضا، والمؤتمر الشعبي.. في اليمن الشمالي، والحزب الاشتراكي في الجنوب، وحزب جبهة التحرير الجزائري، والحزب الدستوري التونسي.. على عهد بورقيبة. والحزب الواحد القائد، المسيطر على أحزاب شكلية هشة.. على المثال البعثي؛ كحزب البعث العربي الاشتراكي، وزعامة الجبهة التقدمية العربية. 

ظلت هذه الأحزاب مسيطرة، لكن كان دورها أداتيا محضا، فهي لا تؤثر في صناعة القرار.. أو السياسات العامة.. او في صناعة التشريعات، رغم سيطرة أعضائها على تشكيلات البرلمانات المتعاقبة.. وفي تشكيل الحكومات. ظلت جميع سلطات الدولة مختزلة في مشيئة القائد الوطني الملهم.. وقراره وإرادته وأهوائه.. وبعض مراكز القوي من حوله! 

ربما كان ناصر.. ومشروعه الاجتماعي والعروبي.. وكارزميته، استثناءا عربيا، رغم قمع التعددية.. وتصفية بعض فوائض المرحلة شبه الليبرالية، وتوظيفه لبعضها في الأجهزة البيروقراطية والتكنوقراطية، وفي السياسة والأمن والثقافة.. الخ. 

ساهمت هذه الأحزاب الواحدية.. في إنتاج ظواهر النفاق السياسي، وتكوين مجموعات من الزبائن والأتباع، والمستفيدين من بعض مزايا القرب من السلطات الحاكمة.. وخدمتها، وبعض الموالين لها.. من المكونات الأولية؛ على أساس التمثيل الرمزي والشكلي.. للأديان والمذاهب، والقبائل والعشائر والقوميات. 

من ناحية أخرى، أدت نظم الحزب الواحد وما بعدها، إلى إعادة إنتاج البنى الانقسامية القبلية.. والعشائرية، والمناطقية، والمذهبية والطائفية، من خلال تشكيلات الحكومات، ودوائر صنع القرار، وقيادات البيروقراطية، والحزب السياسي الواحد؛ في إطار التعددية المقيدة. وفي بعض الأنظمة العربية، كانت هناك أشكال حزبية هشة، داعمة للسلطة الحاكمة.. من خلال جبهات شعبية، اتسم أداءها المكتبي – في الخطابة وإصدار البيانات السياسية – بداعم السلطة الحاكمة (الأمثلة السورية والعراقية بارزة.. تحت قيادة البعث، كما في السودان.. تحت حكم الإخوان في نظام عمر أحمد حسن البشير.. إلخ)، وذلك في تزامن مع بعض الأزمات السياسية الداخلية، أو الإقليمية. لكن الواقع الموضوعي ظل يعيش تحت وطأة ومظلة موت السياسة.

أدت هذه الظاهرة.. إلى قمع أية تفاعلات ومنافسات.. وصراعات سياسية، وقضت على أي حركة فاعلة لأي حزب أو جماعة سياسية.. في الواقع الاجتماعي، وكشف مدي تمثيله أوتعبيره عن المصالح الاجتماعية والاقتصادية.. للتركيبة الاجتماعية، التي تمثل قاعدة هذا الحزب.. أو ذاك، وبرامجه السياسية ومدى فعاليتها. 

والأخطر.. أن اللاسياسة أدت إلي موت العقل السياسي.. والإنتاج الفكري السياسي والاجتماعي، لصالح الغوغائية والشعارات والكتابات الإيديولوجية.. المفارقة للواقع التاريخي والحي، لهذه المجتمعات العربية وجنوب العالم. 

شكلت هذه الأحزاب العربية «المكتبية» – التي لا تغادر مقارها.. إلا بأذن السلطات الأمنية – بعض من ابناء القبائل والعشائر والمناطق، في غالب البلدان التي أخذت بالتعددية الحزبية.. المقيدة والشكلية؛ فقد شكلوا أحزابا في اليمن بعد الوحدة، وهي لاتعدوا ان تكون قبائل.. رفعت لافتات أحزابها. وفي ظل هذه الأوضاع اللاسياسية تحولت الأجهزة الأمنية والاستخباراتية والأيديولوجية والدينية.. إلى الفواعل الرئيسة داخل بنية النظام الشمولي والتسلطي والقبلي؛ خاصة وأنها تمثل تعبيرات سلطوية.. لبعض التركيبات العشائرية والقبلية والدينية والمذهبية والمناطقية الحاكمة. 

من ثم، تشكلت مصالح اجتماعية وسياسية حول النظام/الحزب المسيطر؛ في إعادة إنتاج القبلية والطائفية والمذهبية..إلخ. 

في قلب هياكل الدولة الهشة.. ما دون القومية، وموت السياسة، فشلت عمليات بناء الوطنيات الهوياتية.. ما بعد.. بعد الاستقلال، على الرغم من الأدوار المتعاظمة للخطابات الشعبوية، وأجهزة الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة، التي لا تعبر سوى عن الرأي الواحد؛ مثل الإعلام، والخطابات الدينية، وكافة مكونات وأدوات القمع الأيديولوجي.. والرمزي والمادي من الصحف والإذاعات المسموعة، وقنوات التلفاز، كما هو الحال مع المدفع والدبابة والطائرة.. وهراوة الشرطي في العالم الثالث والعربي، باعتباره جزءا من نهج ممارسات سبعينيات القرن الماضي!

من هنا، أدت أجهزة القمع المادي والأيديولوجي والرمزي.. دورها في إعادة إنتاج الانقسامات الداخلية، حول أصولها العرقية والقبائلية والقومية والدينية، ومخيلاتها الهوياتية، داخل كل مجتمع.. ودولة ما دون الأمة في العالم العربي، وليس بناء الموحدات الوطنية. 

ومن هنا، ظلت الدولة مختزلة في القمع.. والفشل في سياسات بناء الأمة، لصالح هويات وطنية هشة، على الرغم من الضوضاء الإيديولوجية.. حول الوطنية داخل كل دولة، وهو ما كشفت عنه عمليات انهيار الدولة، والأنظمة السياسية؛ في أعقاب ما سمى مجازًا.. بـ «الربيع العربي»؛ تلك الاستعارة السياسية.. المستمدة من الربيع الأوروبي في نهاية القرن التاسع عشر، وربيع براغ عام 1986. 

ومن هنا، يمكن فهم التعثر السياسي في دول الموجة الثانية (لبنان والعراق والسودان).. الي جانب تونس من الموجة الأولى.

(وللحديث بقية)

 

نقلا عن «الأهرام».

شاهد أيضاً

فلسطينيون يقتادون اسرائيليا في خان يونس بقطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023. (أ ف ب)

مصدر: توزيع أسرى إسرائليين على أهداف محتملة للاحتلال في غزة

مصدر مطلع في غزة يقول أن عناصر المقاومة الفلسطينية «وزعت أعدادا من الأسرى الإسرائليين، على مواقع يمكن أن تكون أهدافا للقصف الجوي الإسرائيلي على القطاع.

السفير شريف كامل واللواء المشرفي وقرينتاهما أثناء عزف السلام الوطني. (تايمز أوف إيجيبت)

احتفالية كبرى في لندن باليوبيل الذهبي لانتصار أكتوبر (صور)

مكتب الدفاع في السفارة المصرية يستضيف احتفالية كبرى.. بمناسبة الذكرى الخمسين (اليوبيل الذهبي) للانتصار في حرب أكتوبر المجيدة.