أحمد الجمال
8 مارس هو يوم المرأة العالمي، في ذكرى خروج مظاهرة نسائية من حوالي 15 ألف امرأة عام 1908، جابت شوارع نيويورك، للمطالبة بتحديد ساعات العمل، لتكون أقل مما هي عليه، ولرفع الأجور بأكثر مما هي فيه، وبحق المرأة في التصويت.
ولا بأس أن تحتفل البشرية بيوم المرأة، ولكن البأس كل البأس.. هو أن تنسى الأوطان أيامها الخالدة في تاريخها، وفي المجال نفسه، مجال تعظيم وتقدير دور المرأة، لأننا في مصر لدينا يوم نسوي وطني خالد هو يوم 16 مارس 1991، الذي شهد مظاهرة نسائية مصرية ضخمة.. بمعايير تلك الفترة، قادت فيها السيدة هدى شعراوي حوالي خمسمائة امرأة مصرية، يرفعن الأعلام التي يتعانق فيها الهلال والصليب، ويعلو صوتهن بهتافات ضد الاحتلال البريطاني وضد الاستعمار، ومع المطالبة بالاستقلال التام، وفيها سقطت أول شهيدة مصرية في تاريخنا الحديث والمعاصر.. هي السيدة حميدة خليل.
ولإحياء هذه الذكرى، فإنني أنادي وأناشد الدولة والمؤسسات والقيادات المعنية بالاحتفال بيوم المرأة المصرية، مثلما احتفل بيوم المرأة الأمريكية الذي صار عالمياً.
ولأن 8 مارس يعقبه 9 مارس، ولأن الاستشهاد في سبيل الوطن ورفعته واستقلاله.. جاء في السياق، فإن لنا الفخر أن نحتفل بمناسبة وطنية عظيمة، بعد احتفائنا بمناسبة عالمية.. ففي 9 مارس 1969 كان الفريق عبد المنعم رياض مع جنود وصف وضباط جيش مصر.. في الخط الأمامي لجبهة القتال، يتابع الاشتباك ضد قوات العدو خلال حرب الاستنزاف، وينال الشهادة على النحو الذي يعرفه، أو يجب أن يعرفه، كل المصريين، باختلاف أعمارهم وانتماءاتهم واتجاهاتهم.
عبد المنعم رياض.. ابن قرية سبرباي مركز طنطا، وسليل العائلة التي خدمت جيش مصر؛ لأن أباه هو القائم مقام محمد رياض، وأخواله من عائلة الخولي من القرية نفسها، ومنهم الضابط الحر حسن صبري الخولي، الذي شارك في ثورة يوليو 1952، وكان الممثل الشخصي للرئيس جمال عبد الناصر، وكانت أسرة الشهيد العظيم عبد المنعم رياض تضم نوابغ آخرين، منهم شقيقته الدكتورة زكية رياض. ولمن يريد أن يستزيد عن السيرة الذاتية، ومسيرة الفريق الشهيد.. فالأمر ميسر متاح.
أما ما أود التوقف عنده، وقد كنت من الذين يرددون عند افتتاح أي مؤتمر أو ندوة أو لقاء عام من 1969 حتى انتصار أكتوبر 1973، كلمات تنبع من قلب القلب وبصوت حاسم حزين: «انتباه.. انتباه.. يا بلدنا انتباه.. واسمعي صرخة رياض.. اسمعيها بانتباه.. رياض.. رياض مامتش.. والحرب لسه لسه ما انتهتش».
أتوقف لأقول لمن لا يلتفتون إلا للهزيمة، ويشكون من قلوبهم المفطورة ونفوسهم المكسورة؛ بأن هذا الوطن الذي كسرته الهزيمة، لم يتحول إلى جثمان مهترئ تفوح منه رائحة تحلل الموت، بل صمد وثبت وتمكن من مواطئ قدميه، وأعمل فكره، وبذل جهده، وأعاد بناء جيشه، لتكون اللحظة التي استشهد فيها رئيس الأركان.. الرجل الثاني في الجيش، فيها معه مليون مقاتل؛ منهم على الأقل ما يقرب من مائة وأربعين ألف مقاتل من خريجي الجامعات.. منهم جنود وصف وضباط، تدربوا وأجادوا، وتمكنوا وعاشوا في الخنادق، وعبروا وانتصروا، الجيش – ومن ورائه الأمة كلها – رفضوا الهزيمة وكان ردهم على تليفون موشى دايان، الذي انتظر مكالمة الاستسلام المصري، هو رأس العش، وشدوان، والجزيرة الخضراء، والمعدية، وإغراق المدمرة إيلات، وتدمير ميناء إيلات، وإغراق الحفار كنتنج، وبناء حائط الصواريخ، ودشم المطارات.. وحرب الاستنزاف ثم حرب أكتوبر والانتصار.
ومع كل ذلك – وفيه تفاصيل للفخار والمجد والسؤدد – ولكل ما هو خالد وعظيم في تاريخ الأمم؛ ما زال مدمنو الدونية والانحطاط يدَّعون التأوه والوجع من الهزيمة، ويجعلون منها عنواناً ومحتوى.. يسعون لتكريسهما في وجدان الأمة وضمائر الأجيال، وهم في هذا كله ومعه سلوكياتهم التي أهدرت نتائج الانتصار وشفطت عائده، يكرسون لتفوق العدو، ويدعمون جنون فجوره، ودمويته وعنصريته!
ولذلك فإن نداءنا القديم.. بأن رياض مامتش، والحرب لسه ما انتهتش.. ما زال نداء حياً، لأن الحرب هي ضد من يكرسون الهزيمة، ولا يرون غيرها ويتلذذون بالعبودية والدونية.. تجاه العدو الصهيوني ومن يساندونه؛ وهي حرب مستمرة.
نقلاً عن «المصري اليوم»