Times of Egypt

هل عاد الزمن «العثمانلي»؟!

Mohamed Bosila
عبدالله عبدالسلام 

عبدالله عبدالسلام


في التسعينيات الماضية، خاضت تركيا وإيران أكبر عملية مزاحمة وتنافس.. في تاريخهما الحديث. استغلت الدولتان سقوط الاتحاد السوفيتي.. لاقتناص النفوذ، وإعادة رسم خريطة تحالفات دول آسيا الوسطى وجنوب القوقاز – المسلمة الجديدة، ذات الامتداد الجغرافي والثقافي مع البلدين -وبينما ركزت طهران على السياسة ونشر المذهب الشيعي، لعبت أنقرة بورقة الاقتصاد. تدفق رجال الأعمال الأتراك بالأموال والمشروعات.. التي كانت تلك الدول في أشد الحاجة إليها.
… خسرت إيران الجولة، وفازت تركيا بالنفوذ السياسي والاقتصادي، كما جرى اعتماد الصيغة التركية للأبجدية اللاتينية رسمياً.. لدول آسيا الوسطى، واستبعاد الأبجدية الإيرانية.. ذات الأحرف العربية.
التاريخ الإسلامي في معظمه.. تنافس وصراعات، وحروب بين تركيا وإيران.. على الغزو والنفوذ الإمبراطوري (العثماني والفارسي). لكن التاريخ الحديث شهد دفئاً في العلاقات.. منذ قيام تركيا «الأتاتوركية» الحديثة. الدولتان كانتا عضوين في حلف بغداد – الذي ناهضته مصر الناصرية -ثم جاءت الثورة الإيرانية 1979، لتعيد التنافس مجدداً.
لم تكن النتائج فوزاً على طول الخط لأحداهما، بل أحياناً يكون هناك «اتفاق على التعادل».
دعمت تركيا سراً صدام حسين.. في حربه ضد إيران. وقف البلدان – منذ التسعينيات – على طرفي نقيض.. من النزاع الذي فجَّر حروباً عديدة بين أذربيجان وأرمينيا.
قبل شهور، انتصرت أذربيجان ومعها تركيا، وخسرت أرمينيا وحليفتها إيران.
بعد الغزو الأمريكي للعراق 2003، حصدت طهران النفوذ والقوة، وأصبحت «صانع الملوك» في السياسة العراقية.
عقب ثورات الربيع العربي 2011، اندفعت تركيا للتأثير وفرض النفوذ على الحكومات الجديدة.
إيران اختارت الدفاع عن الأنظمة القائمة – خاصة في سوريا – ثم شكلت محوراً للمقاومة.. استثمرت فيه الكثير؛ لبقاء الأنظمة ومناطحة إسرائيل وأمريكا. معهد «تشاتام هاوس» البريطاني للشؤون الدولية قدر أنها أنفقت على سوريا فقط منذ 2011، ما بين 30 و50 مليار دولار.
ورغم كل تلك الخلافات، ظلت مصالح الدولتين متداخلة ومتقاربة. كلتاهما منزعجتان من الوجود الأمريكي بسوريا. أنقرة ترى أن دعم واشنطن للأكراد.. عقبة أمام جهودها لمنع فوزهم بالحكم الذاتي والانفصال. وإيران لا تريد وجوداً أمريكياً.. لا في سوريا أو غيرها، تطبيقاً لشعارها: «طرد أمريكا من المنطقة». هناك اتفاق على رفض النظام العالمي الراهن. تركيا تقول إن العالم أكبر من خمسة.. في إشارة لأعضاء مجلس الأمن الدائمين، وإيران تدعو للتحول عن الهياكل الدولية القائمة، وإقامة شراكة مع الصين.
لكن عالم ما بعد 7 أكتوبر 2023 – الذي نتج عن هجمات حماس على إسرائيل وما تلاه من عدوان وحشي إسرائيلي – قضى تقريباً على قوة حماس، وشل إمكانات حزب الله، وتطور إلى انهيار النظام السوري.. الأمر الذي خلق مشهداً جديداً تماماً.
بحسب جيمس جيفري – نائب مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق – فإن: «كل قطع الدومينو التي تمتلكها طهران.. سقطت. إسرائيل حطمت محور المقاومة. لكن سقوط بشار نسف المحور». إيران تنظر للمستقبل بقلق وربما بخوف. أوراقها ذبُلت. إسرائيل، التي كانت تتردد في مهاجمتها مباشرة، تجرأت عليها.
صحيفة «وول ستريت جورنال» كشفت أن مساعدي ترامب.. يدرسون إمكانية شن ضربات جوية وقائية.. لمنعها من صنع سلاح نووي، بعد تقارير تقول.. إنها زادت خلال الفترة الأخيرة من معدلات تخصيب اليورانيوم المطلوب لإنتاج قنبلة نووية.
طهران في موقف دفاعي حالياً.. بينما حظوظ وأوراق أنقرة في صعود. تقريباً، حلت في النفوذ بسوريا.. محل إيران أيام بشار. لكي تصل إلى ما وصلت إليه، عملت تركيا بدأب لتسليح وتجهيز المعارضة.. انتظاراً للحظة الحسم. وزير الخارجية هاكان فيدان له تصريح لافت: «تركيا قد تتأخر في فعل اللازم، لكنها تفعله بالنهاية».
أهداف أردوغان.. إعادة اللاجئين، وأن تكون سوريا معبراً للتجارة التركية، وأن يحارب جيشها الجديد الأكراد المناوئين له. هذه الأوراق الجديدة.. ستساعده في التعامل مع إدارة ترامب، ولعب دور أكبر بالمنطقة.
بعض القوميين الأتراك المتشددين – المؤيدين لأردوغان – لهم أطماع في سوريا. دولت بهتشلي، رئيس حزب الحركة القومية، صرح – عقب دخول المعارضة السورية حلب – قائلاً: «حلب تركية مسلمة حتى النخاع. التاريخ والجغرافيا والحقيقة والأجداد يقولون ذلك، وأيضاً العلم التركي الذي يرفرف فوق قلعة المدينة».
هل يتبنى الرئيس التركي ذلك؟. المستقبل سيجيب.
ماذا تبقى من أوراق إيران؟
سانام فاكيل – الباحثة في «تشاتام هاوس» – ترى أن طهران ستقوم بـ«إعادة انتشار»..وهو مصطلح عسكري يعني الانسحاب المخطط، ومحاولة الحفاظ على ما بقي من محور المقاومة، والاستثمار في العلاقات الإقليمية.. من أجل النجاة من ضغوط ترامب المحتملة.
أما تركيا، فهناك اندفاعة لملء الفراغ الذي تركته إيران. وهناك من يبالغ، ويقول إنه القرن التركي الجديد.
نقلاً عن «المصري اليوم»

شارك هذه المقالة
اترك تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.