ما زال وقف إطلاق النار الهش في الحرب بين إسرائيل وحماس صامدا في يومه الثاني الاثنين، بعد إفراج إسرائيل عن 90 معتقلا فلسطينيا من سجونها إثر إفراج حركة حماس عن ثلاث رهينات إسرائيليات كن محتجزات في قطاع غزة في اليوم الأول لبدء سريان وقف إطلاق النار بين الطرفين بعد أكثر من 15 شهرا من حرب مدمّرة.
عادت الرهينات الثلاث اللواتي أطلق سراحهن الأحد إلى عائلاتهن ونقلن إلى المستشفى في وسط إسرائيل حيث أكد طبيب بأن وضعهن مستقر.
وبعد ساعات في الضفة الغربية المحتلة، غادر أسرى فلسطينيون سجن عوفر بعدما أطلقت سراحهم السلطات الإسرائيلية فيما احتفلت الحشود بوصولهم.
ومع دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، تحرك آلاف الفلسطينيين النازحين في أنحاء غزة للعودة إلى مناطقهم.
بدأ تطبيق الهدنة قبيل تنصيب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة لولاية ثانية، علما بأنه أشار إلى أن الفضل يعود إليه في وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه بعد شهور من المفاوضات.
وإذا سارت الأمور وفقا للخطة، فسيستغرق تطبيق الهدنة أسابيع بل حتى أشهرا علما بأن جميع الأطراف المعنية لم تتفق إلى الآن سوى على المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار.
ورغم المخاطر، تدفق مئات الفلسطينيين إلى جباليا المدمرة في شمال غزة والتي تعد من المناطق الأكثر تضررا جراء الحرب.
لم تنتظر رنا محسن (43 عاما) بدء التهدئة وتوجهت مع زوجها وأطفالهما الأربعة إلى منزلهم في مخيم جباليا. وتقول لفرانس برس “فرحتي لا توصف، نحن في منزلنا أخيرا. صحيح انه مجرد ركام لكنه منزلنا، نحن محظوظون لأن جزءا من السقف لا يزال صامدا”.
وأكدت حماس الاثنين ان غزة “ستنهض” من جديد لإعادة بناء القطاع رغم الدمار الواسع الذي خلفته الحرب. وقالت الحركة في بيان صحافي إن “غزة بشعبها العظيم وإرادتها الصّلبة ستنهض من جديد، لتعيد بناء ما دمّره الاحتلال، وتواصل درب الصمود، حتى دحر الاحتلال، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس”.
لعبت قطر والولايات المتحدة ومصر دور الوساطة للتوصل إلى المرحلة الأولى من اتفاق الهدنة التي تستمر 42 يوما.
ويفترض بأن تفسح الطريق لإيصال المساعدات الإنسانية الضرورية إلى غزة في وقت يتم الإفراج عن مزيد من الرهائن الإسرائيليين مقابل معتقلين فلسطينيين.
ينص الاتفاق على انسحاب القوات الإسرائيلية من بعض أجزاء غزة مع بدء الأطراف المعنية التفاوض على بنود اتفاق دائم لوقف إطلاق النار.
ويفترض في المرحلة الأولى من الهدنة بأن يتم الإفراج عن 33 رهينة مقابل 1900 فلسطيني.
- عودة الرهينات –
سلّمت حركة حماس الرهينات الثلاث الى الصليب الأحمر في ساحة السرايا في حي الرمال في مدينة غزة، وسط تجمهر حشد من السكان وعناصر كتائب عز الدين القسام بلباسهم العسكري وأسلحتهم.
والرهينات هن إميلي داماري (28 عاما) التي تحمل أيضا الجنسية البريطانية، ورومي غونين (25 عاما)، ودورون شتاينبرخر (31 عاما) التي تحمل أيضا الجنسية الرومانية.
وقالت ماندي والدى داماري إن ابنتها “أسعد امرأة في العالم إذ عادت إليها حياتها”. وأضافت بأنها “تحسنت أكثر مما كان أي منا يتوقع” رغم أنها خسرت اصبعيها.
وأما عائلة شتاينبرخر، فأكدت بأن الرهينة السابقة “تبدأ رحلتها لإعادة التأهيل اليوم”.
في “ساحة الرهائن” في تل أبيب، استقبل الآلاف الثلاث بالدموع والتصفيق والعناق.
لكن ساد قلق في إسرائيل الاثنين حيال المراحل التالية للهدنة إذ حذّرت الكاتبة سيما كدمون في صحيفة “يديعوت أحرونوت” من أن عمليات الإفراج المقبلة عن الرهائن قد تكون أكثر إيلاما.
وكتبت “سيصل بعضهم على النقالات والكراسي المتحركة. سيصل آخرون في توابيت. سيصل البعض وهم جرحى في وضع نفسي صعب سيمنع بث بعض التسجيلات المصورة لهم”.
وبعد عودة الرهينات، أكدت مصلحة السجون الإسرائيلية الإفراج عن 90 معتقلا فلسطينيا صباح الاثنين.
وفي بلدة بيتونيا قرب سجن عوفر، هتف الفلسطينيون لدى وصول الحافلات التي تقلهم إذ صعد بعضهم فوقها رافعين علما لحماس.
وقالت أماندا أبو شرخ ( 23 عاما) لوكالة فرانس برس “كل السجناء الذين يتم إطلاق سراحهم اليوم نشعر وكأنهم عائلة بالنسبة لنا، إنهم جزء منا، حتى لو لم يكونوا أقارب لنا”.
ووصف أحد المعتقلين الذين أفرج عنهم ويدعى عبد العزيز محمد عطاونة السجن بأنه “جحيم”.
وأفاد مسؤول رفيع من حماس فرانس برس بأن عملية التبادل الثانية ستتم السبت.
من جانبها، دعت رئيسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر ميريانا سبولياريتش جميع الأطراف إلى “الإيفاء بالتزاماتها لضمان إتمام العمليات المقبلة بشكل آمن”.
- دخول المساعدات –
وقال توم فليتشر، منسق الإغاثة في الأمم المتحدة، إن 630 شاحنة دخلت غزة في الساعات الأولى منذ بدء سريان الهدنة، 300 منها توجهت إلى شمال القطاع.
وأعلنت قطر الاثنين أنها بدأت بتوفير مليون لتر من الوقود يوميا إلى غزة لعشرة أيام.
ويفترض أن تمهد الهدنة إلى انتهاء الحرب لكن لم يتم بعد وضع اللمسات النهائية على المرحلة الثانية.
وشوهد آلاف الفلسطينيين الذين يحملون الخيام والملابس ومتعلقات أخرى يتجهون إلى مناطقهم الأحد بعدما دفعت الحرب معظم سكان غزة البالغ عددهم 2,4 مليون إلى النزوح.
وأكد برنامج الأغذية العالمي بأنه يتحرك لإيصال المواد الغذائية لأكبر عدد ممكن من أهالي غزة.
وقال نائب مديره التنفيذي كارل سكاو “نحاول الوصول إلى مليون شخص في أقرب وقت ممكن”.
خلال الهدنة الوحيدة السابقة التي لم تدم أكثر من أسبوع في تشرين الثاني/نوفمبر 2023، أطلقت الفصائل الفلسطينية رهائن أيضا مقابل أسرى فلسطينيين.
وأعلنت وزارة الصحة التابعة لحماس الأحد ارتفاع حصيلة القتلى في قطاع غزة نتيجة العمليات العسكرية الإسرائيلية الى 46913 منذ بدء الحرب قبل أكثر من خمسة عشر شهرا.
اندلعت الحرب في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 إثر هجوم غير مسبوق لحماس داخل إسرائيل، وحوّلت القطاع كتلا هائلة من الركام جرّاء حجم التدمير الذي قالت الأمم المتحدة إنه “لم يسبق له مثيل في التاريخ الحديث”.
وتسبّب هجوم حماس بمقتل 1210 أشخاص، معظمهم مدنيون، حسب تعداد لوكالة فرانس برس يستند إلى بيانات إسرائيلية رسمية. وخُطف خلاله 251 شخصا ما زال 91 منهم محتجزين في قطاع غزة، أعلن الجيش مقتل أو وفاة 34 منهم.